هل انعتق إعلامنا من الرقيب؟؟
هل انعتق إعلامنا من الرقيب؟؟
راتب عبابنه
قبل ثورة الإتصالات المتمثلة بأجهزة الإتصال الخليوية والفضائيات التلفزيونية والشبكة العنكبوتية التي تتيح مشاهدة المتصلين لبعضهم، كنا قيد ما يفرضه علينا التلفزيون الرسمي ويمليه علينا ويحدد لنا ما يمكن مشاهدته إذ الخيارات كانت شبه معدومه. وقد كانت الوسائل التي توصل للخبر والمعلومة محدودة. فقد كان هناك بعض الصحف العربية المسموح لها بدخول المملكة، وهي بدورها أيضا خاضعة لقناعة الرقيب فتمنع عندما تنقل خبرا لا يحلو له. وهناك مصدر للخبر سببه السفر لخارج الأردن الذي بالغالب كنا نطالع من خلاله فضائح العرب وسلوكياتهم التي تسلط الأضواء عليها من قبل الصحافة الغربية المتصهينة أو المملوكة لصهاينة.
بمعنى آخر كان التلفزيون الأردني والسوري خصوصا بشمال الأردن هما المصدران الوحيدان للترفيه والأخبار. وقد كانت البرامج الحوارية تكاد تقتصر على لقاء مع فنان أو فنانة, أما الحوارات السياسية والإقتصادية والتثقيفية التي تغوص بمشاكل المجتمع وتحاول اقتراح حلول لها كانت شبه غائبة ونستثني منها برنامج” ريبورتاج ” للمرحوم محمد أمين وكان تركيزه على النظافة العامة في سياق مكافحة مرض الكوليرا وغيرها من الأمراض.
وأخيرا وصلتنا منتجات الثورة الإتصالاتية وصار بمقدورنا مشاهدة ما يجري بالصين مثلا وأستراليا من أحداث مباشرة من خلال الفضائيات العملاقة. وبفضل الشبكة العنكبوتية صار بإمكاننا التواصل مع مغتربينا بكل أرجاء الدنيا. كما أن الحاجة للهواتف الأرضية التقليدية تقلصت وحلت مكانها الهواتف الخليوية والذاكرة الإلكترونية ” Flash Memory”.
لندخل بصلب موضوعنا الذي يشمل التلفزيون الأردني والفضائيات الأردنية الأخرى والمملوكة من قبل القطاع الخاص. وسنحاول إلقاء إضاة على المواد التي يقدمها الطرفان. بالنسبة للتلفزيون الأردني أكاد أجزم أن مشهادته تقتصر على نشرة الأخبار وذلك ليبقي المشاهد نفسه في النور بالإطلاع على ما يستجد من أمور تهمه تتعلق بالأسعار والضرائب والتشريعات والقرارات التي تتغير بتغير الطقس. وبعيدا عن ذلك فليس هناك ما يشد المشاهد ويغريه بالمشاهدة رغم وجود برامج حوارية يبدو واضحا من خلالها على مقدم البرنامج التوتر والتوجس من أن يخرج ضيوفه عن خط البرنامج ويقع بالحرج ويتلقى اللوم وربما العقوبة وربما الطرد. وذلك يُبقي المشاهد والمقدم والضيف يلتقطون أنفاسهم, المشاهد أملا بأن يبوح الضيف بسر ما والمقدم خوفا من الضيف من أن يفضح أمرا أو يدلي بما لا ترضى عنه الرقابة أو ينتقد الدولة بأمر ما والضيف شبه مقيد بخطوط توضيحية وإملائية يضعها الرقيب مسبقا. وقد كنا نتمنى حضور هذه الرقابة لتمنع السرقات والهدر والبيع والترهل والتسيب مثلما تمنع أو تحد من حرية الكلمة والتعبير عن الرأي.
أما الفضائيات ، كانت في البداية غير مختلفة كثيرا عن نهج التلفزيون الرسمي والسبب يعود للتنشئة السياسية والتلقينية التي حُقن بها ذهن المشاهد لسنوات طوال مما خلق لديه توجسا وريبة وخوفا من ردة فعل المسؤول المباشر أو من قبل رقابة الدولة. لكنها بالرغم من ذلك أعلى سقفا بحريتها وجرأتها من التلفزيون الرسمي. ظل الحال كذلك حتى قدوم الإنفجار العربي الذي لم يكن بحسبان الرسميين ولم يستعدوا لقدومه المكلف ـــ كونهم اعتادوا على وضع سياسات تتناسب مع قطعان لا عقول لديها ـــ والذي فتح الباب غير وَجِلٍ على كل الإحتمالات الإعلامية والصحفية والسياسية مما يمكننا القول بحدوث تغيّر وتطور نوعيان طرءا على الإعلام بكافة أشكاله.
المتابع للفضائيات الأردنية الآن وخصوصا برامجها الحوارية يلمس هامشا لا بأس به من الجرأة بطرح قضايا الساعة المقلقة كمواد حوارية يتخللها أسئلة غير تقليدية ومداخلات بمنتهى الجرأة بوجود متحاورين لا يألون جهدا لوضع النقاط على الحروف وتسمية الأشياء بمسمياتها. حقيقة، هذا النمط من المكاشفة الإعلامية والأريحية لم نعتد عليه ولم يكن مسموحا به بادئ الأمر، لكن سبحان الذي يغير ولا يتغير. كما أنها تتبنى القضايا التي تشغل الناس والإعلام بالمطلق يمارس دورا رقابيا وراصدا لما يدور وما يمكن أن يحدث. كما يؤدي دور المتقصي الباحث عن الحقيقة ليخدم الوطن ويتحقق ذلك عندما تكون الحكومات وطنية وتنطلق من مفهوم الغيرة والحرص ولا تتعارض بأدائها مع الرأي العام.
وفضائياتنا مشكورة صارت متنفسا للمشاهد يستنشق من خلالها ما كان يتمناه في السابق ويستمع لأشخاص يناقشون مشاكله ويبرزون همومه وينتقدون مسببي أوجاعه ويقترحون الحلول لها وبنفس الوقت لديه الفرصة للمشاركة والإدلاء برأيه وشرح وجهة نظره. لا يمكننا القفز، حقيقة ، عن دور هذه الفضائيات بالإسهام بتشكيل الرأي العام نحو الكثير من القضايا التي تقلق المجتمع الأردني إذ لعبت دورا توعويا تنويريا بتسليطها الضوء على ما يهم الوطن والمواطن. وبهذا تكون قد حلت محل التلفزيون الرسمي لتقدم الرسالة التي فشل بتقديمها لامتثاله لقيود الرقابة التي جعلت منه مسخا إعلاميا لم نكن نرضاه لمؤسسة توخينا منها الكثير ولم تعطنا إلا القليل. كما أنه أخفق بمحاكات هموم المواطن ونجح بالترويج للحكومات المتعاقبة التي لم تكن تقلق بالقدر المتوخى منها بهموم المواطن والوطن والدليل تجذر الفساد وتفشيه وتغول البرامكة.
والإعلام كما هومعروف يلعب دورا خطيرا بالسلب والإيجاب، سلبا إذا كان خلفه من يريد التضليل والقفز على الحقائق وتوجيه الناس لغرض بنفس يعقوب، وإيجابا إذا كان همه المواطن ومعاناته والبحث عن حلول لمشكلاته. والجانب الأيجابي الذي بصف المواطن ربما لا يكون إيجابيا بمنظور ومعايير الرقيب الرسمي الذي يخشى الحقيقة ويخاف من النقد كالمقروص يخاف من جرة الحبل، وجل همه مُنصب على إرضاء مؤسسة الدولة وليس إرضاء المواطن. فما هو إيجابي بنظر السواد المجتمعي من بسطاء ومثقفين ومراقبين، ليس بالضرورة إيجابيا بنظر الدولة. والسبب أن الشعب ومشاكله وقضاياه بواد والدولة بواد آخر. فلو كانت الدولة تعمل بالتوافق مع الشعب لخف النقد والتوتر والتقاطع والتصادم إن لم يتلاشى ذلك كله.
التلفزيون الرسمي بالنهاية ليس منافسا قويا للفضائيات الأخرى على الإطلاق ولا الفضائيات بموضع تنافس معه وذلك لعدم التكافؤ واختلاف النهج والإدارة والهدف والرؤيا. ولا أبالغ إن قلت لو اقتصر دور التلفزيون على نشرة الأخبار فقط فسيرحب الجميع بذلك ولتوفر الكثير من الأموال التي تهدر وتصرف دون طائل على الطواقم الجرارة ليتم استغلالها والإستفادة منها بما ينفع الناس بمجال أخر.
لن يفوتنا التنويه بما اتخذ بحق قناة ( a TV) التي ترقبناها وسعدنا بما كانت تروج له من برامج جريئة ذات سقف عالٍ لم نعتد عليه إلا من قناة الجزيرة رغم تحفظنا على نهجها ودسها أحيانا. وقد كنا نتوقع لها أن تكون إضافة نوعية تثري المناخ الإعلامي الأردني والعربي وتنافس الفضائيات العربية بالقدرة على تصحيح ما انتشر من دسائس ومشوهات طالت الأردن وشعبه ونظامه. وقد كانت ستشكل ظاهرة إعلامية فريدة لو كتب لها الرضا من أصحاب الرضا. فقد كان وأدها علامة سوداء بالتاريخ الإعلامي الأردني، نأمل من الحكومة القادمة الإفراج عنها لتعطي زخما قويا جديدا لإعلامنا المفتقر لقناة تصل بطرحها ورسالتها لكل مواطن عربي. كما لا ننسى أن نذكّر بوقف بث قناة جو سات من قبل رئيس الحكومة السابق، رئيس الديوان الملكي الحالي, الذي كان يعمل على قولبة الأردن على طريقته الخاصة والتي تتقاطع وتتنافر مع الإصلاح مشجعا الفساد والفاسدين وكأن الشعب قطيع يسيره كيفما يشاء، وتلك علامة سوداء أخرى تضاف بسجل الإعلام الأردني وتكتب بصحيفة دولة الطراونة لتضاف لقائمة ما لم يرضا عنه الأردنيون.
ولفضائياتنا المزيد من الحرية والجرأة بالحق وكشف الحقائق عونا للوطن وعونا للدولة إن أصابت ومصححا إن أخطأت, ولتلفزيوننا الرسمي فك الله أسره مع تمنياتنا بالشفاء والتعافي من حالة التحجر وقيود سلطة الرقابة.
وحمى الله الأردن والغيارى على الأردن. والله من وراء القصد.
ababneh1958@yahoo.com