البالة والبالية
تاتي هذه المقالة بمناسبة نقل سوق الملابس الشعبي (البالة) من العبدلي الى رأس العين، وهي خطوة جريئة أقدمت عليها أمانة عمّان الكبرى، ولاقت مقاومة من المتضررين، نظراً لأن السوق يتمتع بشعبية كبيرة لموقعه المتوسط ولتوفيره الملابس الأجنبية المستعملة بأسعار رخيصة.
لقد عملت الأمانة على تطبيق فكرة مفادها الحاجة لخلق وسط تجاري في عمّان، وتعاونت مع مؤسسة موارد التي أنجزت بالشراكة مع مطوريين عالميين المرحلة الأولى من مشروع العبدلي، وفرضت الأبراج حضورها في سماء العاصمة كمركز تجاري ومالي للأغنياء، فهل هناك علاقة بين أرض كراجات العبدلي والمستعملة في نهاية الأسبوع كسوق شعبي بمشروع أبراج وأسواق العبدلي الفارهة.
حقيقة، لا يوجد (حتى الان) ترابط مؤسسي بين مُلاك الموقعين، لأن الموقع القديم للقيادة العامة للقوات المسلحة والأمن العام، والذي شكل النواة التي مكنت مؤسسة موارد من الدخول بشراكة من المطوريين العقاريين مفصول مكانيا عن موقع كراجات العبدلي بحوالي 700 متر. كما أن ملكية الموقع تعود في الأولى لمؤسسة موارد، وهي شركة مملوكة للدولة، وفي الثانية لأمانة عمّان الكبرى والتي تفكر بإستغلال الموقع لحل مشكلة النقل العام في العاصمة ومن بين خياراتها محطة مركزية للباص السريع، فما الذي عجّل بنقل السوق الشعبي الى موقع أقرب ما يكون لوسط البلد، فهل هي خطوة لإبعاد العبدلي الشعبي عن أبراج العبدلي.
لقد قامت أمانة عمّان إبان إدارة المهندس عمر المعاني بتبني إقامة مسرح قومي يحمل إسم دارة الملك عبد الله للثقافة والفنون، وقد تم إختيار موقع قريب من مباني الأمانة في رأس العين تم شراءه من شركة الدخان بمساحة ثمانية دونمات تقريباً، وجرى هدم المباني المقامة عليه في العام 2008، وقد تم الإعلان عن مسابقة معمارية دولية لإنجاز التصميم الأولي افرزت فوز المكتبين الهندسيين المعماريين “النمساوي دولجان ميسيل والبريطاني زها حديد مناصفة بالمرتبة الاولى، وارتكزت الفكرة التصميمية على إيجاد كتلة كبيرة تحتل غالبية مساحة القطعة، جرى نحت تجاويف فيها مستوحاة من تلك الموجودة في البتراء. وضم المبنى مسرحاً رئيسياً يتسع ل 1600 شخص ومسرح صغير يستوعب 400 شخص، مزودة بأحدث أنظمة التقنيات اللازمة للأداء المسرحي والأوبرالي. وقدرت الكلفة الإنشائية للمشروع بحوالي 80 مليون دينار، وقد جرى تأجيل التفيذ (وليس إلغاء) لعدم توفر المخصصات المالية لدى الأمانة.
لا شك بأن المشروع طموح، وسيكون له الأثر الكبير في الحياة الثقافية في الأردن بما في ذلك الفنون الأدائية (البالية) واوركسترا عمان السيمفوني والمعهد الوطني للموسيقى والفرق الوطنية وفرقة امانة عمان للفنون الشعبية، ولكنه يفتح جدالاً لطالما شاع بين الناس مفاده: هل الأولوية للفن أم للفم.
وعودة الى قرار الأمانة بنقل بسطات سوق العبدلي الى موقع الدارة، فإن المراقب يلحظ التباين الكبير بين ما هو مخطط له للموقع، وبين ما هو قيد التنفيذ إعتباراً من الجمعة القادمة كموقع لبسطات الملابس المستعملة (البالة) فهناك بون شاسع بين الرؤية والواقع، فهل سيكون السوق الشعبي الجديد دائما أم مؤقتاً.
إن الزائر للمدن العالمية الكبرى يعلم بأنها تحتوي على أماكن لبيع الأغراض المستعملة، وحتى فينا عاصمة النمسا، سيدة الفن والجمال، فهي تحتضن سوقاً شعبياً في موقع ليس ببعيد عن مركز المدينة، أوليس من حق العمانيين الإنتفاع بما هو معروض في مثل هذه الأسواق بأسعار رخيصة.
إن تكرار نقل البسطات وأصحابها من مكان لآخر يفقد المنتفعين شهرة المكان الذي هو الأساس في العملية التجارية. وبما أن الأحوال الإقتصادية لكثير من المواطنين في تردي، وإنضمام نسبة كبيرة من أبناء الطبقة الوسطى لمستوى الفئات الأفقر، فإني أدعو أمين عمّان لتوفير مكان دائم للسوق الشعبي، يتسع لمئات البسطات ويكون مخدوما بمواقف للسيارات وبما يحفظ حق صغار التجار ومرتادي هذه الأسواق في تلبية إحتياجاتهم من السوق، وإن لم تكن الدولة قادرة على تقليل الفوارق الطبقية بين الناس، فلتفسح المجال لأليات السوق بتقليل الهوة بين متسوقي البالة ورواد البالية.