الأردن وحركة السياحة الداخلية
تلعب السياحة دوراً هاماً في بناء اقتصاد الدول ، وبقدر فهم واقع السياحة وأهميتها على المستوى الاقتصادي والثقافي والتعريف بالدول بقدر ما يكون التوسع فيها قائماً على الوعي والإدراك .
لا تتمتع كثير من الدول ببنية تحتية في المجال السياحي ، ولذلك نجد أن الدول التي تساير العصر وتتساوق مع متطلباته تنفق مليارات الدولارات على بناء المشروعات السياحية الكبرى، لجذب أكبر عدد ممكن من السياح إليها ، ولتفرض نفسها على الخريطة الجغرافية السياحية العالمية.
في بلاد المشرق ، نشأت الحضارات ، وكل الدول العربية تقريباً نالت نصيبها من الشواهد التاريخية ، وهذا معناه وجود نمطين من السياحة العامة من حيث المبدأ ، السياحة التاريخية ، والسياحة الدينية ، نظراً لكون الحضارات المتعاقبة كانت ملونة من حيث المعتقد والبعد الحضاري ومفاهيم التمدن فيها .
إذا فكرت كأردني في واقع الأردن على سبيل المثال ، أرى أنه في الجانب السياحي يحظى بالعديد من الفرص المميزة والتاريخية ، فرص يمكن لها أن تغير من نسبة الدخل القومي ومستوى رفاهية الفرد بالتالي ، ومهددات في حال تم تجاوزها تتحقق النهضة في مجالات ومرافق ومحاور السياحة الوافدة إلى الأردن.
فبالنسبة للفرص المتاحة ، يتمتع الأردن بتاريخ ممتد ، وفيه من المنشآت التاريخية والحضارية ما يمكن له أن يثري السياحة التاريخية ، والسياحة الدينية ، والسياحة المعرفية بلا أدنى شك .
ولكن واقع السياحة العلاجية ، والسياحة الخاصة بالمرتفعات ، وسياحة الشواطئ ، وسياحة المغامرات ، لا زالت بحاجة ماسة إلى جهود تعريفية بها تجعل من الأردن بموارده الطبيعية وجغرافياه المتنوعة بين الجبال الشاهقة والصحارى الجرداء بؤرة جذب في شتى مجالات السياحة .
أما أبرز المهددات برأيي ، فتتصل بانفصال قطاع السياحة الأردني عن إمكانيات المواطن الأردني ، وعدم وجود التنسيق الفاعل بين مؤسسات الدولة والهيئات المعنية في مجال تنشيط وتعزيز السياحة الداخلية ، بحيث يتعرف الأردني على تراثه ومعالم بلده السياحي قبل أن يتعرف إليها السائح الفرنسي والبريطاني .
أثناء أحد الحوارات التي جمعتني بصديقي الدكتور عبد الرزاق عربيات ، وهو مدير عام هيئة تنشيط السياحة ، تعرفت إلى حجم وشكل الجهد المبذول في هذا الشأن في السنوات الأخيرة ، وهو جهد تفاعلي تواصلي تنسيقي عالي المستوى في مجال تفعيل القدرات السياحية الأردنية ، وعند سؤالي له ولبعض الأصدقاء عن تكلفة الفنادق السياحية مقارنة بدخل المواطن الأردني ، شعرت بحجم الفارق ، كون ليلة واحدة في بعض الفنادق تعادل ثلثي دخل بعض المواطنين شهرياً وهو ما يعني استحالة تفعيل السياحة الداخلية بين المدن الأردنية بصورة منهجية ، للخاصة وللعامة .
ولعل من بشريات الأمل أن نقف على الجهود التي تبذلها هيئة تنشيط السياحة ، ولكن اليد الواحدة لا يمكن لها أن تصفق ، ولا يمكن لها أن تغير الواقع ، وهنا ؛ تأتي المسؤولية التكاملية بين الدولة والوزارات المعنية فيها ، وبين القطاع الخاص ، ومؤسسات المجتمع المدني ، لتحقيق سقف أعلى من الإنجاز ، ومستويات متقدمة من التأثير الإيجابي في الحالة الاقتصادية والثقافية والمعرفية من بوابة السياحة الناشطة