الأردن في خضم التحديات
تلتهب الساحة العربية بالدم والدمار ، وتغطي سحب القنابل والقذائف مدننا وعواصمنا وتجللنا بالألم والأسى ، وتكثر التضحيات ، وتفقد البلاد العربية خيرة نخبها العقلية والعلمية في أتون الصراع الدائم ، وتبرز أجندات وتختفي أخرى ، والعنوان الأبرز للمرحلة هو التخوف من القادم .
لو نظرنا للجغرافيا العربية اليوم ، لوجدنا أن واقعها المتفجر قد زاد من أعباء الحياة فيها كما زاد من فرص عدم الاستقرار المستقبلي فيها أيضاً ، ولعل ذلك يعود إلى أن الأنظمة الحاكمة لا تمتلك رؤية تنموية واعية تلبي طموحات وآمال الشعوب ، ولأن الشعوب التي ثارت لم نجد لها قيادة تصقل أحلامها بشكل يمكن له الحياة في أرض الواقع .
الأمر في الأردن مختلف قليلاً ، مختلف من حيث الشكل والمضمون ، فإذا نظرنا إلى البلاد العربية بأنها باتت أرض تهجير ، فإن الأردن بات بلد استقرار جاذب حتى للمهجرين من أوطانهم ، وهذا ما يعني وجود أبجديات سياسية تختلف شكلاً ومضموناً عن وقائع ومعطيات سياسية منتشرة وموجودة على مستوى العالم العربي بأسره .
إن التنوع الموجود في الأردن ، تنوع الجغرافيا والأعراق والأديان ، وحالة الانسجام العامة ، والظروف الأمنية التي تؤمن استقرار الفرد واستقرار الاقتصاد ، جعلت من الأردن بلداً مستقراً في حقل ألغام حقيقي .
ولكن السؤال الكبير هنا ، هل يمكن استمرار هذه الحالة وكيف ؟
بكل تأكيد ، تتعلق ظروف الاستقرار الداخلي بعوامل داخلية وخارجية متعددة ، فوجود الملك الأردني عنصر ضابط في المعادلة ، وسقوط التجارب والنماذج التي فشلت في تلبية مطالب الشعوب من الأنظمة والتيارات السياسية في العالم العربي تكاد لا تتشابه ، ولكن المطلوب الفعلي هو إحداث التنمية .
التنمية هي المفتاح ، والتنمية المستدامة هي الأمل الذي يبدد الغيوم والضباب ، فأكثر ما يخشاه المختصون في علم الاجتماع السياسي ؛ هو افتقاد الشعب للأمل ، فإذا فقد الأمل فلا حياة ولا أمان ولا استقرار ولا تنمية ، وإذا بزغت شمس الأمل من خلال المشروعات الصغيرة والمتوسطة والاستراتيجية المستدامة عندها يمكن لنا الحديث عن تغيير في هوية الأردن الجمعية ، وفرض أجندة التغيير نحو الأفضل في ظل فضاء تنافسي إيجابي عنوانه الإنتاجية والعمل .
هنا ، تحضرني كلمات الفنانة الكبيرة أم كلثوم عندما تقول غناء : وما نيل المطالب بالتمني. ولكن تؤخذ الدنيا غلاباً .
فالأمنيات بالتنمية على المستوى الاقتصادي والسياسي والمعرفي تحتاج لجهود جبارة تطرح أفضل أطروحات التنمية العصرية المتوافقة مع الأردن ، والتي يمكن لها أن تستوعب شريحة الشباب ، وتفعل العاطلين عن العمل ، وتشغل الكفاءات العقلية في مسارات البناء والتنمية ، وإشغال الساحة العامة بالتصارع الإيجابي للرؤى والتوجهات من أجل إتمام مشروعات البناء المعرفي والإنتاجي وتعزيز قيمة الإنتاج النوعي بدل الاستهلاك القاتل .