سيرك العبدلي /17- أهلاً وسهلاً بكم!
فليعذرني أشاوس الديمقراطية في الأردن الحبيب على هذا الوصف لمجلس النواب الأردني السابع عشر ،والّذي يعتبر من أسوأ المجالس النيابية التي سجلت بأفعالها تاريخ أسود من الخزي والعار في تاريخ الأردن،حيث تحوّل 11 أيلول ليوم أسود أردني بعد أن كان العالم قد كان يحتفل بذكرى تفجيرات البرجين في أمريكا راعية الإرهاب والأب الأكبر للشياطين الحمر،فلقد تحوّلت منابر المجلس إلى دائرة من المنافع الشخصية والمصالح الضيقة للحكومة والنوّاب،والطرفين متعادلين بخرقهما كلّ الخطوط الحمراء والتّعدي على ثوابت الوطن،وأصبح الكذب تحية السّلام عندهم،والأمانة راية سوداء يلتفون حولها كلّما نضجت جلودهم..والوطن أصبح ديكور لا حول له ولاقوّة.
كنت أريد أن أؤجّل هذا المقال لإشعار آخر بالرّغم من الغبطة والحزن على هذا القرار،إلاّ أنّه بعد قرائتي لهذا اليوم الورقة الملكية الإصلاحية الخامسة التي نشرت في وسائل إعلامنا،فقد تحفّزت لأربط بعض ماقاله جلالة الملك ،مقارنة بما سأكتبه من ملاحظات تهمّ الجميع، وعلى الرّغم بأنّ ممثلي الشعب إرتكبوا جريمة لاتغتفر وهي حصولهم هم والأعيان على حد سواء على رواتب تقاعدية مدى الحياة،ومساواة رواتبهم مع الوزراء، أي بمعنى آخر سيحصل كلّ واحد منهم على مبلغ مقداره 3000 دينار في ضوء أزمة إقتصادية خانقة، إلاًّ أنّه هناك بعض النوّاب كانوا وزراء فستصل رواتبهم التقاعدية إلى 25000 دينار،فماذا يعني هذا؟،إنّها الإمتيازات المخجلة وحرب الصفقات الملتهبة ،وهاهي تشتعل، فنقول: عاش ممثلوا الشّعب فهم القدوة والبيت الصّالح حماكم الله وسدّد على دروبكم طريق العفاف والرّشاد!
في حزيران الماضي سطّرت مقالاً بعنوان”رجال العين والعوض بسلامتكم”! وتحدّثت بها عن المصالح الضيقة بين مدرسة العين والإختلاف على الصّفين الأول والثّاني في الجلوس،ولكن اليوم جاء موعدكم المناسب لسؤالكم الآن:أين ستجلس يا عطوفة عاطف ويا دولة أبو زهير فهل بدأ شهر العسل بينكما؟ وعندئذ ستسمح يا دولة الرئيس بالجلوس في الصّف الأوّل،طالما أنّ الكتل المتنفّذة ستجعله رئيساً للمجلس في الدّورة القادمة،أم سيكون عطوفة عاطف في الصّف الأوّل طالما التأشيرات الأولية تشير برحيل عبد الله النسور،وهذه فرصة لعطوفة عاطف ليبقى جالساً في الصّف الأوّل..حكايتكم أصبحت أضحوكة وأهزوجة وأعتقد في قادم الأيّام ستذهب مثلاً ،لأنّ الوطن أجلستموه على خازوق!
يقول جلالة الملك في ورقته الإصلاحية الخامسة التي نشرت اليوم السبت”يقع على كاهل أعضاء مجلس الأمة مسؤوليات العمل بتفان لخدمة الصالح العام، وأن يعكس أداؤهم توازناً بين المصالح المحلية والمصالح الوطنية، وتوازناً بين مسؤولية التعاون ومسؤولية المعارضة البناءة للحكومة، بحيث تكون علاقة النائب بالحكومة قائمة على أسس موضوعية لا مصلحية ضيقة، وبما يضمن قيام مجلس الأمة بدوره كحاضنة أصيلة للحوار الوطني الديمقراطي”:
يا جلالة الملك هذه العبارة تكفي بأنّ ماحدث يوم الخميس الماضي منافي لما قلته،ومعارض لكلّ توجهاتك الإصلاحية وآخرها توجيهكم لحكومة عبد الله النسور لوضع خطّة إقتصادية للسنوات العشرة المقبلة..فهل من ضمن هذه الخطّة كما رسمتها للحكومة صفقة الرواتب التقاعدية..طبعاً حاشاً لله..وكلّنا ثقة بأنّك لن توافق على هذه المسرحية الهزلية ،والتي يعارضها جميع أطياف ومكوّنات الشعب من أحزاب ومؤسسات مجتمع مدني وعشائر وجميع الأطياف الأخرى ،فأنت رأس الدّولة تريد الإصلاح الحقيقي ولكن سيرك العبدلي بدأ يقدّم التنازلات تلو التنازلات..
والمواطنة الفاعلة التي رسمتها جلالتك في ورقتك النقاشية يطبّقونها المواطنين الشرفاء وليس هؤلاء من قبضوا وباعونا بثمن رخيص ..وهم يعلمون كلّ العلم بأنّ المعلّم والطبيب والمهندس والتاجر والفقير والألوف المؤلفة من المتقاعدين العسكريين بحاجة لهذه الأموال التي ستصرف لهم..فهيهات هيهات أن يتأدّبوا إلاّ بخطك الميمون بإصدارك قرار حل هذا السيرك الّذي أساء لنا بكلّ ما تحمله الكلمة،فأنت يا سيّدي تعطي كلّ جهد وتضحية من أجل الوطن والمواطن ولشخصيتك الفذّة يحصل الأردن على قروض بالمليارات ،وهذا من أجل تنمية إقتصادية حقيقية لبلادنا، ليلتقمها هؤلاء فرصة سانحة وأن يقوموا بالمساومة، وعندئذ يذهب الوطن على الأرجل والمواطن يشحد لقمة عيشه..والله حرام!
وفي هذا السّيرك أضحكني ما جرى في الأسبوع الماضي عندما قام رعاة الديمقراطية بمناقشة قانون إستقلال القضاء وثلاثة أرباعهم مطلوبون للقضاء وهذا ما أثبتته السّجلات والقضائية والأمنية..يا حسافى! ،أليس بحاجة مجلس الأمّة إلى إصلاح دستوري حقيقي..ماذا يفهمون من الدّستور؟ وهل هم قلقون على زيادة مديونية الأردن أو نقصانها؟ وهل هؤلاء تنظر منهم مولاي أن يحاربوا الدّواعش والفواحش؟ لقد رأيناهم فقط أذكياء بالسّلاح والبوكسات وأفلام الأكشن،والله يا مولاي لن تزهر المجالس النيابية إلاً بوجود مجلس نيابية ديمقراطية،كالتي كانت على عهد سليمان النابلسي وعبد الحميد شرف ووصفي التل وهزاع المجالي. رحمهم الله أجمعين.هؤلاء هم الرّجال الّذين نفتخر بهم؟
هاهي قطاعات الشعب الأردني والتي إعتصمت أمام مجلس النواب ورئاسة الوزراء تملكّتها الغيرة وسكتوا عندئذ وإقتنعوا بأنّ موازنتنا لا تكفي لزيادة رواتبهم..ولكن بعد صدور هذا القرار من أروقة السيرك السابع عشر فهل سنشهد عودة الإعتصامات والمسيرات إلى هذه الأمكنة..فكيف سيكون ردّ دولة الرئيس عليهم؟ كيف سيضحك دولة الرئيس عليهم أكثر؟ وكم نسبة العجز المالي وصلت إلى هذا اليوم؟ وهل تجرؤ دولتك أن تقول كم راتب يتقاضاه ذلك النّائب أو الوزير أو العين وخصوصاً ونحن نعلم بأنّ معظمهم أصحاب مزارع وشركات مساهمة محدودة وحسابات بنكية خيالية..فمن يتقي الله في هذا الشّعب؟
يا دولة الرّئيس لوجود مصطلحات المصالح الضيقة مابينك وبين رئيس مجلس النوّاب ..فإنّ الشعب الأردني ينتظر حل ذلك السيرك السابع عشر وذلك لتجاوزه كلّ الخطوط الحمراء،فنحن ننتظر بفارغ الصّبر بقرار من جلالة الملك بحل المجلس للمرة الثالثة عشر في سلسلة الحلول للمجلس النيابية في الأردن،وذلك لإجراء إنتخابات مبكرّة وصياغة قانون إنتخابي عادل يتوافق عليه جميع مكونات الشعب،وأن نسلك طريقاً ديمقراطياً حقيقياً يلبي ما جاء على أرض الواقع تنفيذاً لما جاء في الأوراق الملكية الإصلاحية الخمسة..
وهذه دعوة إلى جلالة الملك بأنّ يجري تعديلاً دستورياً على مجلس الأمّة مكملاً للتعديلات الدستورية الأخيرة بإسقاط بند الحصانة من كلّ نائب إرتكب جرماً أوجنحة أثناء مسيرته النياية،وذلك لتحقيق العدالة وتحصيل حقوق المواطنين..فالعدل أساس الحكم..ولا يوجد أحد فوق القانون،فلا بدّ من عودة سيادة القانون على الكبير قبل الصّغير..وذلك قبل أن يلتهمنا خفافيش اللّيل وسماسرة المادّة الزّائفة..بوركت مولاي وبورك فيك الوطن!