إضــراب المُعلّميــن إصــلاح لِمَا أفسَــد الدّهــر دفعــة واحِــدة
أعتقــد ويعتقــد معي الكثيــرون أن لُغــة الإضـرابات أصبحـت سائِــدة عِنـدنا في السّنــوات الأخيــرة تستخدمهـا النقابـات والمؤسســات وحتى دوائِــر الدّولــة ولهـذا فلا غـرابـة ولا استهجـان أن تُـوظّـف نقـابـة المُعلميــن الإضرابـات لِخـدمـة مطالِبهـا ونيـل حُقـوقِهــا.
لكننـي في هــذا العــرض المُقتضَــب أرجو أن أذكّــر إخـواني المُعلّميــن ببعـض القضايا حَــول بعـض مطالِبهــم مـع إيماني أنّهـا مُحِقّــة وإن كُنـا قــد نختلــف في طريقـة معالجـة بعضِها:
أولاً: إن كَـرامة المُعلّــم شيء مُقــدّس لأن المعلمين هُـم وَرَثَــة الأنبيــاء يُبلغــون رِسالات العِلـم والعُـلَماء, ولكنني أعتقِــد أنّه لا يغيـب عـن بال أحَـد مِقـدار التغيُّــر السَّلبي الذي حَـدث على المُجتمَـع فـصـرنا نـرى مـا لـم نـكُـن نَعـرِفه، الطّـالِـب لا يحتَـرِم مُعلّمه والابن يعـق والديــه وتربيـة الشَّارع هي الغالِبَـة. ومع هذا فإنني أجـزِم أنّـه لا بُـد أن تضَـع الدّولــة والمُجتمَـع مِـن الضّـوابِـط والقوانيـن ما يضمَـن للمُعلّـم كَـرامَتـه وهيبتـه ما دام ملتزماً بأهـداف رِسالتـه وحنانـه الأبـوي على طُلابـه مربياً وقُـدوة لهم.
ثانياً: الفسـاد جُـزء مِـن الطبيعـة البشـريّـة وواحِـدة من نَـزغَـات الشّيطـان لا يُنـزّه مِنهـا إلا الأنبيـاء والمرضيُّـون مِـن البشَـر لكنّـه مُحارب مُنـذ وُجِـد الإنســان على هذه الأرض, ولكـن يجـب ومن باب أولى أن يكـون الفسـاد مُحارَباً بِشراسَـة عِنـد المُعلّميـن وفي وزارة التربيـة والتعليـم. فإن كـان هنـاك فسـاد في صنـدوق الضّمـان فلا يجِـب أن يُغطّى عليـه بِدهاليـز اللّجـان والتّسويـف بل يجِـب أن يُحاسَـب المُفسِـدُون ويُشَهّـر بِهِـم على رؤوس الأشهـاد.
ثالثاً: الإجـازات المرضيـة والتي أعتقِـد أن مُنَظّـري ديـوان الخِـدمَـة المدنيّــة هُـم مـن أوقعُـوا الحُكُــومة والمُعلميـن وكُـل مُوظفي الدّولـة بهـذا الفَـخ. فكيف هَـداهم تفكيرُهُـم أن يُحددوا الإجـازات المرضيـة ويُنصبـوا مِـن أنفُسهـم أطبـاء عـن بعـد كالفـارابي وأبي بكـر الـرازي مـع وجـود أطبّـاء أكفيـاء في أردننا العـزيـز. وإذا كان هنـاك خَـوف مـن وصـول الفسـاد إلى الإجازات المرضيـة التي يمنحهـا الأطبـاء فلِمـاذا لا تُشكّـل لِجـان لِمُراجعة هذه الإجازات ومحاسبة كل من يعطيها لمن لا يستحق وقد طبق هذا الأمر بعض المديرين الأمناء في دوائرهم وجاءت بنتائج باهرة ولكن بجهد فردي وقد يكونوا حوسبوا عليه ولحق بهم أذى ضريبة إخلاصهم .
رابعاً: العلاوات للمُعلّميـن – لِيَتَذَكَّـر إخـوانِـي المُعلّمـون أن السّنـوات الماضيـة مِـن عُمـر الدّولـة شابهـا بعـض الأخطـاء في سُلّـم الرّواتِـب, فقـد تعـددت العـلاوات, وتعـددت الـرواتب الأساسيـة وتنـوَّعـت بيـن موظفـي المؤهـلات الواحِـدة وبيـن موظفـي المواقِـع المُختلفـة فـي المؤسسـات المدنيـة، مـع أن الجميـع يـؤدي كُـل دوره في موقعـه ويساهِـم في بنـاء الـوطن لكنني أعتقِـد أن أسبـاب هـذا التفـاوت كـان بإلحـاح من وزراء بعض الدوائـر وتجميـل لصورة وظيفتهـم وكـأن الوطـن لا يقُـوم إلا عليهـا ولا يتضـرر الوطـن إذا غابـت الخـدمات الأخـرى فنجحـت بعـض الدوائِـر بنيــل ما أرادت وبقيـت دوائِـر أخــرى تتفـرج على الآكليـن هنـأهُـم الله ومما لا شــك فيـه أن هـذا كـان خطـأً كبيراً زرع الألـم في قلـوب البعـض ورفـع درجـة الأنـا في قلـوب البعـض الآخـر وفـوق كُـل ذلـك لـه انعكاساتـه علـى المنتفـع والمُتضـرر فالمُنتفِع بات لا يشبـع من الزيادات والمُتضرر بـات يحبـس في صـدره مُنتظراً مثـل هذه الأيام.
إخواني المعلميـن: إنكـم والله تستحقـون كُـل ما تطلبـون وأكثــر مِـن ذلـك ولكـن لنتذكّـر جميعاً أن معلمينـا حتى قبـل ثماني سنوات كان راتب الدرجة الخاصة لا يصِـل 500 دينار وكان تقاعُـد الدرجـة الخاصّـة وخدمـة قـد تصِـل 40 عاماً لا تتجـاوز 400 دينـار فمـاذا يقــول هـؤلاء الصابِـرون.
إنني لا أقـول ذلك إنكاراً لحقّكُـم ولكنني أعتقــد أنّكـم حقّقتُـم جُـزءاً مِمّا تطلبُـون وبدأت ثِمـار نقابتكُـم تُؤتِـي أكُلهـا وعليـه فإنني أعتقِـد أنّ تعويـض خَلل عُقُـود مِـن الزّمـن بِحقّكُــم لا يُمكِـن أن يَتـم في أشهـر قليلـة، وإن الطريـق الطويـل يبدأ بخطوة.
لقد كافـح المُعلّمـون قبلكُـم أكثـر من عشـر سنـوات حتى حصلـوا على علاوة مجموعهـا 50% (خمسـون بالمئة) وأنتـم حصلتـم على مثلها في سنـة أو سنتيــن فلا تستعجِـلُـوا الخيــر مـع أنــه قادِم إن شـاء الله ولا تشتطُّـوا في إضـرابِكُـم لأن فيـه أذى كبيــر لكُـل المُجتمـع، تمهلـوا ولا تجعلـوا الناس ينتظِـرون متى يتخلصُـون من كابُـوس نقابــة المعلميــن والنقابـات التي لا ترحَــم الناس والوطَـن من وجهَـة نظَـرهِـم وعلى ضـوء ما سيلحَـق بهِـم.
أنا معلّـم وأتعاطَـف مـع المُعلّميــن ومـع مطالبهِـم ولكـن لا بُـد أن تكُـون لهُـم استراتيجيـة مدروســة للمطالبـة شعارهـا كما يُقـال “لا يمـوت الذئـب ولا تفنى الغنــم” يأكلــون ولكـن لا يُميّــزون أنفسهُـم ولا يسهمــون في ترسيــخ أخطـاء الماضي يطالبــون ولكـن دون إلحــاق الضّـرر بالطُّـلاب وأوليـاء أمورهـم وهنا لا بُـد للـدولة أن تسمـع وتُخطّـط وتتـوخى العدالــة وتضَـع من الاستراتيجيـات ما ينهـض بالوطـن ويشعُــر كُـل مواطِـن أنّــه جُــزء مِـن بنَـاء مُتكامِـل ثابِــت إن شـــاء الله.
الكاتـب: الأستـاذ عبدالكريـم فضلــو العـــزام