ثورة ملك..
قرر أن تكون باكورة عهده “ثورة بيضاء”..
غير أن الأمر استدعى تعاقب عدة حكومات، قبل أن يضطر جلالة الملك في نهاية المطاف إلى أن يشكل الحكومة الراهنة تحت هذا العنوان، وبعد أن بدأ يقود الثورة بشخصه بدءا بتشكيل لجنة الحوار الوطني، وما أدت إليه تلك الخطوة من تعديلات دستورية استدعت مرحلة سابقة حلقاتها الأولى.. واستدعى الملك حلقاتها الأخيرة.. التي لن يفاجأ الأردنيون إن قرر جلالة الملك أن تتبعها حلقات أخريات..
ألم يقرر جلالته التدرج في الإصلاح..؟
شعار حكومة الثورة البيضاء كان قد استنه جلالة الملك الراحل الحسين رحمه الله، مطلقا التسمية على حكومة دولة عبد الكريم الكباريتي (1996ـ1997).. غير أن ظروفا داخلية وخارجية حالت دون تنفيذ مهام تلك الثورة في حينه، بانتظار عزيمة جلالة أبو الحسين.. الذي شكل رؤية اصلاحية منذ بواكير اعتلائه العرش.. وحين اكتشف ما تفعله قوى الشد العكسي، وجلالته هو من أطلق هذه التسمية، كان لا بد من أن يقود المسار بخطى تستحثها رغبة أكيدة في الإصلاح.
سعت قوى شد عكسي إلى تزيين التباطوء تحت عناوين الحكمة، وعدم ملاءمة التعجل.. لكن ارادة الملك حسمت الأمر في نهاية المطاف.
حسمته على نحو حافظ على الأردن كوة تشع ديمقراطية وإصلاح.. وأمن واستقرار وسط محيط متلاطم الأمواج المخلة بتوازن الإقليم.
الأردن وحده واحة أمن وأمان..
والأردن وحده لا يستشعر خشية من قادمات الأيام..
والأردن وحده لا مخاوف لديه من “بكرا”..
بل إن دولا شقيقة، تستشعر أنها مرشحة لأن تداهمها الأخطار.. فتعود لها السكينة، ما إن تذكرت أن الأردن صمام أمن وأمان لكل الإقليم.. بدوله الشقيقة والصديقة.
وفيما لا يفكر بعض قادة دول اقليمية بمغادرة حدود بلدانهم.. خشية وقوع ما تزداد قناعتهم باحتمال وقوعه من مفاجآت.. جلالة الملك يتحرك في كل الإتجاهات بحثا عن مسببات وعوامل الآمان.. أمان الأردن، وأكناف الأردن..
أجهزتنا الأمنية تتصدى لمهامها الملحة والعديدة في الداخل والخارج.. بكل كفاءة واقتدار.
وحيثما توجد حالة غير مستقرة على امتداد الكرة الأرضية، يتواجد نشامى الأردن.. صناع الطمأنينة والإستقرار ضمن قوات حفظ السلام.. لكل بني الإنسانية..
قواتنا المسلحة بدورها لا تنتظر وصول الأخطار إلى حدودنا.. بل هي تبادر.. يتقدمها فرسان سلاحنا الجوي لتحول دون أن تلحق أي جهة العبث بأمن الوطن ومواطنيه.
وينظر الأردنيون في عيون مليكهم.. فيزدادوا شعورا بالأمان.
بل، هذا ما يفعله قادة دول جارة، وشعوبها في ذات الآن..
السر يكمن في الثورة البيضاء.. ثورة الطمأنينة.. ثورة العدل والإنصاف.
عماد هذه الثورة التي يقودها الملك قضاء مستقل.. وصحافة حرة تعكس كل ما يريده الوطن ومواطنيه.. وعمل دؤوب من أجل مراكمة اصلاحات كمية.. تؤدي في نهاية المطاف إلى تغيرات نوعية لصالح كل ابناء الأردن وبنيه.
كل هذا ينتظم في إطار فكر وسطي.. تحدوه رسالة عمّان لعام 2004. وقوانين صارمة تضع حدا لكل ما يمكن أن يمس مرساة السفينة الأردنية.. ويجعلها تحيد عن هدف البناء وتحقيق الطمأنينة.. وتمكين دعائم أردن الغد.
الحسين رحمه الله أرسى دعائم البناء والطمـأنينة للدولة الأردنية، ومواطنيها..
وأبا الحسين يواصل المشوار.. بعزيمة لا تعرف كللا أو ملل.. لا تعرف غير التقدم إلى الأمام.. عزيمة شعارها “لا شيئ غير النصر”.. “لا شيئ غير الإنتصار”..
صمام أمان هذه المسيرة تلاحم والتحام الشعب بالقيادة.. ومراكمة خبرات لا تعرف غير التقدم إلى الأمام.. ليس فقط على طريق الإصلاح الداخلي.. إنما كذلك على طريق التمسك بالمقدسات، ورعايتها.. خصوصا المقدسات الإسلامية والمسيحية في بيت المقدس.
من تأمل ودقق في مخرجات اللقاء الثلاثي الأخير بين جلالة الملك ووزير الخارجية الأميركي جون كيري، وبنيامين نتنياهو.. نتنياهو الذي عارض توقيع معاهدة السلام مع الأردن، بما نصت عليه من رعاية اردنية للمقدسات.. واعترض بشدة على توقيع جلالة الملك ومحمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية اتفاق حق الوصاية الملكية على القدس.. خرج من اللقاء الثلاثي في عمان ملزما باستحقاقات غير مسبوقة، قرر بموجبها وقف اقتحامات الأقصى، وفتح ابوابه للصلاة أمام جميع الفلسطينيين دون حصر ذلك في فئات عمرية دون أخرى.
ثورة الملك ألزمت نتنياهو بما كان يرفضه من اتفاقات.
وهو إلزام محرج لرئيس الوزراء الإسرائيلي، إلى حد حال دون اعلان ما اتفق عليه بالخصوص، واكتفي بتطبيقه.. ليعلن كيري عن التوصل إلى اتفاق بشأن خطوات سرية لن يتم اعلانها، حرصا على نجاح تطبيقها.