0020
moasem
sum
003
004
006
007
008
Bash
Hofa
Diamondd
previous arrow
next arrow

أفراح الموت


أرى نشاطاً إعلامياً بارداً يُسَخَّنُ،واهتماماً رسمياً ينهض، من سكرته مترنحاً،واستنكارا شعبيا خجولاً،لأمرٍ لو وقع، في دولة غربية،لانتفض له الشعب والدولة، وما كان له أن يقع عندهم أصلاً، ولكنني اسمح لنفسي أن تجنح بالخيال حتى تصل إلى هذا، المنزلق الظني السيء فيهم، فأبتعد بالتصور، حتى أصل إلى وقوع حالات قتلٍ، وإصابات بعاهات مستديمة، جراء قيام “غوغاء” بإطلاق النار في الأفراح عندهم.

 

منذ زمن بعيد، والناس عندنا، يفرحون بإطلاق النار، وتشتبك “الدِّحِّيَّةُ” بالمزامنة مع الرصاص، ولكن لم يكن في القديم، شيء من هذا السعار المجنون، الذي نشهده في هذه الأيام، فما أن يُدْعَى الناس، الى فرح من أي نوعٍ، حتى ترى قِطَعَ السلاح بأنواعها، تخرج من صناديق السيارات، وعشرات المخازن المحشوة، ما أن يُفْرَغَ مخزنٌ، حتى يُذَخَّرَ آخر، ولا تَشْتَمُ  إلا رائحة البارود، ولا تسمع إلا انفجاراتٍ الرصاص، ثم ترى  فوارغها، تتطاير حولك، وربما لَسَعْتْكَ إحداها  بسخونتها، إن لم تنزل عليك الرصاصة،  فتخرق رأسك وينتهي المشهد.

 

 حتى غدونا بحاجة ماسَّةٍ، إلى لباس الحرب عند كل مناسبة، فلا ضير أن يقتني، كل منا خوذةً، وسُترةً واقيةً للرصاصِ، ليرتديها عندما يُدْعَى إلى عُرسْ، أو عندمايقصد السوق، ليتبضع يوم الجمعة، أو يخرج مبكرا الى الصلاة، في إبَّانِ حمام (عريس) …..والدولة تنظر بعينين مواربتين، وتنتظر بأن تقوم الجمعيات، ووسائل الإعلام، بحملات توعية، لتدشن وعياً في رأس(مهووسٍ) يملك بندقيةً ادَّخرها لعرس، فَيُرجى أن يتفتق ذهنه، عن وعي أصيل، وأن تتنزل الهداية عليه ،بمجرد أن يرى برنامجاً توعويا، عن مصائب إطلاق الرصاص، وتنتهي المشكلة،

 

فإن لم يستجب والأمر إليه أولا وأخيرا، فلا ضير أن يتبختر بسلاحة، وعشرات مثله في فاردة، تمر من أمام، دائرة المخابرات ومديرية الشرطة، ولا بأس أن يُطلق النار، في عُرسٍ يحضره وزير الداخلية، أورئيس الوزراء، ولا بأس أيضا إن كان (العريس)، “جندياً أو دركياً أو من أي جهازٍ أمني” ويحضر عرسه، ثلةٌ من زملائه، الذين إن لم يشاركوا، في جبهة العرس، سكتوا عن كل هذا الإجرام المعروف نتيجته ومآله، فطفل مشلول شللا كليا جراء رصاصة مرتدة، وطفلة في غيبوبة قد لا تصحو منها، وآخر مصاب بالعمى ثم أفضى إلى غيبوبة تغيب بعدها عن الحياة برمتها واستراح من تداعيات العمى ومن بقايا رصاصات خرطوش استقرت في دماغه،ووحيد والديه ينشآنه شبرا بشبر، وينتظران يوما يريانه قرة عينٍ لهما،ليسند عجز شيخوختهما، فما هو إلا أن استوى على سوقه، واشتدَّ عوده  فأتته رصاصة مرتدة، تركب الهواء فاخترقت رأسه، فاستقرت عيناه وجحظتا ووالداه ينظران وما عادا ينتظران.

 

أصبحت الأفراح،  مقززة للغاية، في بلادنا،ولعلك لا تدري! وأنت مقبلٌ الى عُرسٍ أو تهنئة بنجاح توجيهي، او تخريج جامعةٍ، بأن الموت يسكن، في تلك المناسبة ويحتلُّها، فضلاً عن الإزعاج الذي (يَفضخُ) الرؤوس،والخوف الذي يبعثه في النفوس إطلاق الرصاص .

لا يعدو أن تدخل الى العرس فتندم، عندما ينشر الرعب “مأفونٌ” لا يملك في رأسه ذرةً من ثقافةٍ أو فهمٍ، فيرفع بندقية جامحةً، بيد واحدةٍ، ويطلق الرصاص المجنون، ولو تعثر بحصاة، او ارتطم بكرسي، لقتل العشرات بِجَرَّةٍ واحدة، والدم المسفوح، عندئذ مرهون بفنجان قهوة ٍرخيص ٍوخطبةٍ ركيكةٍ من (شيخ عطوات) تقاعد حديثاً، يحيل كلَّ الأمر، الى القضاء والقدر، ثم يخرج مزهواً،ويضيف إنجازه هذا إلى سيرته العشائرية الدموية.

 

أذكر أنه قد عُيِّنَ، في أواخرالثمانينيات في السلط، مديرُ شرطةٍ جديدٌ، وليتني أذكر إسمه، ولم يكن إطلاق الناريومئذٍ، بهذه الكثافة والجنون، فلم يقم مدير الشرطة هذا، بإطلاق حملات توعية، ولا كان يغض الطَّرفَ، عن قِطَع ِالسلاح التي ترافق مواكب الأفراح،من أمام مبنى مديريته، ولا كان يُدعى إلى عرسٍ، ويجلس بسكون ينتظر، “أسراب المناسف” يتقدمها ويحيط بها من خلفها وعن يمينها وشمالها بنادق القناصين، بل كان يأتي، بكل صاحب عرسٍ، ويُوَقِّعُهُ على تعهد، قبل أن يطلق أحد، رصاصة واحدة، ثم يجعل في كل عرسٍ، رجلان من الأمن يراقبان، فإن أطلقت رصاصة، قبضوا على مطلقها فورا، وإن أفلت مطلق الرصاص ولم يقبض عليه، اعتقلا (العريس) وأباه رهينتان حتى، يُسَلِّما مطلق الرصاص، ثم لم يكن يقبل في ذلك شفاعة ولا واسطة، ولا يسامح البتة،  فيصادر منه السلاح، ويحول صاحبه إلى القضاء، بعد توقيفٍ وعناءْ.

 وما زال الناس بخير، على ما عودهم هذا “المدير الشريف”، حتى جرت بذلك، من بعده عادتهم.

ثم انقضت حقبة ارتحنا بها،حتى خرج في الناس “مسعورون”يطلقون في عرس أو حفل، ما يقارب الألفي طلقة، أو ما ينوف عنها،  حتى قيل ان اعراسا متوسطة قد أطلق فيها ما يقارب كلفته الخمسة آلاف الى السبعة آلاف دينار،عند شعب يشكو الفقر ويصطف في طوابير الدعم، ثم ينهمر الرصاص عليه من السماء.

 

وأين تذهب آلاف حبات الرصاص القاتل،أليست تعود إلى الأرض؟! أليست تعود قاتلة كحالها يوم انطلقت من فوهة البندقية؟! أليست تنهمر على البيوت والساحات والطرقات؟!ألا يعلم من يطلقها، بأنها ستعود، وأنها ستقتل أحدا ما، أو تصيبه بعاهة؟!

 

وكم جمع الناس، من الرصاص المرتد،من سطوح بيوتهم، ومن الطرقات، وعرضوه في الصحف، فلم يعبأ أحدٌ، ولم يتنبه أحد، وبتنا كلما تقدم الزمن وتطورت الأمم، نزداد تخلفا وهمجية، فيمسك حاصل على الماجستير، ومن خلفه دكتور، ومهندس وغيرهم، ممن يفخرون بشهاداتهم، ويفخر بهم آباءهم ويعدونهم من النخبة، فيفرغون “الباغات”، بكل عنجهية وغرور، بالرغم من أنه لم يعد هناك ما يهيج مطلق الرصاص، فقد بادت النساء المزغردات، إثر إطلاق العيارات، ولم يبق إلا غيداءُ متأنقة، رقيقة الأظافر، ناعمةُ الخدَّين، وهذه تنظر إلى كل مطلق للرصاص، على أنه متخلف، جاءت به آلة الزمن الخرافية، مسافرا من عصور غابرة، فتزدريه ولا تحرص، أن تحتفظ برقمه، في هاتفهاالوردي. 

 

ولعلي يوما لم أكذب عَيْنَيَّ، عندما رأيت عضوا في جمعية، أسست لمكافحة إطلاق العيارات النارية، وهو يمسك ببندقية في حفل عرس، أوتوجيهي، أوتخريجٍ، أوطُهورٍ، أوحمام (عريسٍ)،أوعودة حُجاج،  أوهلال رمضانَ، أوهلال عيد، أوفوز فريق، أوصعود مطرب اردني، رخيم الصوت للمرتبة الخمسين، في مسابقة للغناء والرقص… نعم لم أستغرب! فحالة الفصام تجعل همجيا قاتلاً، ينتسب لجمعية يزين ببطاقة عضويتها، سيرة ذاتية متناقضة، وخصوصا أن كثيرا من الجمعيات، لا تتحقق، إن كان المنتسب اليها، يخالف بسلوكه، ماأنشأت الجمعية من أجله، فالمهم هو دفع رسم الإنتساب، وكثرة الأعضاء،والاجتماعات الدورية، مع (البتيفور) والمعجنات،التي تختتم بها حفلة التعارف، بين أعضاء الجمعيات، وتكفي ندوة في العام، فالندوات مملة وكئيبة.

 

أستغرب حقا أن يتوقف، الإحتجاج على هذه الظاهرة، عند “وزير الصحة” فيصرح بنصيحة للناس، أن يقاطعوا كل مناسبة، فيها إطلاق للعيارات،فوفق نصيحته هذه، ينبغي أن نقاطع كل المناسبات، فنحن لا نعرف إن كان صاحب المناسبة سيسمح بإطلاق العيارات أم لا، وإن اعتمدنا على بطاقة الدعوة، فكل البطاقات، ككل علب السجائر، مزينة بعبارة تحذير، تنص على أنه(يمنع اطلاق العيارات منعا باتا) ولا يقرأها أحد، وربما كان “صاحب المطبعة” مدعوا أيضا ويكون أول من يطلق النار.

 

الأمر لا يحتاج توعية، فالكل قد وَعَى، ودم الأبرياء الذي يُهرق، ولا نعرف من أهرقه،ودمعة حارقةٌ على خدِّ أم تتحسر، ومئات الحالات من القتلى والمصابين، كفيلة بأن يعيها مطلق الرصاص،وأصحاب الأفراح، ولكن لا أحد يتفطن، أن مثل هؤلاء لا يملكون وعيا أصلا، وبغير سياط الخوف، والعقاب الصارم والأخذ على أيديهم بالشدة والنَّكالِ، فلا يمكن لفت أنظارهم، أن ما يصنعونه يصنف في الجرائم، وأنه مطلق النار في الهواء،قاتل للألاف من الناس، ما دام كل الناس مهددون برصاصة يطلقها، ولا يدري أين مستقرها ومستودعها.

 

ولا يقولن أحد، أن أصحاب العرس، لا يستطيعون منع، (مهووس)-عظيم النقص في شخصه، أو فارغ إلا من استعراض بندقية، في جمع عظيم من الناس، قد يقتلهم وهو يلهوا بها- فلقد نبئت أن والداً، لعريس في منطقة (عيرا ويرقا)قد منع إطلاق النار، في عرس ابنه، وشدد النكير والوعيد، لكل من يفعل هذا،فاستجاب الناس، ولم تطلق فيه طلقة واحدة، وهذا رجل يملك وعياً قد يملكه الكثيرون،ولكنه يملك أيضا، “جرأةً وحزماً” لم يملكهما غيره.

 

القول الفصل في هذه المسألة، ليس في حملة توعية،وليس لوزير الصحة، وإنما ينبغي أن يكون لوزير الداخلية، أو رئيس الوزراء، ولا يكون على شكل نصيحة، او برنامج مؤلم، يزيدنا حرقةً على التلفزيون الرسمي،وأنما يكون بحملة (تعبئة أمنية)وبالتهديد بعقاب صارم، وأن يساق أهل كل عرسٍ، إلى المخفر ويشدد عليهم، وأن يؤمروا بالتعهد أن يمنعوا، هذا الإجرام في أفراحهم، وأن تُسَيَّرَ دورياتٌ مدججة طوَّافة، الى كل عرسٍ،  وأن يصادر السلاح، الباهظ ويسجن صاحبه، وأن يُتَّهم أهل كل عرسٍ ومناسبة جامعةٍ،  في محيط وقعت فيه إصابة،وأن يُطالَبوا  بدم القتيل بالرصاصة المرتدة،حتى يرعوي المجرم، ويعلم الجاهل، وينتهي الإرهاب، الذي تصنفه الحكومة والناس، في خانة القضاء والقدر.