0020
0020
previous arrow
next arrow

انتظار

3

انتظار / محمد بدر
الانتظار ( محايد ) كفعلٍ نفسي ٍمجرّد ، إلا أنّه يختلف حسب المدّة و الهدف والنتيجة .
فقد يكون محدود الزمن أو متجدد أو لا نهاية له . وقد تكون له نتيجة سعيدة أو غير ذلك .
ونحن كشعوب وكأفراد أدمنا الانتظار ، نعيش في حالة انتظار دائم ، أو ننتقل من انتظار إلى انتظار .
ننتظر قدوم المولود ، وننتظر أن يكبر ، فان كبر انتظرنا عطفه وبرّه وزيارته . أو أن يأخذنا بيده ليوصلنا إلى دار المسنين ، ثمّ ينسانا .
تستنفر كلّ الأسرة ، لتوفير الأجواء المناسبة للدراسة . فتمتنع عن كثير من الأشياء ، وتقنّن الأصوات والحركات حتى يتمكّن الابن من النّجاح والحصول على معدّل عالٍ يُؤهلّه لدخول الجامعة . فان تخرّج انضم إلى صفوف المنتظرين لفرصة عمل ، إلاّ إن تمكّن بقدرة ( قادر ) من اجتياز الصفوف والحواجز وحصل على فرصة غيره .
تكبر الفتاة ، فتنتظر وأهلها ( نصيبها ) والفارس الذي يأتي على الحصان الأبيض ، فان تأخر فليس عندهم مانع أن يأتي على حصانٍ من أي لون أو حتى بدون حصان ماشيا أو زاحفا . فان جاء نسينا انتظارنا ووضعنا كلّ عقدنا عليه وعلى أهله وأرهقناه بمطالب وشروط يعجز أمثاله عن تلبيتها . وليعيشا بعد ذلك بديْن ينتظرا سداده .
ينتظر ربّ الأسرة آخر الشهر إن كان موظّفا أو الحصول على دخلٍ لتلبية مطالب الأسرة المتعدّدة . ويحتار كيف يتمكّن من توزيع دخلْ محدود ومتآكل على احتياجات ونفقات متنوعة ومتزايدة . فالدخل ثابت أو متناقص بينما الحاجات والأسعار تتزايد وتفوق قدرة الطبقة المتوسطة .
ينتظر المُعارض الوصول إلى الحكم . فان وصل غاص ولاص في تفاصيل الحياة . ونسي ما كان يدعو إليه ، أو اكتشف أنّ هناك فرقٌ بين حساب السرايا وحساب القرايا . وأن الخيال ليس كالواقع . وأنّ التنظير شيء والتطبيق العملي شيءٌ آخر .
ننتظر إصلاحا توقّف ، انتظارا لتغيّرات إقليمية . أو يحدث بالتنقيط الممل . والحراك لا يمتلك الرؤية الواضحة وغير قادر على تطوير وسائله وأدواته .
ننتظر أن يتوب الفاسد فيتوقّف عن فساده بمحض إرادته وذوقه . فلعلّه يتغيّر بين عشيّة وضحاها من حالٍ إلى حال ويصبح من أولياء الله الصّالحين ، فيعيد ( من باب الورع ) ما امتدّت إليه يده بالحرام يوم أن كانت يده طويلة ولا توفّر كلّ ما تصل إليه ، وأن لم تصل أطالها لتصل .
ننتظر أن نصل إلى قانون انتخاب عصري ، طال انتظاره . وليشارك الجميع في العمليّة السياسيّة ينبثق عنها مجلس يمثّل كافّة المواطنين . ولكنّه يتعرّض لإعاقة أثناء السّير الطويل . أو لعل طول الطريق أتعبه فتوقّف وقوفا إجباريّا في محطّات للتعديل والتبديل وإعادة الصّياغة .
والمؤمن ينتظر نتيجة جهده وعمله ، فينال الجزاء الأوفى . وهل من جزاءٍ أفضل من جنّةٍ عرضها السموات والأرض . فالدنيا دار عمل والآخرة محلّ الجائزة .
ننتظر وننتظر وسنبقى كذلك ، ومصيبةٌ أن تنتظر بعيدا لا يصل أو قريبا لا يمر أو رغبةً لا تتحقق . ولو كان الانتظار رجلاً لقتلته أو لطالبت بإيقاع أشد العقوبة عليه . ولنعلم بأنّ الأشد من الموت انتظاره .