0020
moasem
002
003
004
005
006
007
008
previous arrow
next arrow

لنسمي الأشياء بمسمياتها

  راتب عبابنه
الإحتجاجات وردات الفعل والتجاوب والإنجازات والفشل والنجاح والتقصير أمور متواجدة بكل الدول والمجتمعات. لكن الفرق بين دولة وأخرى يكمن في كيفية إدارتها ونمطية التعاطي التي ينتهجها المعنيون لبلورة التفاصيل كي تخرج للملأ حاملة معها سمة الصدقية التي تعبر عن الحدث وعاكسة مدى الإهتمام والنوايا الصادقة التي تخلص في النهاية لاقتناع الناس وتصديقهم للعرض التي تقدمه الجهة الأخرى ونقصد بها الحكومة.
كثير من الدول الديموقراطية وشبه الديموقراطية وحتى الكثير من الدول غير الديموقراطية تتخذ من المصداقية أساسا وسمة تطغى على التعامل مع الأمور الآنفة الذكر سواء كانت إيجابية أو سلبية ومن منظور الحكومة. فلا تحاول هذه الدول أن تداري أخطاء المخطئين ولا تتستر عليهم بل تعاقبهم وتقيلهم إذا لم يستقيلوا من تلقاء أنفسهم. وإجراء كهذا من الطبيعي أن تعود أسبابه للتماثل في الحرص على المصلحة العامة من طرفي المعادلة وهما الشعب والدولة الممثلة بالحكومة وأجهزتها المختلفة.
الإعتراف بالخطأ فضيلة ويعتبر نقطة البداية لرحلة الإصلاح والإتجاه الصادق نحو البحث عن الحلول. أما أن يطلب التصديق والقبول والرضا بما تقدمه الحكومة من تفسيرات لا تقنع الأطفال فهذا يعني ومن منظور الحكومة أننا لم نرتق بعد لمستوى الإنسان بالمطلق بل أشكال أجسامنا تتشابه مع شكل الإنسان لكن العقول لم تتطور وترتقي لعقل الإنسان الذي هو هم الحكومات في الدول التي تتعامل مع المواطن على أساس إنسانيته وعقله الذي يميزه عن باقي المخلوقات. فكيف لنا أن نصدق التلقين الذي هجرته الدول الشيوعية والإشتراكية والذي تلقيه علينا الحكومات ونترك ما تراه العين؟؟ أليس الأثر هو الدال على المسير؟؟
فهذا البعض الآخر من الدول ينهج نهج التستر وحماية المخطئ من خلال التدليس والتضليل وعدم الكشف عن الأسباب الحقيقية التي تقف وراء الحدث سواء كان فسادا أو ظلما أو تغييبا للعدالة أو غير ذلك من الأسباب. بعبارة أخرى, تتم معالجة الخطأ بخطيئة وتبقى الأخطاء تتراكم والإستحقاقات تتزايد ويصبح الهم الأكبر والشغل الشاغل للحكومة متمثلا بخلق الذرائع والتبريرات مع غياب نية إيجاد حلول مما يخلق نوعا من الإحتراف بتمرير الأكاذيب التي من شأنها تغطية العيوب والنواقص والتقصير بأداء واجب الوظيفة.
وتراكمات هذا النهج مع الزمن تجعل من الشعب في مواجهة مع الحكومة وفي النهاية هي كالشخص المدين الذي لا يسدد ما عليه من ديون فنهايته أن يقع تحت حق الدائن فإما السداد أو الحبس. فالشعب له الكثير من الإستحقاقت والمستحقات جراء النهج الذي لم يجعل مكانا للمواطن بأولويات الحكومة التي تخاذلت واستخفت واستمرأت النهج الذي لا ينصف المواطن.
لم يقال وزيرا بسبب تقصيره أو سوء أدائه أو تخلف إدارته. وذلك تحصيل حاصل لكون هذا المسؤول أو ذاك قد جاء للمسؤولية وسيرته الذاتية تشهد لمطواعيته وتوافقيته وهما سمتان لا يبتعدان عن النفاق والتزلف وصاحبهما كالشيطان الأخرس يعلم الحقيقة والحق ولا ينبس ببنت شفة. وهؤلاء هم من يدفعون بالنهج المصلحي ليكون هو السائد.
بينما يحدث في الدول التي تحترم نفسها ومواطنها أن يستقيل أو يقال وزيرا نتيجة فشله باتخاذ قرار مناسب أو سوء إدارة أو تقصير أو قرار أسفر عن ضرر للمواطن. وعندما يكون من الثوابت التي تقوم على مصلحة المواطن أولا ورفع مستوى معيشته فمن الطبيعي ومن التلقائية أن يلفظ المخطئ ويرفض لعدم توافقه مع النهج السائد.
للأسف وبمنتهى المرارة نحن في الأردن نتجرع مرارة تجنيات الحكومات بسبب السياسات التي لا تأخذ المواطن بحسبانها. وحالنا لا يسر إلا عدوا أو مبغضا, إذ نجد النزيه والغيور وصاحب المبادئ والقيم النبيلة التي تربى عليها الغيارى هو الذي يلفظ ويرفض بسبب غياب مقومات النزاهة والغيرة والمبادئ التي يقوم عليها نهج الحكومات.
نراهم ينسبون التقصير والتسبب بالضرر للناس والوطن لظروف قاسية وقاهرة. وإن كان هناك تحقيق لإنجاز أو نجاح بأمر ما, نراهم لا ينفكون عن تكراره على مسامعنا بالإشادة بالجهود الجبارة واستخدام علاقات الدولة وبراعتها بفن التعامل مع الطرف المعني بقصد خلق الشعبية وإنعاش وتحديث الثقة التي طال الزمن على فقدانها.
قدوم اللاجئين واستقبالهم قام على مقولة أن “الأردن لا يغلق أبوابه بوجه الأشقاء” و “الشهامة الأردنية لا يرضيها سد الأبواب بوجه من يطلب الحماية” وغير ذلك من العبارات التي تدغدغ العواطف وتدعو للقبول بالحيف. في الأثناء, كانت الأطفال تعي تداعيات تحميل دولة محدودة الموارد وديونها تزيد مع كل طالع شمس وقد سبق وحذرنا بغير مقال من مغبة استقبال ما يقارب ثلث السكان وناشدنا المعنيين بغلق الحدود, إذ الماء شحيح ومواردنا محدودة وإمكاناتنا متواضعة ومجتمعنا محافظ ومتمسك بقيمه ومثله. الجريمة ارتفعت نسبتها وفرص العمل شبه معدومة وهي لا تفي بالمطلوب بالمقام الأول وأجور المنازل تضاعفت ولم يعد من السهل أن تجد بيتا للتأجير. الدين يتناسب طرديا مع الأيام والمشاكل الإجتماعية ارتفعت وتيرتها والإنتحار صار أمرا مألوفا.
أما الآن نلاحظ أن الحكومة بدأت بالإعتراف بثقل المسؤولية بعد أن دفعتها “شهامتها وإيثارها” باستقبال ما يقارب المليوني لاجئ وهي تعلم مسبقا قدراتها وإمكاناتها رغم أننا نقرأ عن الكثير من المساعدات. إذن نحن أمام فشل وأمام قرار خاطئ اتخذ على عجل.
الحرب على تنظيم “داعش” الذي يقتل ويفتك باسم الإسلام تم إقحامنا بها متجاوزين ما يسمى البرلمان وطائراتنا تقصف مواقع “داعش” ونسمع من المسؤولين أننا لسنا جزءأ من التحالف الذي تقوده أمريكا. إنها حرب استنزاف لدول وشعوب المنطقة ستتآكل بها الجيوش والأسلحة والمال وترتفع الأسعار ويزداد الطلب على التسلح وتكون أمريكا ومعها إسرائيل الكاسبان من هذه الحرب.
إن تم إعطاء مبلغ مستحق لمحافظة ما, ينسب ذلك لحرص الدولة على مصلحة تلك المحافظة. وإن انتفضت محافظة ما مطالبة بحقوق معينة ناتجة عن التقصير المتراكم, توضع تحت الرقابة وينظر لها خارجة عن القانون وتحرم من الرضا.
جرائم وجنايات يلقى القبض على مرتكبيها بزمن قياسي الشيء الذي يثلج صدورنا, فالأمن لا ينام والكفاءة متوفرة والجاهزية مستدامة. ورغم غموض وسرية الجرائم, فإن الإحترافية كفيلة بأن تكشف عن الحقائق. ترى عندما سرق السارقون وأفسد الفاسدون وباع البائعون وسمسر المسمسرون بمقدرات الوطن جهارا نهارا, لماذا لم تفعل الإحترافية وتوقف البرامكة والمتبرمكين؟؟ كنا نتمنى وقف السارق ومنع البائع وعقاب الفاسد. ترى لمن نعزي السبب ولمن ننسب هذه الحال التي تزداد سوءا؟؟
عمان وغيرها غرقت بالمياه والإنجرافات والسيول والمسؤولون يتعللون بغزارة الأمطار تارة وبالمواطنين تارة أخرى يوجهون مياه الأسطح على مجاري الصرف الصحي. ماذا أعددنا لاستيعاب مثل هذه الحالة الجوية؟؟ هل هناك نظام صرف صحي فعال يقينا من تبعات الهطول الشديد للأمطار؟؟
أفاد معالي الأمين بأن العاصمة تحتاج لأكثر من مليار دينار للصيانة والتحسين والتطوير فيما يتعلق بنظام الصرف الصحي وحتى يتم تفادي ما يمكن ان ينتج عن الأمطار. وقد قال ذلك بعد أن غرقت عمان وتضررت البنية التحتية ومصالح المواطنين. عمان هي واجهة الأردن أمام العالم والزائر لها يأخذ الإنطباع الأول عن الأردن بمجرد هبوطه في المطار. لذلك هي جديرة بالإهتمام والعمل الجاد. السؤال المطروح هو: طالما أنك تعلم يا أمين عمان ما تحتاجه عمان فلماذا لم تعمل ما كان عليك عمله ولو بالتدريج وحسب الأولوية؟؟ أم أن ننتظر حتى يتوفر المليار فهذا ضرب من الخيال, وإن توفر فلا ضامن من أن يذهب عبر قنوات غامضة ويسجل عجزا في الموازنة.
لماذا لا تعلمونا عن الحقائق إلا بعد فوت الأوان فيصبح الألم مضاعفا والإحباط متزايدا والغصة تخنقنا؟؟ إن كان همكم البقاء في المناصب فوالله لا هم لنا إلا الأردن وإن كان تقصيركم ناتج عن غياب الغيرة فوالله غيرتنا ليس لها حدود وإن كنتم لا تعيرون للمواطن اهتماما فوالله جل اهتمامنا راحة ورضا المواطن وإن كان الأردن مشطوب من قائمة أولوياتكم فوالله إن الأردن هو أولويتنا. حسبي الله ونعم الوكيل على من بيده وباستطاعته خدمة وطنه ولا يفعل.
أليس “واقعا” أن الخطأ لا يدنو من المسؤولين؟؟ بل هم من الكمال ـــ والكمال لله وحده ـــ ما يجعلهم أصحاب فضل دائم على المواطن. عندما ترتفع الأسعار, فالسبب عالمي وإن تم خفض أسعار المحروقات 10 قروش للصفيحة يتغنون به هبات ومنحا وجمائل وكأن الحكومة لم توجد لتخدم الشعب وتدفع بمستوى معيشته للأفضل.
فلنسمي الأشياء بمسمياتها ولنكن واضحين وصادقين مع أنفسنا ومع المواطن الذي من شدة احتقانه والضغط الذي ينوء تحته أصبح من أكثر الشعوب تندرا وفكاهة وتهكما على الأحداث, إذ أن المتصفح لمواقع التواصل الإجتماعي ليندهش من كمية وكيفية الإزدراء الموجهة للمقصرين. لم يعد الأردني صاحب “الكشرة” كما يشاع, بل صاحب نكتة سياسية يجاري الشعب المصري المعروف عنه خفة الظل والنكتة.
ومن الناحية النفسية, أكثر الشعوب فكاهة وتندرا هي الشعوب المثقلة التي تعاني من الظروف القاسية اقتصاديا واجتماعيا. وهذه محاولة للخروج من حالة الإحباط والغبن التي تزداد شراسة يوما بعد يوم. نسأل الله أن يزيل هذه الغمة قريبا ويهيء السبل لنرى الغيارى يديرون الشأن العام ونرى الأردن معافى وخالي من الطفيليات.
حمى الله الأردن والغيارى على الأردن والله من وراء القصد.
ababneh1958@yahoo.com