ما مدى احترامنا مواطنين ودولة لمفهوم حرية التعبير؟؟
عند الحديث عن حقوق الإنسان التي يكفلها الدستور, يعني ذلك أننا أمام طرفين متقابلين هما الدولة (الحكومة) والإنسان (المواطن). نستنبط من هذه الكفالة أن للمواطن حقوقا على الحكومة كسلطة تنفيذية بأن تصون تلك الحقوق مستندة على النصوص الدستورية التي تفند الحق من عدمه.
ترى السلطة أحيانا ومن خلال المشاهدات والرصد أنها صاحبة حق بتجاوز تلك النصوص الدستورية بذريعة مطاطية متشعبة أملا بإضفاء الشرعية والصوابية على ما يبدو لنا تجاوزا وتجاهلا لمواد الدستور الناظمة للعلاقة بين الأفراد من جهة وبين الأفراد والدولة من جهة أخرى, وتوضح ماهية تطبيق الأحكام ومعالجة التجاوزات التي لا تتواءم مع حرفية النصوص في الدستور.
وهنا يجب أن لا نغفل روح النصوص التي يستجمعها القاضي من حيثيات القضية المنظورة ويقرر مدى مواءمتها أو مخالفتها. وهذا يتأتى للقاضي ويعتمد عليه في إصدار الحكم بدون التأثر بالنهج الحكومي والمسلك والرغبة المصلحية.
حتى لا أتهم بالدفاع عمن تم توقيفهم أو اعتقالهم في الآونة الأخيرة, فلنعلم أن الإستناد على المبدأ والحق والحقيقة هو المرتكز الذي تتمحور حوله مقالتي هذه. ورغم اختلافي مع نهج وديدن من تم اعتقالهم وقد انتقدتهم بأكثر من مقالة, إلا أنني أسعى خلف الحقيقة والحق من خلال الدستور الأردني الذي يعتبر من أرقى وأروع الدساتير.
تنص المادة (15) من الدستور على: ” تكفل الدولة حرية الرأي، ولكل أردني أن يعرب بحرية عن رأيه بالقول والكتابة والتصوير وسائر وسائل التعبير بشرط أن لا يتجاوز حدود القانون “. فحرية الرأي مكفولة حسب نص الدستور, والمواطن له الحق المكفول أن يفصح عما يجول بخاطره فيما يتعلق بالسياسات والقرارات والقوانين دون المساس بحق الآخرين, مواطنين ودولة ووطن. وإذا تعرض أحد هذه المكونات للضرر الذي يقره الدستور والقانون وجبت المساءلة والعقوبة لردع المتسبب بالضرر ولتصل الرسالة والعبرة وهما بمثابة توعية وتنوير للآخرين ليتجنبوا الوقوع بنفس الخطأ أو مثيله.
كما أن المادة (17) تنص على: ” للأردنيين الحق في مخاطبة السلطات العامة فيما ينوبهم من أمور شخصية أو فيما له صلة بالشؤون العامة بالكيفية والشروط التي يعينها القانون”. ومن خلال هذه المادة للأردني الحق بالتظلم ومخاطبة السلطة بحال تعرضه لحيف أو مظلمة يرى بها انتقاصا لحقه المكفول بالدستور. بالمقابل على السلطة الإستماع ودراسة المظلمة من قبل جهة ذات اختصاص والخروج بحل عادل ومنصف يعطي الحق لصاحب المظلمة أو ينتزع الحق منه إذا ثبت أن تظلمه لا يستند على دليل إدانة.
وحتى لا يتقول أحدهم بعدم الإنصاف وغياب الموضوعية, نقول على المواطن أن يعي ويدرك ويستوعب النصوص الدستورية ما أمكنه ذلك حتى يتجنب المحظورات القانونية ولا ينساق خلف العواطف التي بكثير من الأحيان تستند على فكر المعارضة من أجل المعارضة بينما على المعارضة أن تسعى للإيجابي في النهج الهادف للإصلاح والتوجيه السليم والنقد البناء الذي يبني ولا يهدم. أما الإستمرار بنهج “عنزة ولو طارت” فذلك نهج لن يخدم إلا التوسع بالخلاف والإختلاف وعرقلة المسيرة وإعاقة المضي قدما وإشغال الناس من أجل التحشيد والتجييش والصدام الذي غالبا ما يهلك المجتمعات ويخلق جوا من عدم الإستقرار ويخلق العراقيل أمام فرص التلاقي والتفاهم والحوار والإلتقاء بمنتصف الطريق.
حرية التعبير والرأي هي حرية مقننة ومقيدة بحق الآخرين بنفس الحرية وليست حرية مطلقة, بل حرية لا تخرج عن مظلة القانون الذي يرسم حدودها وطرق ممارستها كحق أصيل. وإذا لم يكن الوضع كذلك, فتلك شريعة الغاب التي تخلو من الضوابط التي تنظم الحياة وتضبط وقع العيش.
والحرية المطلقة كما هو لسان حال البعض المنادي بها هي الفوضى بعينها وهي النرجسية والأنانية التي تتنكر للآخر وتقصيه لمجرد الإختلاف بالرأي حول أمر ما أو قضية ما. بنفس الوقت, يجب على الحرية المقننة أن لا تكون سيفا مسلطا على الرقاب وأن لا تكون أداة ترهيب ناتج عن المغالاة والتغول حتى لا نصل – لا قدر الله ــ لمرحلة انعدام الحرية وفقدانها إذ هنا الطامة الكبرى. وفقدانها حتما سيقود فاقدها للتمرد والإنفلات من قوقعة الغبن والقهر المفروضين عليه بحثا عن حقه بالحرية والكرامة والحقوق المصادرة.
حمى الله الأردن والغيارى على الأردن والله من وراء القصد.
ababneh1958@yahoo.com