0020
moasem
sum
003
004
006
007
008
Bash
Hofa
Diamondd
previous arrow
next arrow

الكثير من الموت في أيلول

مات أبو طارق، رحمه الله تعالى، وزففنا أخاً منا إلى، مصيرٍ كلنا يَرْقُبُهُ،ويتسائل كيف يكون هذا المصير؟……مات أبو طارق، وكان حبيس المرض الخبيث، مدة شهرين، لم نستطع أن نزوره فيها،فكلما هممنا أن نعوده، قيل لنا أنه في عزلٍ صحيٍ خوفاً من التقاط أيِّةِ عدوى، بعد أن اجتمع السرطان عليه والكيماوي،فكان يفقد مناعته من جراء الكيماوي، بينما ينتزعه السرطان من الحياة شيئا فشيئا.

ربما كان مَنْعُنَا من الزيارة خيرٌ له،فماذا نملك نحن إلا الغيبة والنميمة،ماذا نملك إلا أحاديث الدنيا، نستعرضها بين يديه،جافةً صفراءَ كوجه دنيانا المريضة، فهل يصح أن نحدث، المبتلى بالمرض، عن أحاديث المرضى؟!.

كنا ربما سنكون أكثر مثالية،وأكثر إفراطا في الإملاءآت فنلقنه وصايا الصبر والاحتساب،ونحن أحوج ما نكون، إلى درس يلقيه، علينا أبو طارق،فما الذي نعرفه نحن، حتى نلقي بمواعظ عن الصبر، خلع سنٍ، أم انفلونزاعارضة، أم مغص شديد، جراء تخمة عارضة أيضاً؟.

ربما الأولى أن يكون، العزل لنا نحن،وليس له، فنحن أحق بالعزل، لأننا نحمل العدوى، ويرتقي أبو طارق يومياً، في سلم المناعة، بعدما أيقن أن لقاء الله قريب جداً.

ففي ظني! أن المناعة شيء ذهني للغاية،لأن الجراثيم الحقيقية، تنبت في الأذهان أما جراثيم الأبدان، فهي جراثيم عارضة، إذا ما اعتبرنا أن حياتنا الجسدية، كلها شيء عارض، يفقد أهليته يوميا، وبدون جراثيم،فقط بفعل عوامل التعرية الصارمة.

فما نحن؟! .. وكل مكاسبنا الجديدة، يرافقها خسائر بذات حجم المكاسب، أو أكثر، ليس أقلها خسارة، أن نطمئن للدنيا، ونحن على سفر، في ذات القطار، الذي يستقله أبو طارق، وكل الفرق! أنه عرف المحطة التالية! واصبحت التذاكر في جيبه، ونحن تذاكرنا مرهونةٌ، لا ندري متى تأتينا، وهل نسافر في يوم ما، مضطرين من غير وداع، ولا متاع؟!.

مات أبو طارق في “أيلول”وفي أيلول نوغل في الحزن،  بعد أن فقدنا الثمار وتهيأت الأوراق للاصفرار، كذلك لم يخالف ابو طارق فطرته:ولم يدع الانتصار على القدر،فلا انتصار على الأقدار، واستسلم عند اصفراره، وغدا يفتش عن الباقيات من الثمار.

كان أبو طارق، يطرق باب الموت يوميا، أثناء معاناته، حتى اعتاد عليه، وصرنا نحن أمامه، في بكائنا وحزننا، وتخوفاتنا شيئا مضحكا، بالنسبة إليه، ولكنه كان يخجل، أن يهزأ بنا، لأنه لم يتعود الإستهزاء، فضلا عن كونه، في تلك الآونة، على ارتباط وثيق بالجِدِّيَّة،فبدلا من قراءة النكات، في سحنتنا كان منشغلا، “بقرآن حفظه وذكر يتلوه”.

كنت أراه دوما، قبل مرضه متشبثا بالآخرة، ومذكرا بها،مهتما بهموم غيره، من الناس، ساعيا إلى تفريج كرباتهم،وقبل أن يسلم الروح، كان يسأل عن الضعفاء ويوصي بهم.

 

عجباً! اليس الرجل اليوم، في شغل بنفسه، وبلائها عن هذا، ربما كلنا عجبنا! ولكن لأننا، ربما لا نعلم أن أبا طارق اليوم، أكثر ما يكون اشتغالا، بنفسه ونجاتها، لذلك كان يسأل، عن حال الضعفاء.

وربما لأنه تسامى، فوق نفسه التي بدأت، تفيض إلى بارئها،كان يسأل عن الذين، يعانون من جراء البقاء، في دار فناء،أكثر من سؤاله عن نفسه، التي غسلها بالصبر، قبيل الرحيل، فمازلت أتذكر حلته البيضاء، وعمامته البيضاء، التي كانت تليق بما يخفيه، أبو طارق من بياضٍ ناصع، مهما كان لون حلته، التي يرتديها