0020
moasem
sum
003
004
006
007
008
Bash
previous arrow
next arrow

العشق الممنوع

يسكن صديقي (الفقيه صخرالفاعوري) في منطقة الميامين، التي تشرف على وادي السلط ،وهي منطقة شبه ريفية رائعة المطلع والمغرب،خصوصا في فصل الربيع،عندما تشرق الشمس على تلك الهضاب،فيبرق على سناها ألوان زهر الربيع وخضرته ، يرافقها أصوات الطير من كل نوع،مما يبعث في النفس انشراحا وبهجة،يبددان  ما ألمَّ بها من ضيق برد الشتاء وقتامة الغيم.
 
وحيث تأخذك الطريق صعوداً من بيت صخرٍ وحتى جامعة البلقاء التطبيقية،وتتجه يساراً؛عندها تنساب الطريق وتتسع عبر( شارع الستين) حيث يرافقك مشهد الأغوار وجبال الضفة الغربية السليبة؛ فتنقلب البهجة إلى حزن ٍشجي ٍ، تتبعه آهاتٌ من لوعة نفس ٍ تتحرَّقُ شوقاً إلى صلاةٍ جمعةٍ في المسجدِ الأقصى ؛الذي ليس بيننا وبينه إلا حجابٌ من الصهاينة تم زرعهم   في جسد أمتنا التي  رَكَنَتْ إلى الذل، واستسلمت للدنيا، واتَّبَعَت الشهوات، حتى سامها أراذل الأمم، وخفافيش العتمة، وهي ما زالت تتمسك بتوافه الأمور وتتعلل بالضعف خائرةَ القوى؛ إلا عندما تثور نَعَراتُها وجاهليتها، فتتفجر عندئذ قواها،وتعتدُّ بعزتها الوهمية المسلوبة .
 
 
في يوم (جمعةٍ ربيعي ٍ) توجهت لمرافقة صديقي صخر؛وما أن صَعَدنا الهضبة  واشتبك مسار طريقنا  بالطريق الفرعية في أعلى الهضبة ؛حتى فوجئنا بأربعة شبان -لا يتجاوزون العشرين، وبرفقتهم فتاةٌ في سنِّهم تقريبا- يلوذون بجانب الطريق لينحدروا إلى أسفل الهضبة التي أكملنا صعودها،وما أن رَأَوْنا حتى اضطربوا وتكسَّرت خُطاهُم، ومَلأتْهُم الرَّيْبَةُ،ثم انعطفوا على غير استقامةٍ تختلط اتجاهاتهم؛ يريدون القفول راجعين من حيث انتهوا، باتجاه الطريق المكشوف.
 
 عندها أشار إليَّ صخرٌ بأن أتوقف ثم نادى عليهم فجاؤوا  يمشون الهوينا ،تتعثر خُطاهُمْ بخطاهم، وانزوت الفتاة جانبا………..
 فخاطبهم ٌ: -ما تفعلون هنا في هذا الوقت؟! 
 
-:لا شيء جئنا …جئنا    -:لأي شيء جئتم هنا ومن هذه الفتاة ما تفعلون بها هنا؟!  
 عندها تبرَّع أشْجَعهم أو فلنقل أوقحهم -: هذه أختي  
 -: آه أختك ومن هؤلاء ؟إخوانك ؟!!! 
-: مااسمك أنت ؟ وإياك إياك أن تكذب   
-:فلان من عشيرة كذا
أشار الى الثاني والثالث والرابع وكل واحد منهم أخذ ينتسب إلى عشيرة مختلفة………….ثم عاد إلى الأول -: أختك هاه أيها الكذاب !! ماذا  تفعل بأختك بين ثلاثة  من أصدقائك !! عذرك أقبح من ذنبك؛ ثم وجه خطابه للجميع وقد بدأوا يرتجفون ويتوسلون  وتتقلب ألوان وجوههم  -التي شاخت فجأة –واتَّشَحَتْ بِغلالةٍ من الذُّلِّ والمسكنة   -:  والله لولا اقتراب موعد الصلاة لأوسعتكم ضرباً ولأهنتكم إن كنتم تشعرون بطعم المهانة، ألا تغارون على أعراضكم! أيعجبكم أن يتلعب أحدٌ بأخواتكم  ويهتك أعراضكم كما تفعلون بعرض هذه السفيهة، هيا اذهبوا من هنا وإياكم أن أرى أحدكم هنا مرة أخرى.
 
 
بعد ذلك بيومين  وفي إبط الهضبة، يجتمع ثلاثة من الشبان وبرفقتهم فتاتان في عمر الربيع، لا تتجاوز كلتاهما سن السادسة عشرة، وترتديان ثياب المدرسة الخضراء، ويختلطون جميعاً(فتياتٍ وفتياناً) بطريقةٍ أستحي من وصفها، وعندما فاجأهم صخرٌ، تبعثروا في كل اتجاه؛ وَهَمَّ الشبان بالفرار تاركين الفتيات خلفهم؛ فلما أنذرهم صخرٌ بأنه سيلحق بهم سَكَنوا، واشرأبت أعناقهم نحوه؛ ثم تجمَّعوا وصعدوا باتجاهه وهم يتمتمون! ربما يوصي بعضهم بعضا، ليتواطئواعلى  اختراع ِ حُجةٍ مقنعةٍ،تفسر ما كانوا عليه من حالٍ لا يحتاج للتفسير، لعلها تنجيهم من الفضيحة، ولكن هيهات ! فما أن وقفوا حتى تدلت رؤوسهم على أعناقهم وغابت ملامح وجوههم خلف سوادٍ قاتم ٍ، وتجمدوا فلا يرى حتى اضطراب أنفاسهم؛ والفتاتان كمن داهمهما وحشٌ! تستغيثان -: نرجوك ياعمُّ لاتفضحنا لن نفعلها مرة أخرى أبداً! نقسم بالله لن نفعلها فلا تخبر أهالينا !!!!   وبعد استجواب من صخر ٍوموعظة قصيرة- سبقها توبيخ- تركهم يذهبون بعد أن هددهم بسوء المنقلب إن عادوا إلى ما كانوا يصنعونه، أو فكروا بالمجيء إلى منطقته.
 
سألت صخراً :هل يتكرر هذا المشهد كثيرا هنا ؟!
 
-:     تقريبا في كل يوم أو يوماً بعد يوم، على أبعد حال؛ فنحن نعاني هنا من هذه المناظر، وهذه الطريق يمرُّ منها أهلي،وكما ترى ليست مأهولة كفاية باستثناء قليل من البيوت والذين يشتكون أيضا من هؤلاء،لذلك  لايخشى هؤلاء من الإتيان إليها، وهم يمارسون المنكرات  علانية  في السيارات وأحيانا راجلين كما ترى، وأكثر ما يملؤني غيظاً أولئك الفتيات في عمر الربيع؛أين آباؤهن وأمهاتهن؟! كيف لا يفتقدونهن؟! معقول أن تخرج فتاة صباح يوم الجمعة وتذهب حيث لا يعلم أهلها أين تذهب؟!
 
 أيعقل أن تنهي فتاة دوامها في المدرسة وتتأخر عن البيت، ثم تكتفي أمها بِحُجَّتِها أنها كانت برفقة صديقتها؟! وصديقتها هذه هل تعلم أمها من تكون وما هو مستوى أخلاقها وطبيعة تربيتها، كيف جَرُأَتْ هذه الفتاة أن تأتي ههنا لولا تسيُّبٌ في بيت أهلها ؟! كيف تقتني فتاةٌ في المدرسة هاتفاً نقالاً!.
 
 وإن كان للأم رأي متساهل في مسألة الهاتف! ألا تفتش هاتف ابنتها المراهقة ؟! ألا تراقبها مع من تتحدث، ألا ترحم ابنتها المراهقة التي ستعض يدها يوما حتى تدميها لأنها سَلَّمَت نفسها(لأزعر ٍ) أقنعها انه يحبها،فاستولى على عقلها،  بعد أن عانت من إهمال أمها، وانعدام غيرة أبيها- فلما تنبهت وبلغت رشدا وإذ بها قد فاتها استدراك عرضها الذي سفحته على جوانب الطرق المعزولة برفقة (الزعران) !! ……………….يا أخي والله إنني لأتحرق ألماً ، فبعضٌ ممن أجدهنَّ ههنا يَكُنَّ  في حالةٍ من العُري التام أحيانا، وكثير منهن  في عمر الورود، وبعضهن قد اجتمعت فتنة الدنيا في محيَّاهن يمتلئْن حيويةٌ وجمالاً، وينتسبن إلى أكبر العشائر التي يملأ أبناؤها الدنيا افتخاراً ويتنافخون شرفاً، ويَسْتَعْلوْنَ بعربدة فوق البشر.
 
ويستطرد صخرٌ بألم ٍ: أين الغيرة؟! هل من المعقول أن الناس لم يعودوا يغارون على أعراضهم، بل أكاد أجزم أن الفتاة التي تفعل هذه الأفاعيل ما تعلمتها إلا في بيت أبيها، الذي تركها فريسة للمسلسلات والأفلام ورآها تتغنى  (بمهند) وغيره من الرويبضة،ورآها تعلق صورهم في حجرتها وتلصقها على دفاترها وكتبها، وتضع ملاءات سريرها، ومخدتها، وترتدي لباس نومها،  باللون الأحمر كإشارة إلى احتفالها بما يسمى (عيد الحب )الذي تم تسويقه بين المسلمين، عندما فقدوا غيرتهم على دينهم وأعراضهم، فدفع كلّ فاسق وضالّ ببدعةٍ منكرةٍ اليهم،فتلقفوها واستغرقتها أنفسهم،  واستحى أكثرهم أن يفخر بشعائر دينه وتمثل شعائر وعادات الكفار والفسَّاق،  يحتفل بها في جو عائلي حميم.
 
 وليت الأب والأم قد وقفا عند هذه الحال  بل  دفعا؛ إليها هاتفا وأوصياها فقط أن تقتصد عند استهلاك الرصيد ،وأن تكون رؤوفة  بأبيها  الذي يكدح دوماً من أجل إسعادها، فكان أن تلقت صرخته (شركات الاتصالات) وقررت تخفيف العبئ على جيبه المثخن بالطلبات، فأعطت كل من هم في سنِّ ابنته المدللةِ (عرضاً حصرياً) ، للحديث مجاناً؛فيطير الآباء والأمهات فرحاً بهذه العروض الرائعة،  لتخفيف عبئ عشق بناتهم على جيوبهم.
 
 
صار الشَّبق المجنون لدى أكثر الشباب  هو الثقافة التي أرادها لنا أعداؤنا، فنجحوا وأفلحوا في غزونا! ليس فقط في تصويرهم لنا أن الحضارة تتمثل في،الشعر الأشعث والتخنث لدى الشبان،أو التكسر والتعرِّي لدى الفتيات بل أيضا في أن سهولة الإتصال والتنقل،لا تعني العمل على النهوض بالأمة في دينها وعلومها ومشاريعها التنموية، وجهاد أعدائها، بل في استغلالها  لإنشاء العلاقات المحرمة والتجمعات المترفة المتفلتة من كل دين وعرف، بل أرفقوها أيضا بمفاهيم مشوهةٍ من حياتهم البهيمية الإباحية، فصار الحديث عن التديُّن أو الشرف ، ضرباً من التطرُّف أو لوناً من التشدُّد؛ فمن منع ابنته من مسلسل (العشق الممنوع) اعْتُبِرَ متطرفاً متشدِّداً بغيضاً، لأن المطلوب أن يتحول المسلسل إلى مشاهد واقعيةً من (العشق المستباح) على قارعة الطريق النائية، أو في جوف الأحراش، وإن تعذر ففي (مصاعد الدَّرَجِ ِ) في عمارات السوق وسط المدينة.
 
 والأعظم بلاءً اولئك الفتية الذين يقودون سيارات لا تتناسب وأعمارهم ،فمن أعطاهم الحق في قيادتها  لا بد أن الأم توسطت إن كان الأمر يحتاج للتوسط ولم يسبقها الأب إلى المبادرة بإعطاء ابنهما المدلل الأشعث الشعر مفتاح سيارته (الثمينة أحيانا)، فيصطحب رفقاءه الذين جعلوا رؤوسهم بألوان الطيف وتركوا (بناطيلهم )  تتراخى نزولا حتى سقطت عن خواصرهم، ليتعلموا( حياة بوهيمية)باسم الموضة والتقدم فلا يعتنون بهيئتهم إلا على طريقة فوضوية،ولا يهتمون بقيمةٍ من القِيَم،ولا يعظمون ديناً ولا عرفاً، ولا يقومون إلى أمر بِهِمَّة ٍإلا أمر ممارسة العشق الممنوع والممنوع فقط! .
 
 
فالعشق الحلال المتمثل بالزواج، لا يشبع النَّهَمَ الذي امتلأت به نفوسهم وتشكل كرغبة جامحة  في اصطياد كل فتيات المدينة؛بعد أن أقنعت كل فتىً منهم أُمَّهُ المربية أنه أجمل من (مهند) وأظرف من كاظم الساهر، ممن اتخذهم (مثلا أعلى) فتسامت أمانيه الملوثة للَّحاق بهم ولو شكلا و تصنعا، بفعل قناعاته أو قناعات أبيه وأمه، فيمتطي بعد هذه القناعات ورسوخها في رأسه الهشة (سيارة الوالد) وأصدقاءه برفقته، ثم يروح ويغدو أمام مدارس الإناث، وكلما أبطأ السير قليلا ليتفحص الفتيات ويتفحصنه، إذ به يهيج كمن مسه الشيطان،ويَشُبُّ  كما اللهب ويستدير ويستدير….. (بسيارة الوالد)والدخان والضجيج يملأن الأجواء؛ وإن حصل المطلوب وابتسمت إحداهن، أو أشارت، أو رآها تومئ لصديقتها، فتفسير  الإشارات حسب ذكائه الوقاد لا يحتمل في تلك المواقف إلا احتمالا يتيماً يتشكل في ذهنه على هيئة يقين ثابت بأنه هو العاشق المقصود (والذكر المسيطر) بينما تمتلئ اكثر الفتيات بذات الاعتقاد ، إن لم يشر إلى واحدة منهن تحديدا بأنها هي المقصودة بلفت الانتباه من كل تلك الضوضاء المنطلقة من العجلات، وجهاز مكبر الصوت المسعور، الذي يبث أغنية الجنون والشبق، والتغزل بالسيقان، والأعناق، والأرداف،  والشعر المنثور، والأعين الوقحة؛ بالإضافة إلى ذكر أوضاع وهيئات الجسد المرسل وفق أهواء (المغني الإباحي) الذي يتصاعد في الوصف شيئا فشيئا حتى تتحول الأغنية إلى( مشهد  إباحي) لا يلزمه التأويل للاستدلال على المقصود.
 
 وهنا تتناثر الأوراق الصغيرة( كأوراق القرعة) في كل اتجاه تحمل في طياتها أرقام هواتف الذكور في السيارة،هذا إن لم يكن رقم الهاتف ملصقا على الزجاج الخلفي – في حالة ان  كان الذكر مالكاً للسيارة -مما يغني عن إلقاء أوراق القرعة من النوافذ؛ وبعدها بقليل يتم استخدام العرض المغري (للاتصال المجاني) وتبدأ هواتف الذكور بالرنين، ثم بعد مكالمة أو أكثر يقومون سويا بتطبيق المشاهد المنتخبة من (العشق الممنوع )
 
ولا تجد أمام أحد هذه المدارس دورية واحدة للشرطة التي نتفاخر دوما بنشرها للأمن والأمان، ونعرب عن اكتفاءنا الذاتي من عناصرها مع استعدادنا للتصدير كما نسمع في نشرات الأخبار ونقرأ في الصحف الرسمية وغير الرسمية؛ بل تصاعد الإهمال حتى مع وجود إلحاح وتوسل من إدارات مدارس الإناث عند الاتصال  لطلب النجدة… وما من نجدة!!!
 
 ليستمر مسلسل التحرش والزعرنة أمام بوابات مدارس الإناث وفي محيط أكثر من كيلو متر حولها، مما يُعَزِّزُ الحاجة إلى أن يَهُبَّ  أهل النخوة لإيقاف هذه المهزلة وبجهدٍ جماعيٍ حتى نحمي أعراضنا ونصون بناتنا،من ندم ٍقد يلحقهن (بعد أن يسبق السيف العذل، ونقول ولآت حين مندم).
 
 قد يقول قائلكم أن هؤلاء لا يشكلون كثرة وإنما هم  قلةً من الشاذِّين؛ صحيح ولكنهم على كل حال ٍيتكاثرون حتى شكلوا ظاهرة تستحق النظر للأخذ على أيديهم بكل وسيلة فلا يجوز  للأغلبية أن يصمتوا! وهم أهل الدين والحمية  والغيرة، في السلط ،بل وفي البلاد كافة لأن الداء مستشر ٍفي كل مكان،وقد عمَّت به البلوى.
 
 ولا يدعي أحدٌ عصمةً فالكل مهددٌ مادامت بناتنا وأخواتنا  وبنات أعمامنا وأخوالنا  رائحاتٍ غادياتٍ إلى المدارس والعمل ونحن مسلمون،وعرب أهل حميةٍ ونخوةٍ فلابد من هبةٍ من الجميع وهو ما أظنه من أناس تربوا على المكارم