المصالحة فشلت لأن الانقسام الفلسطيني جزء من مخطط
بعد سنوات على انقلاب حماس على السلطة وحدوث ألانقسام يحق للمرء أن يتساءل لماذا حدث الانقسام وتصير انقساما جغرافيا ؟ ولماذا فشلت كل محاولات المصالحة الفلسطينية ؟ ولماذا تراجعت الجهود الجادة تجاه المصالحة الفلسطينية ؟ ولماذا لم تبذل جماعة الإخوان المسلمين ودول مثل وتركيا جهودا جادة لرأب الصدع الفلسطيني؟،وإن كانت نخب وأطراف فلسطينية مستفيدة من الانقسام وتُعيق كل محاولة للمصالحة ،فهل هذه النخب والأطراف تشكل وحدها العائق أمام المصالحة أم هي مجرد أدوات صغيرة في لعبة أكبر ؟. الجواب في ظني أن المصالحة فشلت لأن الانقسام الفلسطيني جزء من مخطط إعادة ترتيب وضع المنطقة أي إنه مرحلة مبكرة وانجاز متقدم من الربيع العربي ،ولأنه كذلك فإن الدول والجماعات الفاعلة في المعادلة الشرق أوسطية الجديدة معنية باستمرار الانقسام. إن كان ما يسمى الربيع العربي الذي تُعرف بدايته – يناير 2011 – ولا تُعرف له نهاية ، استحضر تاريخ العلاقة بين جماعات الإسلام السياسي . وخصوصا جماعة الإخوان ألمسلمين والعرب وربط صعود الإسلاميين بإستراتيجية واشنطن للشرق الأوسط الكبير لاستيعاب الإسلام المعتدل وإعادة رسم خريطة المنطقة بما يضمن الهيمنة الإستراتيجية الأمريكية،فإن البداية الحقيقة لتنفيذ هذا المشروع لم تبدأ في تونس ومصر بل في فلسطين عام 2004 ولكن ضمن تطبيق يأخذ بعين الاعتبار الخصوصية الفلسطينية من حيث عدم وجود دولة ونظام سياسي سيادي فلسطيني والواقع الجغرافي المجزأ لمناطق السلطة. كانت واشنطن تدرك تماما بأنه لا يمكن تجاوز القضية الفلسطينية إن أرادت إنجاح مخططها لمواجهة التطرف وإعادة ترتيب الأوضاع في المنطقة،وهنا التقت السياسة الأمريكية لإعادة ترتيب الأوضاع في المنطقة مع السياسة الصهيونية التي تريد الانقلاب على التسوية ومشروع حل الدولتين . لأنه لا يوجد في فلسطين دولة ونظام سياسي مستقل كبقية الدول العربية ،ولأن أسلوب تحريض الشعب على السلطة للخروج إلى الشارع والمطالبة بإسقاط النظام كما جرى في الدول العربية مرفوض من الصهاينة حيث يخشى العدو الصهيوني أي حراك شعبي فلسطيني كما أن الشعب الفلسطيني يرفض الدخول في مواجهة مع السلطة في ظل وجود الاحتلال ، ولأن في فلسطين ازدواجية سلطة وانقسام سياسي وإيديولوجي طرفاه السلطة ومنظمة التحرير من جانب وحركة حماس من جانب آخر ،فقد قرر العدو الصهيوني وبدعم واشنطن أن الأسلوب الأنجع لتحقيق مصلحتهم المشتركة بـ إسقاط النظام في فلسطين يتمثل في تطبيق خطة موجودة مسبقا تقضي بالانسحاب أحادي الجانب من قطاع غزة مما يؤدي لفصل غزة عن الضفة،وإفشال إمكانية قيام دولة فلسطينية في الضفة وغزة بقيادة منظمة التحرير ،وخلق فتنة فلسطينية داخلية – فوضى خلاقة كما تريد واشنطن . لم يكن العدو الصهيوني يريد إنهاء سلطة أبو عمار لأنه يدعم المقاومة بل لأنه يريد تطبيق اتفاقية السلام بحذافيرها بما يسمح بقيام الدولة الفلسطينية المستقلة على كامل أراضي الضفة وغزة،ومن هنا عمل العدو بتشجيع من واشنطن التي اعتبر أن أبو عمار عقبة في طريق السلام وأنظمة عربية تخلت عن أبو عمار وهو محاصر في المقاطعة ، عملوا على تغيير الواقع القائم في مناطق السلطة من خلال خلق أوضاع في قطاع غزة مختلفة عما هي في الضفة وتهيئ قيادات فلسطينية للقيام بادوار وظيفية منفصلة في غزة والضفة .من يتابع مجريات الأحداث في قطاع غزة تحديدا خلال المرحلة المسماة بالانفلات الأمني الممتدة من 2004 إلى حين انقلاب حماس سيلاحظ ،انتشار حالة الفوضى الأمنية وانتشار السلاح وتشكيل جماعات وميليشيات مسلحة خارج الأجهزة الأمنية الرسمية للسلطة وحتى ألفصائل في تلك المرحلة طفا على السطح خلاف حاد بين الرئيس أبو عمار وقيادات فلسطينية في غزة ، العقيدة السياسية التي تحكم واشنطن والعدو الصهيوني والغرب عموما تقوم على مبدأ لا توجد صداقات دائمة ولا عداوات دائمة بل مصالح دائمة ،وحيث أن مصالحهم وكما نصحتهم مراكز التفكير الاستراتيجي تكمن في التحالف مع الإسلام المعتدل وخصوصا جماعة الإخوان المسلمين ،فلم يكن لديهم مانع من التخلي عن حلفاء قدامي إن كان في ذلك خدمة لإستراتيجيتهم الجديدة.بداية تم التخلي عن أبو عمار لصالح قيادات فلسطينية في إطار دور وظيفي في معادلة سياسية لتنفيذ خطة الانسحاب أحادي الجانب من غزة وتصفية المشروع الوطني ،وأخيرا ومع تبني مشروع الشرق الأوسط الكبير عام 2004 والتوجه نحو التحالف مع الإسلام السياسي تم التخلي عن قيادات فلسطينية لصالح حركة حماس التي أدركت مبكرا ومن خلال حلفائها وخصوصا قطر أن العدو الصهيوني لن ينسحب من الضفة الغربية وأن قطاع غزة أقصى ما سيعطيه العدو للفلسطينيين.واليوم نلاحظ الحملة التي يشنها العدو ضد الرئيس أبو مازن ليس لأن أبو مازن لا يريد السلام أو أن مواقفه متطرفة بل لأن هناك معادلة جديدة تحتاج لشخصيات جديدة بسقف سياسي أقل من السقف السياسي لأبي مازن والسلطة مع أن مواقف وسياسات أبو مازن تواجه بانتقادات كبيرة في الساحة الفلسطينية لكونه ذهب بعيدا في المفاوضات وفي مراهنته على عملية التسوية . نلاحظ أن نفس الدور الذي تقوم به اليوم قطر وواشنطن فيما يسمى الربيع العربي قامتا به في فلسطين منذ عام 2004.وهكذا التقى المخطط الصهيوني مع المخطط الأمريكي من خلال وعد حركة حماس بسلطة في قطاع غزة مقابل التزامها بشروط أهمها أن توقف عملياتها الاستشهادية داخل الخط الأخضر وداخل الضفة والقدس وأن يقتصر نشاطها العسكري على قطاع غزة ،وكان عراب هذا التفاهم وزير خارجية قطر،الدولة التي استضافت عندها قيادة حركة حماس و سخرت فضائيتها ومالها وعلاقاتها لنجاح هذا المشروع.وعلينا أن نلاحظ أن قرار حماس بدخول الانتخابات البلدية عام 2005 بعد سنوات من الممانعة بل اعتبار الانتخابات خيانة وطنية ومحرمة شرعا،جاء تزامنا مع بداية مشاركة الإخوان المسلمين في الحياة السياسية رسميا بتفاهمات بين واشنطن وأنظمة الحكم العربية ،ففي نفس العام شارك الإخوان في الانتخابات التشريعية في كل من مصر والأردن وبعدها بعام في المغرب ثم العراق وهكذا حرضت واشنطن والعدو الصهيوني و جماعة الإخوان المسلمين حركة حماس على السلطة ودفعوها للانقلاب عليها بعد أن شجعوها على الدخول في لعبة السلطة من بوابة المشاركة في الانتخابات . إن من يتابع مجريات الأحداث منذ 2004 سيلاحظ كيف أن شارون طرح خطته للانسحاب من قطاع غزة في 2 فبراير 2004 ونشرت رسميا آنذاك في صحيفة هأرتس ،وانسحب العدو بالفعل في سبتمبر 2005 ،ومباشرة قررت حركة حماس وقف عملياتها العسكرية داخل الخط الأخضر ثم أوقفتها في الضفة والقدس،وفي نفس العام قررت المشاركة في الانتخابات المحلية التي جرت في ديسمبر ،ثم في الانتخابات التشريعية في يناير 2006 ،وتلا ذلك الانقلاب في يوليو 2007 في ظل صمت صهيوني المطبق وسكوتها على الهجوم الحمساوي لأيام على مواقع السلطة حيث كان مقاتلو حماس يطاردون رجال السلطة حتى الحدود مع العدو دون أن تفعل هذه الأخيرة شيئا. وهكذا تم تمكين حماس من السلطة في غزة بتعاون أو تواطؤ بعض رجالات السلطة الفلسطينية. ولا نستبعد أن يكون بعض قيادات السلطة العسكريين والسياسيين لعبوا دورا غير مباشر في تمكين حماس من حكم عزة ، مقابل وعد واشنطن والعدو الى قيادات فلسطينية بدور قادم في غزة بعد انتهاء الدور الوظيفي لحركة حماس ،ومن هنا نفهم سبب العداء الشرس بين حماس وقيادات فلسطينية والمساعي التي لا تكل للعودة لغزة. انطلاقا مما سبق فإن الانقلاب العسكري الذي قامت به حركة حماس منتصف يوليو 2007 لم يكن تصحيحا لمسار السلطة أو حسما عسكريا ضد متمردين على شرعية صناديق الانتخابات وليس استنهاضا أو إنقاذا للمشروع الوطني ،لو كان الأمر كذلك لباركتا خطوتها لأن أوضاع السلطة كانت تحتاج لتغيير ، إلا أن ما قامت به حركة حماس كان انقلابا على المشروع الوطني برمته وتدشينا لمشروع إسلام سياسي يبدأ من قطاع غزة،وليس عبثا أن يقف القيادي في حماس عبد الفتاح دخان في ذكرى انطلاق حماس في السنة الموالية للانقلاب ويطلب من جميع الوقوف في المهرجان وكان على رأسهم كل قيادات حركة حماس ليقسموا قسم الولاء للإخوان المسلمين ،وليس عبثا أيضا أن يرفض قادة من حماس الوقوف للنشيد الوطني الفلسطيني أو حتى تحية العلم الفلسطيني،وليس عبثا أو مصادفة أن يعلن السيد إسماعيل هنية أن انتصار مرسي في الانتخابات المصرية انتصار لفلسطين وتنطلق احتفالات ومظاهر فرح عارم في غزة ،فيما القدس تُهود والاستيطان يلتهم غالبية الضفة والمقاومة متوقفة والانقسام يتعاظم يوما بعد يوم . لم يكن الحشد والتأييد المالي والإعلامي لحكومة حماس في قطاع غزة ولرفع الحصار عن القطاع ،الذي قامت به جماعات الإسلام السياسي عبر العالم مدعومة بفضائيات لدول عربية حليفة لواشنطن وخصوصا فضائية الجزيرة ،ببعيد عن هذا المخطط،فقد كلن دعما وتأييدا لنقطة انطلاق مشروع إسلامي مدعوم أمريكيا يبدأ من غزة حتى وإن كان على حساب المصالحة والوحدة الوطنية الفلسطينية ،كان شعار لبيك غزة ورفع الحصار عن قطاع غزة ،كلها آليات وأدوات لإنجاح مشروع إسلام سياسي وليس إنقاذ مشروع وطني أو دعم منطقة محررة للانطلاق منها لتحرير فلسطين كما روجت حماس ومناصروها ،وكما حاول بعض المشبوهين الدفاع عن دولة غزة بالقول بأنه يتوافق مع قرار المجلس الوطني لعام 1974 الذي دعا لقيام سلطة وطنية مقاتلة على أي قطعة أرض يتم تحريرها أو تعطى لنا . كان أمرا غريبا بالنسبة للبعض أن يتوجه كل اهتمام الإسلام السياسي لقطاع غزة ويتجاهل المعركة الرئيسة في الضفة والقدس وكأن غزة في نظرهم أهم من القدس وفلسطين،فلم يفكر الإسلام السياسي وحلفاؤه كقطر وغيرها ،بما لهم من قوة ونفوذ عبر العالم في عمل شيء من أجل مواجهة المخططات الاستيطانية في الضفة والقدس وتركوا أهلنا هناك يواجهون الاحتلال لوحدهم،ولو قدم الإسلام السياسي ومن معه ربع الأموال التي تدفقت على غزة لأهلنا في الضفة والقدس على وجه التحديد ما تغول العدو على أهلنا هناك. حتى تركيا لم تكن بعيدة عن المؤامرة حيث تجاهلت المعركة الحقيقة في فلسطين والقدس وافتعلت معركة رفع الحصار عن غزة وهي معركة خدمت تركيا والعدو معا ولم تخدم الفلسطينيين وإن خدمت النخبة النافذة في غزة. لا شك أن غزة بوطنية أهلها وروح المقاومة عندهم والعمليات التي كانت تنطلق منها كانت تشكل حالة إزعاج للعدو ،إلا أن انسحاب شارون لم يكن فقط بسبب المقاومة في غزة ولكن لأهداف إستراتيجية أبعد،ولو كان الانسحاب بسبب المقاومة لاستمرت المقاومة من غزة بل وانتقلت إلى الضفة لتحريرها كما تم تحرير غزة ،إلا أن الذي جرى أن المقاومة المسلحة بدأت تسير في منحى تراجعي وبات انشغال حماس بتعزيز إمارتها في القطاع أهم من انشغالها بتصعيد المقاومة ونقلها لبقية فلسطين. السُذج فقط يعتقدون أن سبب توقف العمل العسكري لحركة حماس في الضفة وداخل الخط الأخضر بعد سيطرتها على القطاع يعود للتنسيق الأمني بين السلطة والعدو،فمن يطلب الشهادة لا يمنعه تنسيق أمني أو غيره ،والتنسيق الأمني كان موجودا قبل هذا التاريخ بل كان الجيش الصهيوني متواجدا في قطاع غزة ، ومع ذلك كانت تحدث عمليات عسكرية داخل الخط الأخضر والضفة والقدس.لا يعني ذلك تبرئة السلطة والتنسيق الأمني من مسؤولية وقف المقاومة أو حصارها ، بل المقصود عدم تحميلهم كل المسؤولية عن وقف حماس وبقية الفصائل لعملياتها العسكرية،وعلى كل حال لو كانت حماس جادة بالاستمرار بنهج المقاومة فلا يوجد تنسيق أمني في قطاع غزة يمنعها من القيام بعمليات عسكرية انطلاقا من القطاع ،والتهدئة القائمة في القطاع تؤكد ما قلناه من مخطط مرسوم منذ 2004.لم تكن خطة شارون خروجا من غزة فقط بل إخراجا لغزة من مربع المقاومة ومن ساحة المواجهة مع العدو وبالتالي من المشروع الوطني التحرري. منذ الانقسام 2007 ومحاولات حثيثة تجري لاستكمال عناصر ومقومات دولة غزة ، ويبدو أن منظمة التحرير والسلطة والرئيس لم يعد لهم حول ولا قوة فيما يجري في غزة ، وآخرون تحدثوا عن نوع من الكونفدرالية بين كيان غزة وكيان الضفة . للأسف فإن من يلهثون وراء دولة غزة أو يسكتون عن قيامها ينسون الثمن الباهظ الذي تدفعه القضية الفلسطينية وخصوصا الضفة والقدس ،والذين يلهثون وراء دولة أو إمارة غزة يعتقدون انه بمجرد فتح معبر رفح البري للبشر والبضائع أو إقامة منطقة حرة بين مصر والقطاع ،سينتهي الحصار على غزة وتقوم الدولة العتيدة ! وهؤلاء يجهلون وقد يتجاهلون أن لا دولة دون سيادة والسيادة لا تُجزأ ،وبالتالي لن تُكتمل الدولة والسيادة حتى على مستوى دولة غزة إلا من خلال السيادة على فضاء غزة وبحر غزة وهو أمر بيد العدو وليس مصر مهما كان حاكمها،والعدو في ظل أوضاعنا الراهنة لن تسمح بسيادة جوية وبحرية لغزة إلا بثمن باهظ ستأخذه في الضفة والقدس. من الآن ولحين الإعلان رسميا عن دولة غزة ثم الاعتراف بها ، سيدفع أهل غزة ثمنا باهظا من أمنهم واستقرارهم ،لأن من يمنح يمنع وللأدوار الوظيفية غير المستندة على حرية وإرادة الشعب نهاية .هناك ثمن ستدفعه القضية الفلسطينية بشكل عام و أهل غزة بالخصوص حتى يتم رفع الحصار نهائيا .ولأن للدور الوظيفي لحماس في غزة نهاية ، وما دام الآخرون -حركة فتح وفصائل منظمة التحرير وبقية القوى السياسية – لن تمكنهم الصهيونية من دولة في الضفة فقد يتجه التفكير لدفعهم لمشاركة حماس في حكم قطاع غزة أو يحلوا محلها وخصوصا وقد مرت سبع سنوات على حكم حمساوي متفرد ؟ .ومنطقيا نتساءل إلى متى ستستمر حماس تحكم غزة لوحدها ؟.لم يعد خطاب المقاومة بدون مقاومة في الضفة والقدس ،ولا الحديث عن شرعية صناديق الانتخابات التي تجاوزها الزمن ،ولا التعديلات الحكومية الشكلية ،تقنع أحدا بشرعية ما يجري في قطاع غزة ،كما أنها لا تغير من الحقيقة شيئا ،حقيقة أن غزة محكومة بسلطة شمولية لحزب واحد. الصغير والكبير في فلسطين وخارجها بات يلمس اليوم بأن دولة غزة قادمة في صيغتها وحدودها الحالية أو في صياغات وحدود أخرى،وقد كتبنا محذرين من هذا المصير للقضية الفلسطينية،لذا نقول لأولئك الذين يطالبون بالاعتراف بدولة غزة كأمر واقع أو يبرروا ويُجَمِلوا حالة الانقسام أن يتوقفوا عن التذاكي وعن الفذلكات السياسية والبحث عن موقع ودور فشلوا في الحصول عليه قبل الانقسام .هناك فرق بين أولئك المتحذلقين والمنافقين الذين يعتبرون صيرورة غزة دولة انتصارا ويعملون على تكريس هذه الحالة و تجميلها وتبرير سلوكيات من أشتغل عليها من جهة ،وأن نعتبر دولة أو كيان غزة أمرا واقعا جاء نتيجة مؤامرة وممارسات خاطئة وعلينا العمل لتجاوزه ،من جهة أخرى. ،فإن آخرين يدافعون عن دولة غزة ويبررون الأمر الواقع يقومون بذلك ممالأة لحركة حماس وحكومتها بحثا عن موقع في التركيبة السياسية الجديدة،وللأسف كثير من كبار تجار السياسة وتجار الأنفاق وتجار الأراضي ، وبعض العائلات الكبيرة ،يؤيدون دولة غزة أو يسكتون عن قيامها المُدَمِر للمشروع الوطني حفاظا على مصالحهم .وأخيران المصالحة ثمة وتم تشكيل حكومة فهل ستنجح حكومة التوافقية العتيدة فعلاً هذه المرة جدي وصادق ، ستكون مختلفة عن القاهرة ومكة والدوحة بكل طبعاتها ، فما الذي أختلف واستجد ولماذا يلزم الشعب بأن يصدق ويبني آمالاً على هذه المرة ؟؟ وأن ما كان لن يتكرر وأن الفشل لن يعرف طريقه من جديدٍ ، لأنه مغايرٌ ومختلف ظرفاً وزماناً ، رغم أنه متشابهٌ ومتكررٌ مكاناً ، الحقيقة ألا شئ يشجعه على التصديق والإيمان بأن سيكون خاتمة الأحزان ، وأنه ستأتي حكومة توافقية لخدمة الشعب ، ورفع الحصار ، وإعادة الأعمار ، والنهوض بشؤون البلاد ، وتفعيل لجنة الانتخابات لإجراء انتخاباتٍ تشريعية وللمجلس الوطني بما يحقق العدالة في التوزيع والشمولية في التمثيل ؟ ليساهم بدوره في تذليل العقبات وحل المشاكل ، وتبييض كل صفحات الانقسام وسيتضامنون معاً إلى جانب القوى والأحزاب للخروج من الأزمة التي طال أمدها ، واستعصت حلولها ، وتفاقمت مفاعليها وسيلتفتون إلى المستقبل الخطر الذي يكشر فيه الصهاينة عن أنيابهم بمصادرةً للأراضي وتوسعةً للمستوطنات واعتداءا على المقدسات والمواطنين .
وأخيران التفجيرات الإجرامية التي استهدفت قيادات من حركة فتح ومنصة الاحتفال بذكرى أبو عمار لم تكن أمرا مستغربا ، فطالما حذرنا من فتنة قادمة في قطاع غزة بعد الحرب قد تكون أخطر من الحرب . ما عزز هذه التخوفات حالة الاحتقان والتحريض والتشكيك والخوف والقلق التي تسود قطاع غزة والتي تسيطر على العلاقة بين حركتي فتح وحماس ، بالرغم من وجود حكومة توافقية ، وبالرغم من الحرب الصهيونية على الشعب الفلسطيني وغير المسبوقة وخصوصا في القدس والضفة وما يُفترض أن تستولد وحدة وطنية ،
من السذاجة تصديق حركة حماس أن داعش هي مَن قام بي التفجيرات ، بينما لحركة حماس تاريخها دموي في التعامل مع معارضيها . فإن أصابع الاتهام تُشير إلى جماعات من حركة حماس ، سواء من العسكريين الذين توقفت رواتبهم وامتيازاتهم ، أو من جماعات المصالح الاقتصادية الذين اغتنوا وكدسوا ثروات وامتلكوا الاراضي . هذه الجماعات غير الراضية عن المصالحة والمتخوفة من عودة السلطة للواجهة في قطاع غزة ،
هل يجب على الفلسطينيين أن يصدقوا هذه المرة المتحدثين باسمهم الجاثمين على صدورهم ، والمتمسكين بمناصبهم ، والخائفين على وظائفهم ، والساعين لمصالحهم ممن لا يهمهم الوطن ولا يعنيهم الشعب ، إذ لا يحسون بمعاناتهم ولا يشعرون بألمهم ولا يشكون مثلهم ، ولا يصطفون طوابير كأهلهم ، ولا تعتم بيوتهم وتتوقف أجهزتهم ممن يتشدقون بالمصالحة ويدعون التوافق ، ويعلنون دوماً التوصل إلى نهاية سعيدة لأحزان الشعب والوطن المقطع الأوصال ، يحل المشاكل ويتجاوز العقبات ، ويكون في حقيقته إتفاقاً ناجزاً مختلفاً عما سبقه ، ومغايراً عما إعتاد عليه المواطنون الفلسطينيون وأنه واقعٌ لا سراب ، وحقيقةٌ لا خيال ما الذي أختلف هذه المرة حتى يصدق الشعب ويؤمن الفلسطينيون بأن اليوم ليس كالأمس
ليس أمامنا من خيار إلا المصالحة الوطنية استراتيجيا ، فلسطين تحتاج لكل التيارات والقوى السياسية .
بقلم جمال ايوب