فأر وقنطار حديد
نعيش في زمن قد تغير فيه الحال ، وتبدل فيه المآل ، فلا الصديق مخلص مع صديقه ، ولا الرفيق يؤنس وحشة رفيقه ، في زمن ضاقت به النفس حتى من أنفاسها ، فالكثيرون يجدون أن ما في هذه الحياة نفاق، وسرسرة، وخداع ومكر ، وإستغلال ، فعليك أن تسلك كل الطرق بل أبشعها لتصل لمآربك ، وأهدافك ، ولو خالفت الدين ، والقيم ، والشرف والمثل ، والمبادئ، والأعراف والقوانين ، فقد تجد من يزين لك هذا المسلك ، ويكون معك ويساندك من أجل دريهمات بسيطة وقد يستميت للدفاع عنك لإخراجك من ورطتك وبشتى الطرق حين وقوعك في هذا العمل المشين.
إنه زمن أصبح اللص فيها شريفا، والفاسد مستقيما ، والقاتل رحيما ، فالمكر حرص، والخديعة حذر ،والسلب والنهب فهلوة ورجولة، وعدم الإلتزام بالعمل قوة وشجاعة لكسر إرادة الدولة،!!!لتحقيق المكاسب والمطامح التي يزعمون،، وكل من يحمل صفات السؤ هو الأمثل ، في زمن تغيرت فيه النفوس وجبلت على أكل الحرام ، وإستغلال المواقف والمناصب للوصول لمبتغاهم الدنيئ حتى وإن كان الآخر هو من يستحق ذلك.
فلا المواطن يتحرى الصدق ، في ما يجب أن يكون ، ولا المسؤول بأفضل ممن ولي عليه ، فكلاهما قد يسلكان نفس الطريق ، وإن إختلفت الوسائل والأساليب مع قدرة المسؤول على استغلال المواقف لصالحه لما حباه الله من سلطة ومنصب وجاه، ظنا بأنه الخير فإن لم يكن الخير شعاره والإستقامة ديدنه فلن يكون الطريق سليما ولا الأمر قويما مع نفر ترك الدين والخلق والضميرلمآرب شخصية، إلا من رحم ربي.
وسأروي لكم هذه القصة وعليك أن تحكم عزيزي القارئ على ما نحن فيه من ثنايا هذه القصة والواقع المعاش الذي نحياه:
ذات يوم ،اراد أحد التجار السفرلعقد صفقة كبرى وغادر مرتحلاً بعد أن أودع لدى جاره قنطارا من الحديد.
عاد التاجر بعد فترة من الزمن وطالب بكمية الحديد المودعة عند جاره . قال التاجر لجاره ، أرجوك رد لي حديدي.
رد الجار قائلا :’حديدك ؟؟ يؤسفني أن أقول لك أن فأراً واحدا أكله عن آخره. لقد أنّبتُ غِلماني على تقصيرهم ، لكن ماذا أفعل ! فمخزني فيه دائماً بعض الثقوب!!!!!.
فدهش التاجر بما سمع، فالأمر خارق جداً ولا يمكن لعاقل تصديقه ، ومع ذلك ، تظاهر بالاقتناع.
بعد أيام اختطف التاجرُ طفلَ جاره الخائن.
وبعدها .. على مائدة العشاء التي كان قد دعاه التاجر اليها ، اعتذر الأب عن تناول الطعام وقال باكياً : ‘اعذرني ، أتضرع إليك ، كلُ سروري وفرحي وبهجة لي ،قد فُقِد ت وضاعت بضياع ولدي.
لقد كنتُ أحب ولدي أكثر من حياتي ، لم يكن لي سواه. ماذا أقول ؟؟!!
أجاب التاجر مسرعاً : ‘ بالأمس مساءًا .. قدمتْ بومةٌ وخطفت ولدك ، ورأيتُها تحملُه نحو مبنىً قديم.’
وقال الأب:’ كيف تريدني أن أصدق أن بومة تستطيع أن تحمل هذاالفتى؟؟؟!!!
وأكد له التاجر بطريقة أخرى : ‘ أنا لن أقول لك شيئاً مطلقاً .. لكنني رأيته، رأيتُه بعينيّ بمخالب البومة وتطير به !!!. وأنا لا أرى ما الذي يحملك على أن تشك في الأمر لحظةً وعدم تصديقي لما أقول.
هل ينبغي أن يكون عجباً في بلادٍ يأكل فأر واحد قنطارَا من حديد ؟؟ وأن لا تقدربومة على ان تحمل صبيا ذا وزن بسيط وأن تطير به؟؟!!
أدرك الجار بأن ما فعله سوى مغامرة وكذبة وخداع لا يمكن تصديقه ، فأعاد الجار حديد التاجر ، وبدوره أعاد التاجر طفل جاره .
وفي كثير من البلدان تضيع حقوق ولا نجد من يردها لإصحابها !!!؟؟ بفساد كبار مسؤوليها!!!!!.