فشل مشروع القرار الفلسطيني العربي في مجلس الأمن الدولي
فشل مشروع القرار في حصد الأصوات التسعة اللازمة لاعتماده ، حيث وافقت عليه ثمان دول فقط، وعارضته دولتان ، فيما امتنعت خمس دول عن التصويت ، وذلك خلال الجلسة التي عقدت منتصف هذه . ويدعو مشروع القرار المدعوم عربيا إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة في حدود عام 1967 تكون القدس الشرقية عاصمتها بينما . بينما يؤكد الشعب الفلسطيني يوميا وبأشكال مختلفة أن خياراته محسومة في مقاومة موحدة وطنيا للاحتلال بالوسائل المتاحة كافة وكان يأمل في موقف دولي ملزم ينهي الاحتلال ، ما زالت قيادته الشعب الفلسطيني تعلن أن كل الخيارات مفتوحة ، ومنها طبعا خيارا استئناف المفاوضات والتنسيق الأمني مع حكومة الاحتلال ، وما زال المجتمع الدولي في أحسن حالاته يصدر قرارات برلمانية غير ملزمة لحكوماتها الاحتلال الصهيوني . لا يمكن تجاهل حقيقة أن القرارات غير الملزمة التي اتخذتها برلمانات بريطانيا وفرنسا واسبانيا وايرلندا والبرتغال إنما تخلق بيئة سياسية دولية ضاغطة شعبيا باتجاه الاقتداء بالسويد في اعترافها الرسمي من جانب واحد بدولة فلسطين .. وفي السياق ذاته يندرج إجماع 122 دولة عضو في محكمة الجنايات الدولية على قبول دولة فلسطين عضوا مراقبا فيها وكذلك القرار الذي اتخذته الحكومة السويسرية ، بالرغم من ضغوط دولة الاحتلال وراعيها الأميركي ، بعقد اجتماع للدول الأطراف في ميثاق جنيف الرابع لبحث الوضع في الضفة الغربية وقطاع غزة وشرقي القدس . إن الحراك الدبلوماسي الدولي الذي أثاره قرار الرئيس محمود عباس بالتوجه إلى مجلس الأمن الدولي لاستصدار قرار أممي يحدد جدولا زمنيا لإنهاء احتلال عام 1967 ويعترف بدولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية على الأرض المحتلة يؤكد أن القيادة قادرة على امتلاك زمام المبادرة السياسية عندما تقرر ذلك . إن التحفظات التي أعلنها رياض المالكي على مشروع قرار فرنسي بديل ، تأكيد وجود أطراف دولية تحاول تغيير نص مشروع القرار الفلسطيني ، إنما يشير إلى مواقف أوروبية سلبية تتعارض مع روح القرارات غير الملزمة التي اتخذتها برلماناتها تأكيد عدم نجاح المشروع الفلسطيني – العربي في مجلس الأمن الدولي بقدر ما تشكك في حسن نوايا الحكومة الفرنسية . فمن المعروف أن وزير الخارجية الفرنسي كان قد حاول جاهدا تجنب عرض مشروع القرار الفلسطيني على مجلس الأمن الدولي ، منسجما في ذلك مع موقفي دولة الاحتلال وراعيها الأميركي ، محاولا استبداله باقتراح عقد مؤتمر سلام في باريس كمدخل لاستئناف المفاوضات الفلسطينية الثنائية مع دولة الاحتلال. وعندما فشل في الالتفاف على المشروع الفلسطيني لجأ إلى تقديم اقتراح بديل إلى مجلس الأمن الدولي ينسف المشروع الفلسطيني من أساسه ، بعدم دعوة الأمم المتحدة إلى الاعتراف فورا بفلسطين دولة كاملة العضوية ، وبتحديد سقف زمني لاستئناف المفاوضات الثنائية على الوضع النهائي مع دولة الاحتلال لمدة عامين يبدأ بعدها فقط انسحاب قوات الاحتلال بدلا من انتهاء انسحابها بعد عامين وفق المشروع الفلسطيني ، والأخطر من ذلك أن المشروع الفرنسي يقترح ربط الاعتراف بدولة فلسطين باعتراف مواز ب”رؤية العدو ليهودية الدولة ” كما قال المالكي وتستقوي فرنسا في مشروعها المشبوه بدعم ألمانيا التي تضغط لحذف أي جدول زمني من نص المشروع ولتضمينه النص على أن دولة الاحتلال هي “الدولة القومية للشعب اليهودي”. وكانت بريطانيا قد اقترحت مشروع قرار منفصل لا يختلف في الجوهر عن المشروع الفرنسي ، لكن فرنسا في نهاية المطاف أقنعت بريطانيا وألمانيا بتبني مشروعها المرفوض فلسطينيا ليتحول إلى مشروع أوروبي. وكان احتكار الولايات المتحدة لما سمى “عملية السلام في الشرق الأوسط” على مسارها الفلسطيني قد انتهى رسميا بفشل المفاوضات الثنائية التي نسقها كيري ، لكنها كانت قد انتهت عمليا عندما توجه الرئيس ابو مازن إلى الأمم المتحدة كي تعترف بفلسطين دولة عضوا فيها عام 2011، وقد عارضت واشنطن التوجه الفلسطيني الأممي الجديد حتى الآن ، وأفشلته في مجلس الأمن الدولي. والولايات المتحدة تؤكد بأنها مصرة على إفشال المحاولة الفلسطينية الجديدة المرتقبة ، لكنها تحاول أن تتجنب إفشالها باستخدام الفيتو ضدها خشية أن يؤثر ذلك في تماسك الجناح العربي في الائتلاف الذي تقوده في حربها المعلنة على الدولة الإسلامية ، لذلك فإنها حاول جهدها اليوم للضغط أولا من أجل منع وصول المشروع الفلسطيني إلى مجلس الأمن ، وثانيا من أجل تغيير نصه إذا ما أصر الرئيس الفلسطيني على قراره ، وثالثا من أجل طرح مشروع قرار بديل للمشروع الفلسطيني إن رفض الرئيس الفلسطيني تغيير نص مشروعه. ومما لا شك فيه أن المشروع الفرنسي يقدم هذه الخدمة للولايات المتحدة ودولة الاحتلال. ولا يوجد حتى الآن ما يدحض أن الولايات المتحدة ما زالت مصرة على نهجها العدائي للشعب الفلسطيني ، وعلى رعاية الانقسام الفلسطيني ، وعلى استمرار التناقض بين ما تقوله عن تأييدها المعلن لقيام دولة فلسطينية ك مصلحة حيوية للأمن القومي الأميركي ، كما قال أوباما ، وبين معارضتها لصدور قرار أممي يعترف بدولة فلسطين عضوا في الأمم المتحدة ، وبين معارضتها اللفظية ل النشاط الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 لأنه غير مشروع وبين رفضها لأي إجراءات عملية لوقفه مثل فرض عقوبات أميركية ودولية على دولة الاحتلال من أجل وقفه ، ف التقارير التي تتحدث عن تفكيرنا في فرض عقوبات على العدو لوقف الاستيطان هي تقارير عارية عن الصحة تماما وليس لها أساس. ومن الواضح أن الموقفين الأميركي والأوروبي لا تغيير جوهريا فيهما ، وتهديد الرئاسة الفلسطينية بالذهاب إلى المنظمات الأممية والدولية فقط بعد اختبار الموقفين في مجلس الأمن الدولي هو مضيعة مؤكدة للزمن الفلسطيني أكثر منه مخاطرة سياسية محسوبة ، ولا يجب أن يظل الرهان عليهما خيارا فلسطينيا “مفتوحا”. فالتجربة التاريخية تؤكد أنهما لن يتغيرا إلا بالضغط العربي والفلسطيني عليهما. وقد كانت المقاومة هي فقط التي فرضت على الأميركيان والأوروبيين التعامل مع الخيار الفلسطيني لحل الصراع العربي الصهيوني في فلسطين وعليها بعد أن محيت عن الخريطة السياسية. لذلك لم يعد منطقيا أن تظل الخيارات الفلسطينية مغلقة على المقاومة بأشكالها كافة و مفتوحة على التنسيق الأمني مع دولة الاحتلال واستئناف المفاوضات معها والرعاية الأميركية لها والرهان على قرارات أوروبية غير ملزمة ودعم عربي مرتهن لإملاءات واشنطن. إن التوجه الأممي للرئاسة الفلسطينية يحظى بإجماع فلسطيني يتجاوز الانقسام السياسي الداخلي ، لكنه توجه سوف يظل أعرج إن لم يردفه توجه مماثل نحو وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال كأساس موضوعي لوحدة وطنية على قاعدة المقاومة تسارع إلى تفعيل القيادة الوطنية الموحدة المتفق عليها في اتفاقيات المصالحة .
بقلم جمال ايوب