غمرة الطبيخ
تتجسد هذه العلاقةُ، أحياناً، على شكل ولاءات،وكثيرا ما يتم فيها دفن، كثير من الخلافات أمام العيان، مع بقاء البغضاء متأججة، حتى بعد التجشؤ، من الانتفاخ الذي طرأ في الأمعاء الراكدة.
والطبيخ يحل كثيراً من الإشكالات العالقة، وَيُغْنِيَ الرجل القمئ عن الاعتذار عن إساءاته، فدعوةٌ على وليمة ليراك الناس، في غمرة المدعوين، تكفي ليظن الجميع، بأنكما حميمان، وإن كان بينكما في الأصل ما “صنع الحداد“.
فأنت لا تستطيع أن تكشف للناس (قميئا) على الموائد،فالمقام (مقام طبيخ) كما تعلم، ولكل مقام مقال،ولا يصح أيضا في العرف، أن تهرف بما يخالف المضيف، والفمُ مملوءٌ (بالطبيخ)،عندها يسرق القميء موقفك،بإصبعي “نشال” محترف، ويتم استثمار صمتٍ يفرضه (الطبيخ).
وأكثر الولائم ريبةً وتفاهةً، هي الوليمةُ غير المبرَّرة (بمناسبة) وتتم كسوتها بشيء من الفضيلة،ويكثر فيها الحَشْدُ عشوائياً، وهي بهذه الكيفية،تكفي عند التباس المواقف (لتوجيه موقفك) إلى صف الداعي للوليمة، من غير أن تتكلم “بنصف كلمة”فكل المدعوين سيظنون، بأن موقفاً تتخذه، إنما اتخذته تبعاً لموقف الداعي الذكي، الذي يعلم أن موقفك، من قضية معينة يشبه موقفه، فيحاول (بالطبيخ) أن يجعل موقفك انبثاقاً من موقفه.
وأكبر المصائب طبعاً، أن يفشل (أرباب الطبيخ)، دائماً في عمل شيءٍ، له قيمةٌ في حياتهم،وألا يتصدَّوا لمسألةٍ، من المسائل، أو مُلمَّةٍ من الملمَّاتِ، إلا وزادوا السيئ سوءاً وقلبوا الحسن قبيحاً….ومكر فيهم الماكر مكراً كُبَّاراً….. ثم هم عند الطبيخ ينجحون، نجاحا ً تاما في الإعداد والتقديم، وترى عقوداً، من الإخفاقاتِ والنكساتِ، فتبحث عن نجاحٍ، فلا تجد نجاحاً، إلا في (الطَّبيخْ)
عندها ترى الأضداد من الناس، تتراكم في جلسة ملغومةٍ،ويحتاج الانفجار فيها، إلى فتيلٍ تم نَزْعُهُ تلقائياً،لأن الكلَّ مرتبطٌ بمراسم الوليمة،ولا يصح رفع الصوت، ولا افتعال مشاجرةٍ،بلا مناسبة فالمناسبة الآن (طبيخ).
نصيحتي:كن حذرا عندما، تُدعى إلى وليمة،فهناك من يستخدمك لوفرة (الطبيخ)عنده وافتقاره لمن يدعوه…. كن حذرا فقد يتم استغلال صمتك، إبَّانَ التكالب حول القصعات وتجيير مواقفك،كن حذرا فربما بعد المغادرة، تكون أنت، حديث مجلس مغلقٍ أو مفتوحٍ، ويقال على لسانك، ما لم تقله، كن حذراً، عند كثرة الدسم،فأحيانا يكون السُمُّ في (الطبيخ).
طبعا أنا لا أتكلم، عن وجوب إكرام الضَّيف، والترحيب به،ولا عن تكريم أهل الفضل، ولكنما أتكلم، عن طبخ المؤامرات والمواقف، وطهيها بماء المكر،ووقود الدَّسِّ، واختصار إصلاحٍ مزعومٍ، بجمعٍ متنافرٍ بكل ما فيه، وتضطرم فيه البغضاء، ولا يجمعه في آونةٍ، على مسرح الأحداث إلا (طبيخ).