” شيوخ العباءات الصينية .. وخلافه “
من قالوا ان ذاكرة الأردنيين ذاكرة سمكة مخطئون بلا شك ويجهلون حقيقة الشعب الاردني وغير مدركين لمدى التزامهم بالوطن ترابا ونظاما الذي يدفعهم الى التظاهر بالنسيان أو التغاضي عن الكثير من التجاوزات والمنغصات التي تعصف بالوطن جراء الكثير من القرارات غير المدروسة لبعض الجهات والتي استشعروا ان هدفها تنفيعات ومكتسبات وتغولا على مقدرات الوطن وكانت بعيدة كل البعد عن المصالح العليا للوطن .
مناسبة الحديث هنا ما كشفته رسالة جلالة الملك التي وجهها الى مدير أهم مؤسسة تتحمل صون مقدرات الوطن ” المخابرات العامة ” التي ما زالت تُشكل عنوانا رئيسيا وركيزة أساسية في مسيرة الأردن وأمنه واستقراره وفوق كل الشبهات كمؤسسة وطنية تحظى بالتقدير والإعتزاز .
اعتزاز جلالة الملك بمؤسسة ” المخابرات العامة ” لا يقل عن اعتزاز المواطنين بها ولا يُقلل من كفاءات فرسان الحق كما هي نظرتهم بالنسبة لجيشنا المصطفوي والعيون الساهرة في جهاز الأمن العام لكن الجديد الذي اشارت اليه الرسالة الملكية المسؤوليات الأخرى الملقاة على كاهل الجهاز الوطني الى جانب مسؤولياته الأمنية حيث وكما قال جلالته أن الدائرة اجتهدت في التصدي لملء الفراغ الخطير الناشئ عن عدم امتلاك بعض المؤسسات صاحبة الاختصاص الأصيل، للقدرة على النهوض بمسؤولياتها واختصاصاتها، وبخاصة في المجالات الاقتصادية والاستثمارية والرقابية فتولت هذه المهمة الشاقة لسد الفجوات .
الملك ومصطلح أوامر من فوق تذكرون المقولة الشهيرة لجلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين في عام 2011 حين خاطب المسؤولين وقال لهم بالحرف الواحد بأنه ” لا يوجد مصطلح اسمه أوامر من فوق في قاموسه ” مشددا انه لم يصدر عنه من هذه الأوامر الا في سياقها الطبيعي وبالطرق الدستورية لسد الطريق على كل من تُسول له نفسه استخدام هذه العبارة لتبرير افعال غير دستورية أو غير قانونية والذي يعني ان من يُقدمون على ذلك يختبئون خلف عباءة الملك لتبرير ما يتخذونه من قرارات لكي يُلجموا من يعترض عليها .
لا احد يُنكر الدور المؤسسي والمهني لدائرة المخابرات العامة المبني على معطيات واضحة والذي يقوم عليه خيرة قيادات فرسان الحق والذي محصلته توجيه الوزارات والمؤسسات العامة لاداء متميز يصب في بوتقة المصالح العليا للوطن والمواطنيين وفي المقابل فان الدائرة شأنها شأن جميع المؤسسات لا يُمكن ان تخلوا من أفراد عُميت بصيرتهم رغم قلتهم للتكسب والتنفع على حساب الصالح العام على قاعدة ” اللي بيمشي على رجليه لا تحلف عليها ” والذين بالتأكيد استغلوا دور المؤسسة في التصويب والتوجيه بطلبهم من مسؤولين في مختلف الدوائر والمؤسسات اتخاذ قرارات تُحقق مبتغاهم الشخصي على اعتبار انه توجيه من الدائرة والشواهد على ذلك عديدة واخرها تشكيلة مجلس الأعيان الأخيرة حيث ثبت اقدام احدهم على شطب اسماء واضافة اخرى من بينهم نسيب له وحين علم المدير تمت احالته على التقاعد . يحضرني في هذا المقام العديد من القرارات والاجراءات التي تم اتخاذها على اعتبار ان اوامر هليا والتي اصبح مفهومها انها من قبل دائرة المخابرات العامة وعلى سبيل المثال لا الحصر ان ادارة مستشارية العشائر ما قبل السابقة تمكنت من استبدال العديد من القيادات العشائرية والمجتمعية بما عرف بشيوخ العباءات الصينية والذين اصبحوا يُشكلون حملا ثقيلا على الدولة .
ويحضرني قرار رئيس وزراء سابق ادخل ضمن فريقه الوزاري عند تشكيل حكومته احد اصدقائه وفي أول تعديل اجراه وبعد ان ضمن له راتبا تقاعديا اخرجه من الحكومة وخلال اقل من اسبوع عينه رئيسا لمجلس ادارة شركة كبرى بعقد مجزي اضعاف راتبه التقاعدي ومبرره انه تلقى أمرا من فوق .
ويحضرني ايضا ان اعلامي يدعي انه خبير في الشؤون الإقتصادية قد تم تعينه ( وعلى فترات ) مستشارا اعلاميا لدى شركات تُسيطر عليها الحكومة وقبل نحو عام تم ايضا تعينه مستشارا لدى احدى هيئات القطاع الصناعي وعند سؤال رئيس الهيئة قال انه تلقى أوامر عليا .
ويحضرني بخصوص هذا المستشار ان وزيرا في الحكومة الحالية والذي كان يشغل منصب رئيس غير متفرغ لمجلس ادارة احدى الشركات قد وعدني بانه ينوي تعيني مستشارا اعلاميا للشركة بدلا من مستشارها حال ان ينتهي عقده وفي الموعد المحدد راجعته وصعقني في جوابه حين قال ” مش قادر الزلمة مدعوم ” فقلت له لكنك رئيس مجلس الأدارة وصاحب قرار فجاء الجواب اشد وقعا من السابق ” انا تعيني تنفيعه شو بقدر أعمل ” ويحضرني أيضا تعليمات اصدرها هاتفيا رئيس وزراء سابق لفضائية رسمية لتعيين اعلامي خبيرا في الفضائية براتب الف دينار والذي تم فورا وأمضى اكثر من عام وراتبه يدخل حسابه البنكي دون ان تدخل قدمه عتبة الفضائية ومن ثم أوعز للفضائية تكليفه باعداد وتقديم برنامج خاص وتعديل الراتب فتم ذلك دون احم أو دستور .
ويحضرني من القرارات الحديثة ما تم في عهد الحكومة الحالية حيث تم اعادة تشكيل مجلس ادارة مؤسسة اعلامية بتعيين صديق للرئيس رئيسا لمجلس ادارتها وصديق أخرا عضوا في المجلس دون الاستناد لأية اسس وتم تعيين ابن رئيس وزراء سابق مديرا لوحدة في الرئاسة وبراتب مجزي دون الاستناد لآية معايير الى جانب تعيين مستشار اعلامي اضافة لمن هم موجودين .
كما ويحضرني حادثة احد موظفي الديوان الملكي الذي أوعز باتصال هاتفي مع مدير أمن عام سابق ليتخذ اجراءات بحق سائق باص ازعج معاليه وانتهى المشهد الذي ضجت به منصات التواصل الاجتماعي باقالة مدير الأمن العام وانهاء خدمات موظف الديوان الملكي . الخلاصة ان رسالة جلالة الملك التي تم نشرها عبر وسائل الاعلام لا تستهدف تطوير جهاز دائرة المخابرات العامة بل هي موجهة لجميع الوزارات والهيئات لتختص كل منها بواجباتها ومهامها كما ينص الدستور وتقضي بذلك الأنظمة والقوانيين على قاعدة من الدقة والشفافية والعدالة لنلج المئوية الثانية بثقة وآمال عريضة كما قال جلالة الملك والذي من شأنه ان يُعيد ثقة المواطنين بأجهزة الدولة ومثل ذلك يتطلب تصويب جميع القرارات التنفيعية التي تم اتخاذها سابقا بذريعة انها بناء على أوامر عليا .
كتب. ماجد القرعان