0020
moasem
002
003
004
005
006
007
008
previous arrow
next arrow

الخطابات الأربعة لإطلاق الطيار الأسير

ما من قضية كشفت مقدار، ما يعتمل في نفوس الناس من اضطراب، مثلما كشفت قضية الطيار الأردني الأسير عند تنظيم الدولة الاسلامية،فقد ظهرت سريعاً أربعة أنواع من الخطابات ،وكل منها يمثل شريحة،تفكر بطريقة مختلفة عن الأخرى وبشكل متباين كليا عن غيرها…

ولعل أكثر هذه التصريحات تعقلاً وانسياقاً مع ما يلزم،للحفاظ على حياة هذا الأسير، هي تصريحات أقاربه وذويه وهي تصريحات متعقلة صادقة (وتلقائية)غايتها الحفاظ على حياة ابنهم،وقد وصف كل من والد الطيار وأخيه، تنظيم الدولة بإخوانه وتوسل إليهم بالإسلام، وذكَّرهم بأنه أخطأ وأنهم إن أحسنوا إليه وأطلقوه فسيكون ذلك مِنَّةً منهم، وكان كلام كل منهما، غاية في اللطف واللباقة، فليس يعقل أن يسبهم ويلعنهم ويستفزهم ويهددهم بتهديد يعلم أنه فارغ، فيودي بذلك بحياة ابنه ويكون هو من جنى عليه وقتله، خصوصا وهو يعلم أنه عندهم مستحق للقتل، فهم سيحاكمونه حسب منهجهم لا حسب منهجه هو،لذلك كان التلطف في الخطاب تلقائيا ومليئا بالحرص على عدم الإستفزاز فماذا يملك أبٌ أو أخٌ أو ابن عمٍ غير التلطف، وهو يعلم أن من يحبه الآن في قبضة من يريد القصاص منه،وفي حَمْأةِ حرب، وقد أمسكوه في قتال،وكان حريصا على قتلهم،فمن العقل والحكمة أن يتلطف بالخطاب ويظهر الأسف، ويرجو العفو،إضافة الى الإعتراف بالخطأ،والمناشدة بما يربطه فيهم من دينٍ ورحمْ،وهذا تلقائي لا يحتاج الى كثير تفكير، والخلق مجبولون عليه ومضطرون إليه بحكم فطرتهمً.

 

أما الخطاب الثاني فكان خطابا همجياً غوغائيا، استفزازيا أشد ما يكون الإستفزاز،ينضح بالسب والتكفير واللعن والشتم بأقذع الشتائم، ومبدوءا  أو ًُمَذيَّلاً بتهديد كبير تخال من يطلقه متأهباً للانقضاض على من أسروه،وكأنهم يقفون في ساحة عامة ويشهرون عليه مسدساً كرهينة،ويشترطون أن تفتح لهم الطريق فقط، ليسلموا من القتل،وليس كتنظيم يشكل دولة ويحتجز أسيراً،ويحكم منطقة مترامية الأطراف وله جحافل وجيوش تجوب الأرض طولاً وعرضاً.

 وقد ملأ هذا النوع من الخطاب الصفحات في (تويتر والفيس بوك واليوتيوب) وكان ملؤه الإستعراض، فلا أدري كيف لا يخجل رجل ناعم في مكتب وثيرٍ،ولا يحمل سلاحا، وكل عدته من الحرب(التلويح بإصبعه الناعمة) يرفعها ويخفضها وينفضها، مُرْغِياً مُزْبِداً شاتماً، وكلما تذكر أنه أمام عدسة الكاميرا لتي عالجها مرات،لتظهر صورته بشكل يناسب أوهامه،  طفحت مراجله أمامها،وانتفخت أوداجه أكثر، وعلا رغاؤه أكثر، كيف لا يخجل أن يهدد من مكتب؟!، ويهدد من؟!  يهدد تنظيما َصْنعَتُهُ الحرب ومِرَاسُه الطِّعان، ويحتجر أسيراً لا نعرف مصيره،ثم يدعي هذا “القط المحاكي صولة الأسد”في التسجيل المصور أنه يريد سلامته، لا والله ما صدق هؤلاء وأقسم على ذلك، وإنما هي سوقٌ دخلوها بغير بضاعة فاشتغلوا بالسمسرة وفي السوق الرائجة لا يربح  السمسار إلا الجعجعة ، ولعل أحدهم كان يحرص أن يستفز الآسرين فينفذوا في الطيار قصاصهم منه، فيرقص بعدها مزمجراً ومتوعداً ومزايداً،أكثر على دمائه،فماذا يهمه من أمره وهو يفعل ما يفعل، وعقدة النقص يفكها عند أمثال هذا،تهديد من غرفة مكتب،ومن فوق كرسي دوار!!!!!!!!!!…….. وسبحان الله فلا ينتحل البطولة في مواطن الرخاء، ولا يتقمصها في الخلوات إلا الجبناء، وقد قال الشاعر(وإذا ما خلا الجبان بأرضٍ…طلب الطعن وحده والنزالا،والأعجب أن يتناقل بعض الخرقى تسجيلات مصورة لهذا وأمثاله، وهم يشيدون ببطولته، وكأن غيداء ناعمة الخدين رخصاء الكفين في خدرها لا تتقن مثل هذا التهديد، بل إن الغيدَ فعلن ذلك أيضا على الصفحات فَوُصِفْنَ بأخوات الرجال والنشميات،ولم يقل عاقل اسكنوا حتى ينجلي الأمر واسكتوا حتى نضمن سلامة الأسير.

 

وقد كان في وسع هؤلاء السكوت ، لو أرادوا سلامة الطيار(فالرجل ما زال أسيراً ولا يعرف مكانه وهومهدد بالقتل) فكيف تستفزونهم على المواقع وتناقشونهم مباشرة يقرأون شتائمكم، وتقولون لهم مهددين (كلنا معاذ) أي كلنا نود قتلكم ثم تطمعون أن يطلقوه ويكرموه، ألا يخشى أحدكم أن يَجُرُّهُم هذا الإستفزاز والشتم والتحدي  لقتله فورا نكاية بكم؟!، ألا تنتظرون على الأقل حتى يصدر شيء من التنظيم يبين مطالباً، أو يكشف عن نيةٍ،والله لو كان هؤلاء صادقون ما سبوا وما شتموا والرجل أسيرٌ في قبضة من يسبونهم.

 

أما النوع الثالث فهو الأعجب،والأكثر إضحاكا وسخرية في موقف مؤلم يتطلب عقلاً وفهماً واعتدالاً،كمثل من يوجه نداءاً للملك أن يهبه فرقة، ليبحث عن الطيار ليخلصه،ثم يقتل آسريه شر قتلة،فيخيل إليك أنه لا يعقل أن من يقصدهم بتهديده، تحاربهم ستون دولة، ويبلغ ما أرسل عليهم من غارات جوية، أكثر من إحدى عشر ألف غارة، لم تقتل منهم حسب التقديرات الأمريكية،إلا  الفاً وبضعة عشر مقاتلاً،أي أنهم أرسلوا عشر غارات لكي لتقتل رجلاً واحداً،هذا إن صح عدد القتلى.

إضافة إلى جيوش البشمركة الكردية والجيش الحر والجيش العراقي،والصحوات الذين لم ينالوا شيئا يذكر إلى الآن وحسب التقديرات الأمريكية،أي أنهم لم يحرزوا شيئا في هذه الحرب.

فكيف يطلق عاقلٌ مثل هذا التصريح، حتى ليخيل إليك أنه غائب عن الوعي تماماً، ويخيل إليك أن من يريد قتالهم، عبارة عن خاطفين أخذوا رهينة ويحتجزونه في مكان ما في أحراش جرش،أو أنهم متحصنون في مغارة.

حقاً “عش رجبا ترى عجبا” إنما هي فرصة للإستعراض ونشر الصور والعربدة،وعندما يسيطر جنون العظمة على شخص ما فإنه سيذهل عن كونه مضحكاً فيما يدعيه من القوة،ويغفل أنه جعل من نفسه مسخرة فيما يهدد به غيره.

 

وهناك نوع رابع،لا يهدد ولا يتوعد،فقط يتكلم أن هذه الحرب لاناقة لنا فيها ولاجمل، وأنها ليست حربنا، ويطالب الدولة بالخروج من التحالف الأمريكي الغربي على تنظيم الدولة،وإن كان ثمة حرب فلتكن موجهة للصهاينة الذين يستبيحون الأقصى يوميا ويمثل هذا الرأي بعض المفكرين وبعض النواب(كهند الفايز) إضافة إلى بعض  المثقفين والكتاب.

إلى من يرأفون بحال أم هذا الطيار وأبيه وزوجته وأقاربه، ويرجون له السلامة أرأفوا بحاله واصنعوا كما صنع أهله وأحسنوا الخطاب فالرجل ما زال أسيرا عندهم فلا تقتلوه ،،،لا تخطبوا عروسا وأنتم تشتمون أباها.