فساد الأجانب
في الحقيقة، وفي الواقع، وفي المناسبة … جميعها كلمات إستهلالية يستعان بها لإكساب الجملة التالية مصداقية قد لا تستحقها. ولكني، سأستعين بها، لا لكي أحتمي بها أو أختبيء خلفها، ولكني (في الحقيقة) لدي ما ادلوا بدلوي به في هذا المضمار.
حقيقةٌ … نكثر نحن الأردنيين من جلد ذواتنا، ونكيل الإتهامات لإنتشار الفساد في بلادنا، وقد نكون محقين بذلك لأن قلوبنا على بلدنا وعيوننا على حدوده، فهل الفساد مقتصر على حملة المناصب الرسمية ومدراء الشركات العامة والخاصة أم أن الفساد يتعدى ذلك بكثير.
حقيقة…. أن الفساد صفة متأصلة في النفس البشرية، ومرده الى حب الذات وتقديمها على أي شيء آخر، فقد شهد تطور الجنس البشري مراحل كان يُقتل فيها الآخر من أجل الغذاء والمتعة، وقلّت هذه الممارسات مع التطور الذي مكنَّ شريحة أكبر من الناس من الإستفادة من الثروات، ونظّم الحقوق والواجبات فيما بينهم من خلال الدساتير والقوانين الوضعية.
في الأردن، كما في غيرها من الدول، تحاول مؤسسات دولية أن تصنع لها موطيء قدم لتمثيل مصالحها من خلال المساعدات التي تمهد الطريق لما هو أكبر من إتفاقيات صناعية وتجارية، والأهم من ذلك هي الإتفاقيات السياسية، فهل تقدم تلك الدول المساعدات لسواد عيوننا.
الأمر ليس كذلك، فلنأخذ على سبيل المثال برامج المساعدات الأمريكية USAID للأردن، فهي تركز على التغلغل في المجتمع الأردني من خلال المنظمات غير الحكومية NGOs وهناك أمثلة كثيرة جيدة نرفع لها نحن الأردنيين العقال إحتراماً وشكراً، ولدينا الكثير من الملاحظات التي تجعلنا متخوفين من بعض الممارسات التي تلفها شبهات الفساد، فما السبب في تلك المخاوف.
في الواقع … ان برامج (يو أس أيد) تمول من حكومة الولايات المتحدة الأمريكية USA وشعارها (هدية من الشعب الأمريكي) ولكنها تنفذ من خلال شركات خاصة مسجلة في أمريكا، وذلك عن طريق عطاءات يتم ترسيتها وفقا للشروط المرجعية التي يضعها صاحب العمل TOR وتكون محددة المدة، ومن الأمثلة على ذلك برنامج سياحة الأول والثاني والثالث، والتي صرفت عليها مئات الملايين، فهل قامت الحكومات الأردنية، أو لنقل الجهات الرقابية المتمثلة بمجلس الأمة وديوان المحاسبة بالرقابة على أوجه صرف تلك الهدايا.
صدقوني، وهي حقيقة أيضاً أن هناك بعض الشركات الأجنبية التي تنفذ بعض هذه المشاريع تعلّم الشيطان اساليب مبتكرة في الشيطنة والسرقة، فتطوير موقع اليكتروني لمؤسسة ما يقيد في دفاترهم بعشرات الألوف من الدنانير وهو ابسط من ان يكلف بضعة مئات منها، وهناك ندوات وحلقات نقاشية لأيام، تسجل علينا بمبالغ تفوق سعر أرض في عبدون، ناهيك عن عقود شراء الخدمات التي تشتري الولاءات والصمت أكثر من شراء الكفاءات والعمل.
الحقيقة الأخرى… أن هذه الشركات التي توزع علينا هدايا الشعب الأمريكي قد نسجت علاقات معقدة في المجتمع، ويخيل للأغلبية بأنها مؤسسات حكومية أمريكية وهي ليست الا شركات خاصة على غرار بلاك وتر، ولكنها ذات طابع مدني. لقد أصبحت بعض المشاريع التي تنفذها تلك الشركات واحات فساد، يشترك فيها مجموعة مختارة تحمي بعضها بعضاً، وتحوط نفسها بجدران من المدراء البلهاء الذين لا يفرقون بين القطاعين العام والخاص في أمريكا، ولا يعلمون مع من يتعاملون، وكيف تدار تلك المشاريع من الداخل.
وفي الختام… فأن هذا الأمر لا يقتصر على اليو أس أيد، بل يتعداها لبعض المشاريع الأخرى التي ينفذها الإتحاد الأوروبي أو البنك الدولي، أو البعثات والمنظمات التي تدار من خلال السفارات الأجنبية، وأصبح السفراء ومدراء هذه المشاريع يخاطبون الوزارات والدوائر الرسمية ويتفقدون الحضر والبوادي بدون المرور بوازرة الخارجية الأردنية او إعلامها، ولأنها أموال عامة مُنِحت للشعب الأردني وسجلت علينا، فهل نسمع من نواب الأمة أسئلة رقابية تكشف المستور.