ما وراء داعش؟؟
سواء كان اشتراك الأردن بالحرب على داعش بإرادته وعن قناعته وبناء على حسابات استراتيجية أو كان مكرها نتيجة توسطه للعالم العربي مما يفرض عليه التأثر بكل ما يجري من حوله أو بحكم جواره لدول ملتهبة أو قابلة للإلتهاب إذ ذلك يجعله عرضة للوم على بعض المواقف السياسية التي تجعله يخسر الكثير بحال لم يستجب للإنخراط بما يراه لا يتفق تماما مع نهجه التاريخي, علينا أن نتعامل مع الوضع الراهن ونرتقي بتفكيرنا فوق الصغائر والمصالح الضيقة وأن نضع مصلحة الوطن والكينونة الأردنية فوق كل الإعتبارات.
وعند الحديث عن الوطن, فلا شيء ولا إنسان يتقدم عليه فهو للجميع وفوق الجميع وليس حكرا على جهة دون أخرى. ولا نقبل بل نرفض أن يتظاهر البعض بأنه الأكثر حرصا باختزال مواقف معينة لتحقيق مآرب تخدم مصلحة آنية تعود وبالا على الأردن. الأردن الوطن أولوية الغيارى وعلينا جميعا أن نسمو ونتعقل ليكون الأردن خال من الطفيليات والفايروسات التي تصيبنا بالضعف والهزال لتجعلنا غير قادرين على المقاومة فتنقص وسائل المناعة والتحمل.
من متابعاتنا واستقصاءاتنا, نستطيع القول أن الأردنيين ما عدا غالبية النخبة لم تكن لديهم الرغبة بدخول هذه الحرب التي لا نعرف متى وكيف ستنتهي. القائمون عليها يؤكدوا انها حرب طويلة ولها تبعاتها وتداعياتها. فهناك الخسائر في الأرواح والخسائر المادية والأسر كما حصل لأحد نسورنا معاذ الكساسبة فك الله أسره وأنعم بالصبر على والديه وذويه وهناك تخلخل للعلاقات بين الدول مثلما هناك تقارب أيضا وانعكاسات ذلك كله على الوضع الداخلي الأردني من النواحي الدينية والسياسية والإجتماعية.
الحرب تدور رحاها ومراحلها وآلياتها أصبحت الهاجس الدائم الذي يشغل الدول المشاركة والمباركة وقدر الأردن أن يمر بهذه المحنة الصعبة والقاسية وأن يكون الأكثر تأثرا بها وقد كنا نتمنى على صناع القرار أن ينأوا بالأردن وجيشه وشعبه عنها. أما وقد قدر لنا أن نكون طرفا فاعلا بعد أن فرضت علينا وداعش دائم التهديد والوعيد لكل من هو ليس على خطه المنحرف, فلا بد مما ليس منه بد وهو الدفاع عن قناعاتنا وترسيخ بل خلق الإيمان بصوابية التوجه والقرار ونمضي متوحدين غير منقسمين خلف جيشنا العربي حامي الوطن وسياجه الصلب ونبارك خطاه وندعو له بالتوفيق والنصر بأقل الخسائر. وعلينا توقع أن نفقد بعض أبنائنا ووقوعهم بالأسر وهذه من التبعات الطبيعية والحتمية لأية حرب.
بالمقابل يقول رب العزة : “لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت” أي أنه ليس من المحمود تحميل النفس فوق استطاعتها. واقع الأمر يقول أن الأردن يتحمل أكثر من طاقته إذا أخذنا بالحسبان اللجوء السوري وقبله العراقي والبعض الليبي والحرب على داعش وقبل ذلك الإلتزام بالقضية المركزية مضافا لذلك شح الموارد والدين المتزايد والغلاء الصاروخي والمخفي ربما يكون أكبر من ذلك كله.
لا بد من أثمان باهضة ندفعها نحن الأردنيون والخوف من يأتي زمن لا نستطيع به الدفع فنهلك لا قدر الله. وتحقيقا للمعنى الراقي والقومي والعروبي لشعار القوات المسلحة (الجيش العربي), فالأردن يدافع عن أمته ودينه الحنيف وبالتالي على الأشقاء أن يظهروا تثمينهم للدور الأردني بالدفاع عن حدودهم ويساهموا بالتخفيف عنه مع عدم إنكارنا لما قدموه في الماضي وذهب أدراج الرياح.
لقد بدأ فكر تنظيم داعش ينمو وينتشر ليصبح عقيدة عند الكثير مما دفع السواد الأعظم من الناس ليختاروا بين أن يكونوا او لا يكونوا أن يكونوا تحت المظلة الداعشية أي مع التطرف والتشدد الأعمى والقتل بدم بارد والتلذذ بإزهاق الأرواح والذبح وقطع الرؤوس أو أن يكونوا مع الإسلام الحنيف والحقيقي والعادل والوسطي والبعيد عن المغالاة والشطط في تفسير الثوابت.
في هذا المقام هناك تساؤلات تدور بأذهان الغالبية وتحتاج للبحث والتقصي وقراءة التاريخ فيما يتعلق بالنهج الأمريكي المتبني للصهيونية وأهدافها الإستراتيجية البعيدة المدى. وهنا نستذكر قول الرئيس الأمريكي جورج بوش الإبن “إنها حرب صليبية”. فبعد احتلال العراق أشغلوا الشيعة والسنة بعضهم ببعض. ثم برز تنظيم داعش المولود من رحم القاعدة وهذه الأخيرة ولدت من رحم النهج الأمريكي بذريعة مقاومة الإحتلال الشيوعي لأفغانستان الدولة المسلمة. لكن داعش تفوقت على أمها القاعدة بالمغالاة والتطرف والدموية والوحشية وربما يكون الأمر مدروسا من الداعمين لاستثارة الفريق المعتدل من المسلمين حتى لا يجد بداً من الحرب والتصدي وبالتالي ينشغل المسلمون بحرب دينية ومن ثم يأكلون بعضهم ببعضهم.
هل إيران بريئة من كل ذلك؟؟ هل لأمريكا أن تستثني إيران وهي لاعب رئيسي في العراق وسوريا أرض داعش؟؟ إن ما يجري هو استنزاف للقدرات العربية التي يفترض أن تدعم من أجل استرداد فلسطين وغيرها من الأراضي العربية المحتلة. فكلما زاد الإستنزاف كلما قويت إسرائيل وخف هاجسها الأمني.
وعلينا ألا ننسى الهاجس الباطن والمحرك والمشكل لسياسات أمريكا المتبنية لإسرائيل ألا وهو الخوف من صحوة إسلامية عارمة جامحة, إذ يقول رسول البشرية عليه الصلاة والسلام:” الخير في وفي أمتي إلى يوم القيامة”. وتركيا ومحاولاتها المستميتة للإنضمام للسوق الأوروبية المشتركة وأن تعامل كأي دولة أوروبية أخرى لخير دليل على الهاجس الباطن والمقلق للغرب عموما. فعند الصحوة وحسب تقديراتهم فإن الغرب سيخسر جراءها الكثير فيما يتعلق بالنفط العربي والمصانع الحربية التي قوامها الحروب العربية ولن يكون بمقدورهم خلق بؤر توتر ليجنوا منها الأموال وغير ذلك من المكاسب التي لا يمكنهم التفريط بها.
فداعش والحرب ضدها ما هي إلا غطاء ظاهره الحفاظ على الدين لكن ما تخفيه هو أعظم وأعمق من ذلك. علينا أن نقرأ ما بين السطور ونستذكر الأحداث التاريخية ولا نهمل ما يصرح به زعماء الغرب فهم يعنوا ما يقولون. بالمقابل نحن العرب نتعامل للأسف مع اللحظة الآنية لكسب الشعبية وتجيير الأصوات والآراء لهدف في نفس يعقوب. نسأل الله ان يكفينا شر هذه الحرب ويجعل كيد الكائدين في نحورهم واجعل اللهم الأردن بلدا آمنا مطمئنا وجنبه كل مكروه.
حمى الله الأردن والغيارى على الأردن والله من وراء القصد.
ababneh1958@yahoo.com