خمسون عام على انطلاق حركة فتح
خمسون عام على انطلاق حركة فتح
نتقدم لجميع أبناء فلسطين بالتهنئة بمناسبة العام الجديد .. خمسون عام على انطلاق حركة فتح العملاقة رائدة الكفاح المسلح والتي قدمت الشهداء والجرحى والأسرى والمبعدين وما زالت تقدم كل يوم العشرات من أبنائها بين شهيد وجريح وأسير ومطارد على يد الاحتلال الصهيوني .. مع ألانطلاقه الخمسون استطاعت حركة التحرير الوطن (فتح)بصمودها وحيويتها أن تؤمن لنفسها صفة الديمومة , وان تكسب مايعطى لها خصوصية عن الأشكال المعروفة في تجارب الحركات الثورية التحررية المعاصرة , فقد استمدت حركة فتح حويتها مما استنبطته من الواقع الفلسطيني , لاستقطاب مختلف فئات وأجيال وطبقات الشعب الفلسطيني , ومكنتها من استيعاب كافة الفئات من مختلف الأعمار نساء ورجالا وعلى امتداد مواقع التجمعات السكنية في مختلف المناطق الفلسطينية .
انطلاقة حركة التحرير الوطني الفلسطيني ـ فتح ـ كان البلاغ الأول إيذانا بميلاد فجر جديد ، ميلاد الثورة الفلسطينية المسلحة لتكون فتح أول من تبنّى الكفاح المسلح لتحرير فلسطين ، في ظل عالم كان لا يفهم لغة غير لغة القوة لم يرق ذلك لبعض الأنظمة العربية التي كانت تخشى على نفسها من عدوان صهيوني في ظل إفلاسها وانشغالها بالمهاترات السياسية في ذلك الوقت ، فشنت حملة إعلامية واسعة على حركة فتح ، وشرعت بحملة اعتقالات طالت معظم قيادات الحركة ، وعلى رأسهم قائدها ومؤسسها الشهيد ياسر عرفات. ولم تمنع كل إجراءات المنع والملاحقة والتضييق من مواصلة مسيرها ,ولم يكن الكفاح المسلح مجرد شعار فضفاض ترفعه الثورة الفلسطينية ، بل كان جملة من المضامين والتوجهات المثمرة. فحيث تواصلت العمليات الفدائية في عمق الكيان المحتل ، كانت فتح تدير جملة من المسارات الهادفة إلى بلورة الهوية الوطنية للشعب الفلسطيني عبر منظومة متكاملة من الأنشطة العسكرية والسياسية والإعلامية والنقابية والثقافية التي حولت واقع الشتات البائس إلى كينونة وطنية .
نتوقف أمام هذه التجربة النضالية للشعب الفلسطيني الذي يعاني اليوم من ويلات الانقسام الداخلي ، ونتساءل أين توحيد الجهود وتكثيفها لاستكمال إنجاز المهام الوطنية التحررية في ظل احتدام الصراع الدائر مع الاحتلال الصهيوني ؟؟ ، ولماذا لم نضع تناقضنا جانب والعمل على إعادة تفعيل مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية وباعتبارها الممثل الشرعي والوحيد والكيان السياسي والمعنوي للشعب الفلسطيني ؟؟ ، ولأنه التفاف الذي نطمح له لا بد من إعادة النظر في الأداء والسلوك ، ولأنها بدايات تحقيق الحلم لا بد من صياغات جديدة تتلاءم وحجم الحلم ، ولا بد من قلب الطاولة على الوسائل البالية التي باتت تشكل عبئا كما تشكل المعضلة الأكبر أمام تحقيق الحلم ، وقيام الدولة يجب أن ننزل عن عروشنا الوهمية ونغلب صوت الجماهير على صوت الواسطة ، ويجب تغليب صوت فلسطين على نبرة اللهو الجماعي الذي مورس على مدار سنوات تحت مسميات عدة ، ويجب تغليب صوت القيادة الجماعية في إدارة البرنامج الداخلي على صوت النبض الذي أصبح مجسا بأيدي دولا وشرائح وقبائل.
فلسطين تستحق برنامجا داخليا موحدا قادرا على إدارة الأزمات ، كما تستحق أن يرفع علمها بألوانه التي شهد عليها أطفال الآر بي جي في لبنان وأطفال انتفاضة الحجارة في فلسطين ، ولأنها فلسطين الوطن القومي لكل فلسطيني تاه عنه العدل لا بد من رص الصفوف ليعلو صوت فلسطين في وجه الظلم …. إنها ثورة تنبض بالسياسة ، ثورة تحاكي الحقوق ، ثورة تصنع المستحيل في أروقة المتناقضات العالمية ، ثورة في حلم عجوز للعودة ، ثورة المفتاح الذي يلمع في سلاسل الصدأ العالمية ، ثورة الأجيال التي لا تنسى أن البرتقال يافاوي الأصل والمنبع ، واحتضنوا الحلم الفلسطيني كما أطلقته خنادق الصبر والصمود والريادة في الوطن وفي كافة أماكن اللجوء والشتات الفلسطيني , بالأمس تجسدت فلسطين في وقفات الميادين الفلسطينية ، التي أبت إلا أن تبقى فلسطينية الروح والنبض والوجدان! إن شلال العطاء الفلسطيني من أجل الأرض والإنسان والقضية بشتى أشكاله وصوره النبيلة والمشرفة مستمر ومتواصل ، ولنا في كل لحظة شهيد بل وموسوعة الشهادة والاستشهاد التي استوجبتها النكبة الكبرى لتخليد الدم الفلسطيني الطاهر ما زالت مشرعة الأبواب ومفرودة الصفحات لاستقبال سير جديدة لكواكب من الشهداء الجدد ينضمون إلى إخوة ورفاق لهم سبقوهم إلى شرف الشهادة ، إلى أن تتم العودة ويتحقق حلم الدولة الفلسطينية المستقلة .
في هذه المناسبة نرى من الواجب علينا أن نحيي المناضلين والشهداء والأسرى والمعتقلين الذين يرزحون في سجون الاحتلال الصهيوني وكل الأسرى والأسيرات والأسرى العرب ، لنؤكد لهم أن طريق النضال هو طريق الشهادة والحرية وأن فجر الحرية بات قريب ، الثورة والانطلاقة قد بدأت ، وكما قال الزعيم الخالد جمال عبد الناصر إن الثورة الفلسطينية وجدت لتبقى وكما قال الشهيد ياسر عرفات إن الثورة وجدت لتبقى ولتنتصر , ولذلك فان غياب التسلسل التنظيمي ، والابتعاد عن الشورى والمشورة وتبادل الرأي واحترام القاعدة ، وعدم اطلاع العناصر قبل الكوادر على مجريات الحال ومستجدات ألأمور والتحدث إلى التنظيم دون خصوصية هذا الغياب المتعمد وغير المتعمد أحيانا أفقد الفتحاويين الزخم التنظيمي الذي لا يليق بحركة فتح العملاقة ولا بتاريخها ومسيرتها. لا ينكر أحد أن ما آلت إليه نتائج الأحداث في الشارع الفلسطيني بوجه عام وأبناء التنظيم المخلصين بوجه خاص حتى يومنا هذا وينذر بتداعيات كثيرة وربما طويلة أيضا وهو ما يضع الحركة أمام خيار صعب شديد التأثير والقسوة ويدعو المخلصين الحركيين الملتزمين إلى التداعي واللقاء والحوار وإعلاء الصوت بجدية واستمرار ، من أجل التجديد والتغيير وتحديث أساليب العمل ، يجب الأخذ بعين الاعتبار اعتماد مناهج الجماعية والتضامنية والتكاملية وإتاحة الفرصة للشباب وتطويرهم وإعداد الكوادر نحو قيادات شابة رديفة فيجب استخلاص العبر.
في هذه المرحلة الصعبة التي تمر بها قضيتنا ويتعرض فيها شعبنا لشتى أنواع البطش والتهديد الصهيونية وما تم قبل أيام من جريمة اغتيال لشهيدنا الوزير زياد أبو عين وفي الوقت الذي تتزايد فيه الضغوط الأمريكية على القيادة والتهديد باستخدام الفيتو ضد المشروع الفلسطيني الهادف لإنهاء الاحتلال ومع وضوح حقيقة المؤامرة التي يتعرض لها مشروعنا الوطني برمته والتي ينفذها العدو الصهيوني , نحذر من مغبة الانجرار وراء محاولة البعض بحرف بوصلتنا الوطنية عن المعركة السياسية الأهم والتي تخوضها القيادة الفلسطينية بتوجه الى مجلس الأمن لإنهاء الاحتلال ، ونؤكد على الأولويات في البرنامج السياسي والوطني بحماية القدس والدفاع عنها ، وإعادة اعمار قطاع غزة وتكريس المصالحة الوطنية وتأمين حياة كريمة لأهلنا وحقها في العودة وتقرير المصير.
المطلوب العمل على عقد مؤتمر فتح السابع أن المؤتمر العام لحركة فتح ، سيشكل رافعة للعمل الوطني الفلسطيني بشكل كامل ، إذ أن عافية فتح تنعكس على الحركة الوطنية كلها ، وهذا يتطلب من الجميع الاسهام الإيجابي لإنجاح المؤتمر لتعزيز مكانة ودور حركة فتح ، على طريق تحقيق الأهداف الوطنية والمتمثلة في الحرية والاستقلال والعودة. والمطلوب من اللجنة التحضيرية للمؤتمر عدم تكرار ما جرى في مؤتمر فتح السادس ، والاستفادة من الأخطاء السابقة ، ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب ، وتمثيل كل الأقاليم بالمؤتمر ، وعدم زج أعضاء غير قادرين على تحمل المسؤولية ، والعمل على أن يكون المؤتمر خارج الوطن حتى يتسنى للجميع حضور ألمؤتمر المطلوب مسيرة تصحيح في البرنامج العسكري والسياسي والتنظيمي , والمطلوب من قيادة الحركة استخلاص العبر من الأخطاء السابقة حتى لا تتكرر هذه الأخطاء. إن المتتبع لحالة حركة فتح هذه الأيام ينتابه شيء من الخوف والقلق على مصير ومستقبل الحركة التي أجتاح هياكلها وأطرها ومؤسساتها ومؤيديها ومناصريها الخلافات و الإحاطات ، وهذا يتطلب تدخلا سريعا من الكل ، الفتحاوي المكلف والغير مكلف ، لإنهاء ملف الخلافات الداخلية وتوحيد صفوف الحركة ، والنصر سيكون حليف حركة فتح لأنها تمتلك جميع مقومات الانتصار في المرحلة القادمة , توحدوا أيها الفتحاويون ففي وحدتكم نصر ، ونصركم نصر لكل فلسطين ، والكثير من أبناء شعبكم يراهنون عليكم ، فكونوا أهلا للأمانة الملقاة عليكم ، فأنتم حملة إرث الشهداء ، والمؤتمنون على مصالح ألجماهير والأوفياء لوصايا الشهداء ألأبرار لنحقق مشروع الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس ، وعلى ذلك فان الخروج من مأزق الذي هو سبب في خدش حركة فتح هو الوصول إلى العقل وأعماله ، واستخدام المنطق لتحقيق الأفضل وذلك يتطلب الحزم بعيد عن الصراعات والمصالح الخاصة ، وبعيدا عن مفردات ومصطلحات الفرقة ، ووضع معايير حركية تعتمد على النظام الداخلي وهيكل البناء الثوري ، والبرنامج السياسي القادر على التعامل مع الواقع والحق وما يحفظ الحقوق الثابتة وإعادة ترتيب التنظيم في كافة المواقع بالداخل والخارج وتشكيل لجان قوية تقوم بالمساءلة والمحاسبة.
وفي الختام أقول ليس عيبا أن نخطئ ، وإنما العيب في الإصرار على ممارسة الخطأ ، والحق أن من يعمل يخطى ، ومن لا يعمل لا يخطى ، ولذلك لا بد من العمل المتواصل والجاد وأن نقرأ بعد كل حين مسيرة العمل ونضع الدراسات للمتابعة والتقويم والاستنتاج ، وفي هذا السياق أقول كذلك .. ليست المرة الأولى التي يختل الميزان في حركة فتح وندعو الله أن تكون اليوم آخرها وهذا يتطلب أن تعد فتح لميلادها الجديد ، فالميلاد على أرض الوطن أكثر واقعية وعقلانية وأوضح رؤية ، وأكثر قدرة على الرصد وحصر الإمكانيات ومعرفة السبل ، وأكثر اقترابا من المنطق. الإخوة ، الوقت ما زال معنا والمهم أن ننطلق في ولادتنا من جديد وإن الجماهير في الانتظار ، والحاجة ماسة إلى ميلاد جديد لحركة فتح .
وإنها لثورة حتى النصر
بقلم جمال ايوب