0020
moasem
002
003
004
005
006
007
008
previous arrow
next arrow

صَقْرٌ وتِرْفَهْ

لحلِّ مايعتريك من وهن الفكر المضطرب،وتلاطم موج الذهن المُسْتَلبْ  ،لما تراه على الشاشات مما يحير الحليم و يربك العاقل، وما تسمعه من تهديد ووعيد،إن أنت لم تضبط لسانك، وتجعله حصانك،إذ ليس ثمة بعد اليوم إلا حقٌ واحدٌ معروفْ،ورأيٌ واحدٌ مألوفْ،فمن تَجشَّمَ أن يبدي رأيا مخالفاً،فالتهمة جاهزة مقدرة،والنقمة على المخالفين باديةٌ ظاهرة،وإن كان هناك ما يغنيك، عن متابعة القصف  بالبراميل، وسماع آراء ذوي الحِجَى والتحليلْ،والإنصات إلى ما ينغص الخاطر من تهديدٍ مبطنْ،أو وعيدٍ مُعلنْ، فلا أرى فرارا،ً في خضم هذه القنوات، إلا لمسلسلٍ بدوي يسلِّيك، ولا يزيدك ثقلاً على ما يعتريك، فإن لم تجد واحداً منها تتابعه،فانظر في ذاكرتكْ، تجد مثله ما تُراجِعُهْ.

والأمر جِدُّ بسيط،فإنه لما أعجزني البحث، ولم أجد واحدا بعد أن طال بي المُكْثْ، تخيلته في خاطري،فليس يعدو أن تتخيل أرضاً وسماءْ،وبيتَ شَعْرٍ وهواءْ،وكلباً ينبح وخِباءْ، أوترى في منحدرٍ غديراً ، وفتاةً تسقي فارساً ماءَ.

 

وذاك هو اللقاء الأول” لصقر”ابن الشيخ عواد مع “تِرفةَ” ابنة الشيخ صالح، قرب الغدير الغربي، وصقرٌ ابن الشيخ  ينظر إليها بعينين ظامئتين، ولا يجد ما يشرب به، بينما أهوت فرسه إلى الماء قبله وأطفأت ظمأها، فتفهم “ترفة” اللبيبة الإشارة من عيني “صقر”وتعطيه قربتها ليقذفها في فيه، ويسكب من شدة الظمأ على صدره من الماء أكثر مما يبتلعه، مصدرا أصواتا كبلاعة متعسرة تسلكت لِتَوِّها.

وجمال الموقف الرهيب عندما يعيد “صقرٌ” القربة إلى “ترفة” شاكراً ممتناً،ويسألها عن اسمها فتطرق في حياءٍ، وتلقيه لغزاً بين يديه لتختبر الذكاء البادي في عينيه، والذي لم يسعفه عند الظمأ فانتظر الشربة من قربتها، وكان غنياً أن يسقي نفسه من راحتيه ، ولكن شَغَلَهُ ظمأُ العشق عن ظمئ الماء،وفهمت (ترفة) المقصود.

 

فسقته  وتطور الحديث إلى السؤال عن اسمها، ثم اللغز الذي ألقته عليه:( إسمي على سرج حصانك)، وكان سرجه مزركشاً وثيراً، فقال :يا أهلاًَ (بترفة).

 ولا تتعجب ترفة من سرعته في الجواب،فتسأله ما اسمك: فيقول: اسمي في السماء وعلى الأرض سيان،فهناك أركب الهواء وعلى الأرض الحصان،وفي الحالتين أصيد صيدي بالمخالب والسنان، فتجيبه ترفة فورا: أهلا بصقر.

وتمتد الحكاية بـ “صقرٍ وترفة” عشقاً وسهراً وتتكشف الحقائق أن ثمة عداوة غابرة كانت بين قبيلتيهما ، ويتدخل ابن عمها “مشاري” النذل ويحاول الزواج “بترفة” وترفضه ترفة،ويجبرونها عليه، وتتظاهر بالموت في ليلة عرسها، ويدفنونها حَيَّةً،ويسمع “صقر” بقصة موتها فيتوجه الى المقبرة يائساً، ويبكي عند قبرها بكاء مراً، ثم يسمع من تحت اطباق التراب أنيناً، فيحفر  ليرى حبيبته، فيخرجها فتفتح عينيها لترى صقراً يحضنها ويزيل التراب عنها…وتصطلح القبيلتان من بَعْدُ وتعمُّ الأفراح، ويموت مشاري النذل لديغا طريدا  غير مأسوف عليه.

وفي أثناء القصة، رملٌ وبيتٌ من الشَّعْرِ،، ونارٌ ذات دخان ، وبُسُطٌ حمراءُ وسوداءُ موشَّاةٌ،وشاعرٌ يتغنى ببيت قصيدٍ في الفواصل ، ونساءٌ بيضٌٌ بمدارقٍ مُطَرَّزَة وعيونٍ زرقاء وخضراء ، وخيلٌ  وإبلٌ، وغنمٌ تمر وثمة راعٍ خلفها بحماره الرمادي القزم، ورجال ملثمون بأثواب داكنة، يحملون عصياً رفيعة، يمرُّون ويختلطون، ثم يروحون ويغدون،

ثم تجدد الحكاية بحكاية أخرى مثلها، والأنماط في ذلك معروفة،ولا ضير من التكرار، فتبقى في غيبوبة عن الحاضر،ولا تجهد ذهنك فيما لا تطيق،إذ الصحو في زمن الإختلاط ضربٌ من الغباء.

وعندها تكون رجلا عاقلاً، ما دمت عن كل شيء غافلا،فنعم الرجل الصالح أنت عندئذ، فلا شر منك بَعْدُ سُيُتَّقى، وإن كان لا خير منك سَيُرْتَجى،فإنما يقاس صلاح الناس عن أئمتهم بسكونهم،ويكون هناؤهم من بَعْدُ بطول غفلتهم،وعظيم رجائهم عند أمرائهم بانقطاع رجائهم مما بعدهم.

والعاقل من تفطن إلى أسباب لقمته،وَتَجافَى عن مواضع زلَّتِهْ،فخير الناس اليوم عندهم من إذا جاع طَعِمْ،وإذا ظمئ شربْ،وإذا نَعِسَ  نام،فكان عندهم كما في الأية( يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام) وشر الناس من نظر الى الغاية البعيدة،فإنما تُسْتَجْلَبُ الغُمَّة،فيما يراودك من علو الهمة،فإن فيها نقمة السلطان،ومعايشة الخطوب والحِدْثانْ،فالفكر والسؤال عما لا يعنيك أنما هو مطية الشيطان،والخير كل الخير في حياة بانتظام وإن صَنَعْتَ بها كما تصنع الأنعام…..والسلام   .