ضياع أنسنتها.. بين الأرْدَنة والفلسْطَنة
بقلم: عبدالناصر الزعبي
لم تكن منظمة التحرير مقتصرة على الفلسطينيين وحدهم ولم تؤسس بأموال فلسطينية فقط… المنظمة أسست بأموال فلسطينية وعربية وإسلامية، وبدعم من أحرار العالم كلهم، ونذكر جميعا في ستينيات القرن الماضي أن قادة قواطع معسكرات الفدائيين في مرتفعات الأردن الشرقية ليسوا فلسطينيين كلهم، وان منفذي العمليات الفدائية كان فيهم من غير المسلم وغير العربي.. وفيهم من الصين؛ ممن أسرته وطالته اليد الصهيونية الغاشمة…
ففي حين أن منظمة التحرير كانت تمثلني في أحلامي بتحرير فلسطين؛ فلا زلت شخصيا أستغرب كيف صُيِّرَ همها: الاستفراد في تمثيل الفلسطينيين وتلوين دولتهم على ورق اتفاقات هزلية.. حتى إذا النَفْسُ نازعتها رغبات القيادة؛ كانت فسلطنة القضية؟!
وأستغرب أيضا كل محاولة شخصية للقيادة في الأردن – كانت ولا زالت – لتمثيل فلسطيني الأردن.. استغربها لأنه لا تمثلهم إلا البندقية والقابضين عليها والساحبين لأقسامها والضاربين على زنادها من أي صوب أو حدب يأتون لتحرير الأرض والإنسان. ففي كل محاولة منذ الرباط عام 1974م لتمثيلهم والحديث باسمهم أردنيا.. كانت: محاولة لأردنةِ القضية؟!
إن حجم الظلم في قضية فلسطين السليبة لا تتقبل الإذعان له الشرائع السماوية كلها؛ حتى هناك يهودية منها، وإن دوافع التحرر التاريخية والإنسانية عند كل الشعوب ونوازعها: جعلت من فلسطين رمزا لتحررهم… وشمسا للحرية.
ببساطة… حتى أنا جزء من القضية الفلسطينية كما هو كل عربي ومسلم وكل فلسطيني حمل سلاحه أو لم يحمل، وكل فلسطيني صَرَّ مفتاحه أو لم يَصُرْ… وكذلك ابن الصين الذي قاتل وناضل معنا وأسره عدو الحق والحرية وشيطان الكفر والتلمودية.
ولأنني إنسان بكل التفاصيل.. يحق لي أن أكون ناطقا باسم الإنسانية لفترتي الزمنية الوازنة لعقلي البشري وقلبي الفياض بحبكم فأقول: ليخجل كل من يقف ويطاول إنسانا ظلمته الإنسانية جمعاء.. وتركته وحيدا يئن تحت وطأة التشرد واحتلال أرضه وانتهاك عرضه.. لا بل أصبحت تهمته الفصام تلو الفصام فلا هو المظلوم الأزلي لتنصفه الأوطان؛ أهله لأمه وأبيه، ولا هو الغارق الذي تلاطمه أمواج التشريد كي يجدف لشاطئ النورس المشغول دائما برحلته وتعشيشه الفطري.
ولأنني مسلم.. حق عليه الجهاد والفدى فرضا فلا ينجيني رمي واجبي بأحضان حماس وحدها والجهاد الإسلامي معها، متناسيا أن علي أخراج نُسُكَ صلاح الدين من قبرها والتسلح بها لفعاليتها.
ولأنني عربي.. فلا يكفيني نشيد بلاد العرب أوطاني والرقص على ألحانه في جوف الليل فارتد عنه إلى قطري وانكفئ على جنب سايكس مرة فأداعب امرأة وألهو معها ومرة أخرى على جنب بيكو فيداعبني الشيطان بفتنه الجمة، متناسيا البر بوعد بلفور ممن ابروه وحكمونا.
ولأنني أردني.. الشقيق الأعظم لهذا المتوكئ على هشاشة الوحدة الوطنية مرة، وألوان الوحدة الشعبية البراقة مرة أخرى، ينشد هنا سلمه الاجتماعي، وينشد هناك مستحيلات العنقاء، ليرهب إسرائيل التلمودية، العدو التوسعي ألاجتثاثي.. أقول، وعن نفسي فقط أقول: دمي ودمك أيها الشقيق له نفس الطعم واللون والرائحة، واستحلته التلامدة.. فمصيرنا واحد.. أشاركك وحدة المصير: أمس أنت، واليوم أنا، وغدا أنا وأنت. اذكر جيدا أن يد الله كانت مع الجماعة يوم كان نصر الكرامة… ولا زال تحرير فلسطين هو درب انتصاري.
تعالوا إلى كلمة سواء للوقوف بوجه من استحلت تلموده سفك الدماء – وأي دماء؛ فهي دمائنا كلنا – وكان عدوا لله وللإنسانية وللحق وللسلام، فما كانت قضيتنا معه يوما: إلا تحالفه مع الشيطان، وعداءه للبشرية وللإنسانية جمعاء.
إذ نقف معا يقف معنا العالم كله.. فقضيتنا إنسانية وواجب أنسنتها