دعوة إنسانية لولادة الأردن الجديد، ولكن كيف ؟!
ما من شك أننا نواجه تحديات تاريخية كبرى على مستوى الدولة ، والأمة ، والنظام السياسي ، وليس من مخرج لنا إلا من خلال الإصلاح ، ولكن السؤال أي إصلاح ذلك الذي يخرجنا من حالتنا المأزومة ؟ وللإجابة نقول : الإصلاح بعموميته هو فكرة وأسلوب وغاية تتضمن في طياتها البدائل العقلانية والواقعية القادرة على كشف الخلل البنيوي الذي يعيق إمكانية الحركة للمجتمع والدولة ، ويعمل على معالجتها بشكل تدريجي من خلال إشراك مختلف الطبقات والفئات الاجتماعية في صنع المصير المشترك، وكأردنيين إذ نقف اليوم أمام الحد الضروري لتحول الإصلاح إلى بديهية سياسية فإن على كافة المسئولين في الدوائر والمؤسسات الحكومية والخاصة الإيمان بهذه المقدمة الضرورية المعبرة عن تكامل أولي في الوعي الاجتماعي والسياسي ، وبخاصة أنها تشير إلى الموضوعية بين الشعب والقيادة الهاشمية من ناحية ، وتعطينا إمكانية الفعل بمعايير ومقاييس الرؤية الوطنية والقومية والإنسانية للإصلاح المنتظر من ناحية ثانية .
إذن لا يمكن الحديث عن ولادة جديدة للأردن بدون إصلاح ضروري للنهضة والحداثة الأردنية ، إصلاح دائم لبنية الدولة والمجتمع والثقافة المؤسسية والقانونية ، لأن هنالك إشكاليات كبرى تفترض تذليلها أو حلها بالشكل الذي يعطي للدولة والأمة والنظام السياسي إمكانية الحركة نحو الأردن الجديد ، وبالمناسبة كمؤسس لهيئة الدعوة الإنسانية والأمن الإنساني على المستوى العالمي أفهم خطاب جلالة الملك حفظه الله أمام مجلس الأمة على أنه تحول نقدي وتاريخي هائل فيما يتعلق بالمسلمات الإيديولوجية السياسية التي حكمت تاريخنا الوطني والسياسي منذ عهد الإمارة إلى يومنا هذا وعلينا أن نستثمر هذه اللحظة السياسية الراهنة ، ونحن أمام تحديات تتجسد في ظروف الأردن الحالية من الداخل والخارج ، وهذه الظروف تمس وظيفة الدولة والأمة والنظام السياسي ، ما يعني أن الإشكالية الداعية للإصلاح ترتقي إلى مصاف المصير التاريخي والوجود الأردني العربي والإنساني العالمي ، لهذا لا بد من تشكيل رؤية للخروج من الحالة المأزومة إلى عالم الاحتمالات المتنوعة والمتعددة ، خاصة وأننا لا نتحمل الوقوف مطولاً ونحن نشاهد ضعف الدولة عن مواكبة التحولات الإقليمية و العالمية وانحسار تجاه مكوناتها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تأسر نفسها في مشكلتي الفقر والبطالة ، وهنالك أكثر من فرصة لصنع التكامل الاجتماعي والاقتصادي والثقافي ، بدلاً من الاستسلام لضعف القوى الحزبية والسياسية والذي يضرب في نخاع الدولة ويشكل الخلل في وحدة الدولة والأمة والنظام السياسي.
يتضح مما سبق ذكره أن الإصلاح ليس ترفاً سياسياً أو مخدراً اقتصاديا ، إنه ضرورة حياتيه ، لهذا لا ولن نقبل أية فكرة لتطبيق الإصلاح الجزئي من أجل إرضاء هذا المعسكر أو ذاك والكل يعرف أننا بين معسكرين معسكر قوى الشد العكسي ومعسكر المطالبة بالمستحيل الإصلاحي دفعة واحدة ، في وقت تواجهنا فيه إشكالات كبرى تهدد الدولة والنظام السياسي والشعب الأردني الذي يعتبر نواة الأمة العربية والإسلامية ، وبالتالي لابد لإصلاحنا أن يكفل وحدة المكونات المجتمعية والثقافية على أسس عقلانية وواقعية ، لإعادة بناء الأردن الجديد بالشرعية والنظام السياسي الديمقراطي والمجتمعية المدنية ، والتهيؤ من أجل تعديل بعض المواد الدستورية لضمانة العدالة والحقوق المتكافئة تحت ظل النظام السياسي الديمقراطي فوق أرضية الأمن الإنساني المنشود .
ضمن هذا السياق نستطيع السير إلى التعددية السياسية المكفولة بقانون الأحزاب الذي انتظرناه طويلاً ، وكذلك بقانون الانتخابات الذي نتمنى أن يرى النور ، صدقوني نحن نمتلك معايير الإدارة السياسية الحديثة ، ولدينا من القدرات الهائلة لوضع إستراتيجيات تذهل كافة أطراف المعادلات الدولية ، ويجعلنا الرقم الأصعب إقليمياً ، ولكن من يسهم في الانتقال لهذه المرحلة ويقضي على أية إمكانية للتدخل الإرهابي أياً كانت القوى المتسترة خلفه .
أعود و أقول : إذا كان وعي الأردنيين الإنسانيين يمثل عصارة ذهنهم السياسي الذي يختزن حقائقهم التاريخية في التحولات والتغيرات فإن تعمق هذا الوعي يحدد لنا الرؤية الواقعية للإصلاح الذي سيأخذ بالتجارب السابقة ليكون الماضي والحاضر هما المحك لشحذ الضمير و العقل الإنسانيين ، وللتوضيح أكثر نقول : لا يمكننا فصل الحاضر الأردني عن ماضي الثورة العربية الكبرى التي ما زلنا نستلهم منها الرؤية العقلانية للوضعية العربية المأزومة لاستشراف آفاق تطورها ضمن السياق الثوري العقلاني واعتمادها كمقدمة ضرورية لرسم الخطوط العامة للرؤية الإصلاحية القادمة في الأردن وفي المناطق التي تؤمن بهذه الثورة ، دعونا نزاوج بين الرغبة و الإمكانية وبين الثورة على الإرهاب والفساد وبين الإصلاح لنشكل الأسس النظرية والعملية للإصلاح القادم من الاستقلال الدائم للعقل بمنظار المعرفة و بصور رسالة عمان و شعاراتها :عقل بأخلاق و قانون بحق و عدالة بإخلاص !
نحن لا ندعي امتلاك الحقيقة ولكننا نتملك مقومات إصلاحية حقيقة وتاريخية يمكن توظيفها في اللحظة السياسية الراهنة ، ولدينا شعب أردني من كافة المنابت والأصول عاش تجارب تمكنه من العمل من أجل وجوده الإنساني و تعطي لكفاحه ضد الظلم والفساد و الجبروت الإرهابي معنى لا ينضب ، ولا بد لنا في المجمع الإنساني الأعظم أن نكون الأنموذج المحرض على الإصلاح والسلام العالميين ، وإلا كيف نضمن للشعوب و الأمم و الدول و الأفراد وجودا مشرفا تحت مظلة الأمن الإنساني الذي ندعو إليه صباح مساء ، ولا تزال دعوتنا الإنسانية تثير الفكر الاجتماعي والسياسي الشرقي والغربي على حد سواء ، وتعمل على تحريض الأدباء والفنانين لاستشراف الأفق الواقعي لهذا العالم الجديد و هو العالم الذي نرى أن على كل القوى و الحركات الاجتماعية أن تضع مهمة الكفاح من أجل العدالة الاجتماعية في صلب تصوراتها ، والسؤال الأخير أيعقل أن نكون بهذا المستوى ولا ندعو إلى دعوة إنسانية لولادة الأردن الجديد ؟! خادم الإنسانية .