0020
moasem
sum
003
004
006
007
008
Bash
Hofa
Diamondd
previous arrow
next arrow

نطّــــات باشـــــا

( بســـم الله الرحمـن الرحيــــم )
“نطّــــات باشـــــا”
بقلم: الأستاذ عبدالكريــم فضلـو عقـاب العــزام
النّـط: كلمــة كانــت تعني القفــز إلـى مسافــة بعيـــدة.
الباشا: لقــب كـان يُطلَـق على مـن كـان بِرُتبــة قائِــد لواء في الجيــش العثمـانـي والجيـــوش المعاصِــرة.
إخواني القُــرَاء الأعِــزَّاء:
إلى الذيـن لا يعـرِفــون قِصّـة نطّـات باشـا فليقـرأوا قِصّتـه التي جَـرت على النًّحـو التالي وهي قِصّـة حقيقيّـة سَمِعتُهـا مِمّـن خَــدم في الجّيـش العثمـانـي مُشافهـة صحيحـة المتـن والسّنـد.
في إحـدى معـارك الجيـش العثماني في بـلاد الرٌّوملّـي (الجبـل الأســود والبوسنـة والهرسِـك) بينما كانت رَحَـى إحـدى المَعـارك تَـدور مـع الثائريــن على الدّولـة العثمانيـة قُتِــل قائِــد اللّــواء العُثمـاني وكــادت قُــوّات اللـواء أن تَبيـد فبَـادر ضابِـطٌ صغيـر لا تتجـاوز رُتبتـة رتبـة مُلازم بِنجمـة واحِـدة بِتَـوَلِّ القيــادة وأدار المعـركة وخلّــص الجنــود من هـلاكٍ كـان محقّقــاً.
وعندمـا انتهــت المعـركـة جـاء قائــد الجيــوش العثمانيـة وكــرَّم هـذا الضابـط الصَّغيــر فـي حفـلٍ مهيـب بِـأن رفَّعـه من رُتبــة مُـلازم إلى رُتبــة لِـواء دُفعـةً واحِــدة, وبعدهـا صـار كُــل الجّنــود وكُــل من يعرفــه يُلقّبـونه بـ (نطّــات باشــا) لأنّـه نـال الرُّتبــة العُليــا ( نطّـــاً ) أي قفزاً مُتجاوزاً كُــل الرُّتــب الأعلى منه.
لقـد أحببـت أن أفتتــح مقالتي هـذه بهــذه القِصّـة التي باتــت تَنطبِــق على الكثيـريــن الكثيــريــن عنـدنـا في الأردن مـع الفـارِق الكبيــر بينهـم وبيــن نطّــات باشـا العثمـانـي فنطّـات باشـا العثمـانـي حصَـل على الرُّتبــة العليـا بِعَمَــل إبداعي فَــذ, وقيــادة قَــلَّ مثيلها, وحَفِــظ أرواح الآلاف مِـن الجُنــود بِعَمَــل قِيــادي مُبهِــر يستحِــق عليــه هذا التقــدُّم السّــريع الـذي لا يحكُمـه طُــول الخِـدمـة وقِـصـرها ولا كبــر السِّــن أو صِغــره.
أما النطَّـاطُــون الأردنيــون فَـهُــم مِمَّـن يَسـطُــون على رُتَــبِ غيرِهِـم ويَجْـلِسُــون على مقاعِــدِ غيرِهِــم, ويأخُــذُون المـراتِـب دُون كَــد أو تعَــب, وفــوق ذلـك يَسخَـرُون ويَسـخَــر مَعهُـم المُنـافِقُــون والمُتزلِّفــون يسخــرون من أصحـاب العقُــول والخـدمـات المُميَّــزة مِمّــن يُشهَــد لهُــم بِحُســن السّيـرة والسُّلـوك والأداءِ المُمَيَّـز والقيـادة النّاجحــة.
نعـــم:
لقــد كَـثُــر النطّــاطُــون الأردنيــون فَـهُــم ينتشِــرُون في كُـل دوائِـر الدَّولــةِ وعلى مُختلــفِ مُستـويــات الوظيفــة بِـدءاً مـن الوظيفــة المُتـواضِعـة وحتى وظيفــة رئيــسِ الوُزراء, فصـرنا نــرى مـن كانــوا ضِعافاً في التحصيــلِ والأداءِ الوظيفـي هُــم الذيــن يقفــزون ويتبــوأون المراتِـب العُليــا بينمــا المُميّـزون يُقصَــون ويُبعَــدون.
واليـوم أخَــذَت شريحــة النطَّـاطِـيــن تَتّـسِـع فمـا عـادت تقتصِــر على الموظفيــن والتجـاوزات بينهـم, بـل تبنّاهـا وعمــل بهـا وبقــوة النُّــواب والأعيــان والـوزراء فصـرنا نــرى النـائِـب أو العيــن إذا خَــدم (7) سبـع سنــوات حتى لو كانــت سنــوات عجــاف على نفسـه ووطنــه والشّعـب فإنَـه يأخُــذ راتباً تقـاعُديـاً يُقـارب الثلاثـة آلاف دينـار؛ هؤلاء النـواب والأعيـان نعرفهـم جميعـاً وعلى مـدار الدورات المختلفـة بعضهـم مـن لا تأمنـه على إدارة عائلتـه والتخطيـط لهـا وبعضهـم من كـان فاشـلاً في أدائِـه الوظيفـي وبعضهـم من لم يعمل في سلك الدولة سوى 7 سنوات فقط ومع هذا يقفِــزون ويَصنعــون لأنفسِهـم الكُـرسـي الذي يُـريـدُون ويكتبُــون بأيديهـم الراتـب الذي يَطمعـون بِــه وبالآلاف ولـم يُقَـدِّمُــوا للشَّعـب وللـوطــن شيئاً سِــوى أنَّهـم يَبـرُّون أنفُسَهــم بالرَّواتِـب وأبناءهم بالوظائِــف وكأنّهـم يُخاطِبُــون الشّعـب ((الزّعـلان ينسطِــح)).
أســأَل النُّــواب والأعيــان والـوزراء مَـن قَــدّم لِلـوطَــن أكثَــر وجُهــد أكبَــر؟ مَــن أدَار مُـؤسّســات الدَّولة بامتيـاز مـا يُـقارِب النصف قَــرن وبعضهُـم كـان يُـديـر مُـؤسَّسـة تُسـاوي عمــل أربـع أو خمـس وزارات أمْ النُّــواب والأعيــان الذيــن لا نسمَـع لهُـم قَـولاً إلا عِنـدما يَنطقُــون بالمُوافقــة على الضَّـرائِـب وتجـويـع النَّـاس أمْ الوزراء الذيـن بعضهُـم لا يُديــر أكثـر مـن 50 خمسيــن موظفاً أو مِثــل ذلك.
أعتقِــد أن مـا وافَـق عليـه مجلِسـا النُّـوَّاب والأعيـان اليــوم مـن راتـب تقاعـدي خيـالي لأنفسهـم ومـا سبـق أن وافقــوا عليـه مـن عــدد سنـوات الخدمـة القليلـة التي تؤهّلهـم لنيــل الراتـب التقاعـدي وهي سبـع سنــوات فقـط فيــه ظلــم كبيــر ينطـق الحجــر ويعتـرض عليـه الأمـوات.
إلى متى سيظـل الانتهازيـون والنطّـاطُـون يستخِفُّــون بنا؟ يُؤثِـرون أنفسهـم على النـاس ويعتـاشُـون على رغيــف الشعــب وبنطالـه المُرَقَّــع وقميصِــه المُمَـزَّق وحِذائِــه الخـالي مِـن النِّعـال.
إلـى متـى ….. إلـى متــى ……
أخَــذُوا أمـوالنا وصادَروا لُقمــة عيشِنــا وانتفخَــت بطُـونُهُـم شَبَعَاً وهُـم يَتَبَاكــون على الاقتصــاد, هُـم يكنُــزُون الذَّهــب والفِضَّــه ونحـن نبحَـث عـن رغيـف الخُبــز وقُـلُـوبنـا تَتَقطَّـع حُبَاً وشَفَقَةً على الوطـن؛ وطــن الآباء والأجــداد والبـاقي إن شاء الله للأولاد والأحفــاد مهمــا فعلوا.
هُــم يَـقُــولُـون ما يشـاؤون ويفعلُــون ما يشـاؤون ولكنهـم يُـريـدُون مِنَّــا أن نخيــط أفواهنـا ولا نتملمـل حتى لا يعرفـوا أنَّنـا أحيــاء.
نرجـوكُـم أن تُعاملوننا كبشــر, وأن تعـرفُـوا أننـا لسنـا أقـل منكــم فكراً وقُـدرةً وعطاءً. نرجــوكم بعـد أن أخـذتُـم ما أخـذتُــم وما ستـأخُـذون مِمَّـا بَقِـي إن تركتُـم في الوطــن بَقِيَّــة؛ نرجُـوكُـم أن تسمحُـوا لنا بالكـلام والتعبيــر حتى نُخفِّـف شيئاً ممَّا في صدورِنا, فلا تؤاخِـذونا إن أخطـأنا, لأنَّكـم أنتُـم النُّخبـة وأنتُــم النطَّـاطُّــون وأنتُـم الذيــن فيكُــم سِــر من أسـرار الخـالِــق أمّـا نحـن فلكُـم علينـا أن نظـل الأوفيـاء ولاءً وانتماءً, أمَّـا أنتُــم فأعتقِــد أنَّ الشَّـعــب والـوطــن لا يُـريــد بقاءَكُــم ولا يـرضى عن أفعالِكُـم أيَّهــا النطَّـاطُــون المُنَطَّـطُـــون.
الكاتب: الأستاذ عبدالكريم فضلو عقاب العزام