"ركَّبنـاه وراءَنـا مَــد إيـدُه علـى الخُــرج "
( بســـم الله الرحمـن الرحيــــم )
“ركَّبنـاه وراءَنـا مَــد إيـدُه علـى الخُــرج “
بقلم: الأستاذ عبدالكريــم فضلـو عقـاب العــزام
الخُـرج: هـو قمـاش مِـن الصُّـوف يُـوضَـع علـى الدَّابَّـة و فيـه جعبتـان عـن اليميـن والشمـال تُـوضَـع بهمـا أغـراض المُسـافِـر.
استغربـت مـا قرأتـه اليـوم علـى المـواقِـع الالكتـرونيَّـة وصفحات الجَـرائِـد مـا تُطـالِـب بـه جماعـة الاخـوان المسلميـن مِـن إطـلاق سـراح نائـب أمينهـا العـام الـذي احتُجِــز علـى خلفيَّـة مَـقـال لـه تطَـاوَل فيـه علـى دولـة عربيَّـة ذات علاقـة مَمَيَّـزة مَـع الأردن، وكانـت دومـاً السَّـنَـد القَـوي للأردن والأردنييـن فـي أوقـات الشِّــدَّة كما أنها أحَــد مَلاذَات الشَّبـاب الأردني للعمـل و العيـش الكريـم.
أعرف ويعرف معي كل الأردنيين أن جماعة الاخوان المسلمين والتي نحترمها جميعاً كانت هي الوحيدة التي تمارس العمل الحزبي ومنذ زمن طويل تحت شعار جمعيَّـة خيريَّـة ونعرف أنها الوحيدة التي كانت متروكة الحبل على الغارب تُمارس ما تشاء من الفكر والتعبير في الوقت الذي كانت باقي الأحزاب تُـواجه المنع والحصار.
كانت الجماعة كغيرها من الأحزاب مرتبطة بفروع وأحزاب خارج حدود الوطن والدولة لا تعترض على ذلك.
كانت الجماعة وحزبها غالباً مُتناغمة إلى حــدٍّ كبير مع توجُّهات الحكومات المتعاقبة لا بل أكثر من ذلك كانت في بعض الأوقات الحالكة تسجل مواقف رائعة و فاصلة في خدمة الوطن والحفاظ عليه وبقائه.
نعــم:
كان الاخوان المسلمـون ( وهنـا أتحدث عن إخوان الأردن) كانوا دائماً يُقـدِّرون الظروف الداخلية للدولـة ويُـراعـون الواقـع العالمي وتداخُلاتِـه، كما كانُـوا يَتميَّـزون بِسِعَـة الأفـق و رَسـم سياساتهم من خلال نظرة كليَّة متكاملة تجمع الجزئيات المتناسقة والمتضادة وتصهرها لتخرج منها بنموذج سياسي جديد يناسب الواقع، يرضى به المواطن ولا يُحرج الدولة مع الداخل أو الخارج.
هكذا كان الاخوان المسلمون وهكذا نأمل منهم أن يكونوا: نأمل منهم أن يحملوا هموم الوطن والمواطن أولاً في هذا الظرف الصعب دون أن ينسوا هموم الأمة وسوء حالها ولكن مراعاة الواقع أولى وأهم من التحليق في الخيال الذي يقود إلى الهلاك.
نأمل منهم أن يعرفوا أن الفـرَّ أحياناً فيه من الشجاعة والجرأة مثل الكرِّ ولا نريدهم أن يكونوا فـرَّاراً ولكن أن يعرفوا متى يقولوا ومتى يصمتوا، وأن يعرفوا متى نسمع لهم ومتى نضع أصابعنا في آذاننا حتى لا نسمع ما يضرّنا.
هذه صورة مختصرة عن الاخوان الذين نعرفهم قبل بضع سنيـن، ولكن السُّـؤال المطروح الآن ماذا اختلَـف عليهم وماذا غيَّــر بعض قياداتهم.
أعتقـد أن شيئـاً مـن الإجابــة قـد يكـون بمـا يلـي:
إن كان أنطقهُـم وجُـود فسـاد ومُفسِـدين فقَـد كـان الفسـاد والمُفسـدون سابقـاً أكثـر مِمَّـا هُـم الآن ولم يتحـدَّث عنهم أحـد، لكـن الفساد مُطاردٌ و مُتابعٌ الآن ولو بالحديث والشِّـعارات على الأقَـل وإن كان لا ينتهي، فلماذا الصراخ والتهويل؟
إن كان أنطقهم الواقِـع السِّيـاسي فأعتقِـد أن سقـف الحُرِّيَّـة الآن أعلى بكثيـر من السابِـق وإن كان أنطقهم بعـض مواقـف الدولة فقد كان للحكومات المتعاقبـة الآن وسابِقـاً من المواقِـف ما لا يَسُـرُّ عـدُوّاً ولا صديقاً، فلماذا في السنـوات الأخيـرة تخصَّص بعض قادتهم بالتصريحات الناريَّـة والتهويل و صـب الزيت على النار، في هذا الظرف الحرج والحسَّـاس الذي يعيشه العالَم غير آبهين بما قد ينعكِس على الوطن من نتائِـج، يُصرِّحون وكأنهم هم من يُمَثِّــل الدولة ويتعصَّبُـون لرأيهم وكأنهم هم الوحيدون المُصيبون وغيرهم على غير جادة الصَّـواب، ويُخالِفون التوجُّـه الجَمْعِـي وكأنهم يُؤمنُـون بالقاعِـدة التي تقُـول ” خالِـف تعـرف”.
نَســوا أو تَناســوا أن في السيــرة من الأمثلة الكثير على ضرورة مراعاة واقع حال الأمة بما لا يضرَّ بالشرع والعقيدة.
نسوا أو تناسـوا أن زرع البغضاء بيـن المُسلمِيـن ضارّ و حـرام حتى لـو كـان القـول بالحـق مِصـداقاً لقوله (ص): “إن قلـت بأخيك المُسلِـم بما فيـه فقد اغْتَبْتَـهُ وإن قلت بما ليس فيه فقـد بهتَّـه”.
من هنـا فإنَّـنـا بِـتـنـا نلمـس عدم التوافق في الرأي بين من يُسمَّـون بالحمائِـم ومن يُسمَّـون بالصقـور مُدركين أن الحمائم يؤمنون بالتغيير المتَدرِّج الذي لا يُـؤذي المُجتمـع و أنَّ الصقـور يُـؤمنـون بالتَّغييـر السَّـريع ولو كـان أكـل اللحـم نيئــاً.
أتمنى على الحمائم أن تجمح كِبـاح الصقور حتى لا تنكسر مناقيرها و حتى لا يأتي زمن لا تجد فيه الحمائم ولا الصقور شجراً تقف عليه ولا هواءً تتنسَّمـه ولا عشــاً تـأوي إليـه.
أتمنَّـى عليكُـم إدارَة حِـوار مُعمَّـق فيمـا بينكُـم يقودكُـم إلـى استـراتيجيَّـات تُـراعِـي المشهَـد الكُلّـي للداخِـل والخـارِج، استراتيجيَّـات تبـدأ بهمُـوم الوطَـن والمُـواطِـن وتتـدرَّج إلـى همُـوم الأمَّـة والإنسانيّــة، كما أتمنى أن لا يعتــدّ كُـل ذي رأي برأيـه و أن نؤمِـن جميعـاً أن الأرض والوطـن والإنسـان هـي المُنطلـق الأوَّل والأخيـر لِكُـل ذي رأي ومبـدأ وإلَّا سنقـول كمـا يُـقـال” لا بِظَـل الجمَـل ولا الجـمّـال”.
الكاتب: الأستـاذ عبدالكريـم فضلــو عقـاب العـزام