وحدة المقاومة والقياده السياسيه يجب التنسيق الى مكاسب سياسية
العدوانية الإرهابية على غزة وعموم فلسطين عادت الحقيقة الفلسطينية ساطعة سطوع الشمس، وانهارت التحليلات والتنظيرات التي تستهوي المتعبين، بل عادت فلسطين بدماء أطفالها ونسائها وشيوخها، وببطولات مقاوميها، خاصة في غزة إلى الصدارة مجدّداً، وبدا كأن قضيتها لم تبق القضية المركزية للأمة فحسب، بل باتت كذلك مركز قضايا الإنسانية قاطبة، حتى ظن كثيرون أن جغرافيا العالم تبدلت، وسكانها تغيّروا، وأن الفلسطينييون «فتحوا» بدماء شهدائهم وبطولات أبنائهم قارات الدنيا الخمس، بل بقوة الحق الذي يدافعون عنه, أن ضمانات وعوامل القوه الفلسطينييه في الحرب ضد الشعب الفلسطيني في غزه والضفه الغربيه اصبحت تتجسد بوحدة الشعب الفلسطيني وووحدة قيادته ومواقفه الوطنيه وبقوة ارادة المقاومه والصمود حيث بدأت تبرز مؤشرات فشل العدو في تحقيق اهدافها من الحرب على غزه بالقضاء على المقاومه الفلسطينيه واضعاف القياده السياسيه وفصل غزه عن الضفه الغربيه واكدت نتائج الاشتباك التفاوضي غير المباشر بالقاهره قوة الموقف الفلسطيني وصلابة وحدة القياده السياسيه التي تعكس انجازات المقاومه على الارض.
أن هذه الحرب بدأت في الخليل ، ثم انتقلت للقدس ، وامتدت إلى غزة وباقي أنحاء فلسطين. أنه يجري التحرك في أكثر من اتجاه من أجل وقف العدوان الصهيوني ووقف شلال الدم الفلسطيني , أن ما يحدث من قتل لعائلات بأكملها هو إبادة جماعية تمارس بحق شعبنا الفلسطيني، وأن ما يحصل هو حرب على الشعب الفلسطيني بأكمله وليس ضد فصيل بعينه، ضرورة العمل على وقف إطلاق النار بشكل فوري وعاجل للحفاظ على حياة المدنيين الأبرياء.
الشعب الفلسطيني تجلت مظاهر انجاز نضالي كفاحي بطولي حققته المقاومة الفلسطينية الباسلة، وارتفعت من بين ركام البيوت والاحياء المدمرة، راية نصر نسبي بالغ الاهمية، بالنظر الى الفوارق الهائلة في معادلة القوة التي حكمت هذا الصراع ، فإنه يمكن الحديث عن انجازات وانتصارات رمزية وعن تفوق اخلاقي، وعن مكاسب معنوية تحققت من البطولات المجيدة، والتضحيات التي تفوق القدرة البشرية على تحملها، الامر الذي يبعث فينا، رغم الالم والجراح الراعفة، مشاعر الفخر والاعتزاز بهذه الارادة التي لا تقهر، وهذه الصلابة التي عبر عنها اداء مقاومة يشهد لها الاعداء. لذلك ندعو الى التمسك بهذا الانجاز الذي فاق التوقعات، والى عدم التفريط به تحت اي اعتبار، ونطالب بالاستثمار فيه، والبناء عليه، ومن ثم تحويله الى مكاسب سياسية مستحقة، بفضل كل هذه الجرأة في المواجهات المباشرة، وكل هذا الصمود الاسطوري تحت هول قصف النار، ناهيك عن التعاطف الدولي الهائل مع الضحايا من الاطفال الابرياء والنساء، واذا كان من بين اوائل ثمرات هذا الانجاز، الذي عز نظيره في الاعتداءات الوحشية ضد قطاع غزة الباسل، تحقيق وحدة الصف والكلمة والرؤية الوطنية، على نحو ما تجلى في تشكيلة الوفد الفلسطيني المفاوض في القاهرة لرفع الحصار عن القطاع، راجين لهذا الوفد النجاح بتحقيق المطالب الفلسطينية ، وإن علينا ان نعزز هذه اللحمة الوطنية التي افتقدناها طوال نحو سبع سنوات عجاف، من خلال جملة من القرارات السريعة المعبرة عن الرغبة في طي صفحة الانقسام الى غير رجعة ، والتعجيل في دعوة الاطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير الفلسطينية، لتعزيز صفتها كممثل شرعي وحيد، ومنحها المزيد من الشرعية الواسعة لقيادة العمل الوطني بكافة أشكاله النضالية السياسية والاقتصادية، ولمعالجة اوضاع قطاع غزة المدمر واسعاف مئات آلاف الناس من التشرد والفقر، وتطبيب الجراح. وان تفعيل الاطار القيادي المؤقت من شأنه ان يفتح الطريق واسعاً امام تطوير حكومة التوافق الوطني، لجعلها حكومة وحدة وطنية حقيقية، قادرة على النهوض بمهام جسيمة، ليس فقط ازاء عملية اعادة اعمار غزة على نحو عاجل، وانما لخوض غمار معركة سياسية قاسية، لتثبيت الانجاز والصمود النضالي المتحقق، وتوظيفه بما يخدم اغراض تعميق عرى الوحدة الوطنية، وزيادة مناعتها الذاتية ضد اي مظهر محتمل من مظاهر التفرد بأبوة هذا الانجاز، الذي دفع ثمنه الشعب الفلسطيني بكل رجولة وإباء. وقد تكون هذه هي اللحظة التاريخية الفارقة في هذا الزمن الفلسطيني والعربي غير المواتي، حانت دون تخطيط مسبق، لانهاء روحية العمل الفصائلي، والكف عن التعلق بالحسابات الفئوية والحزبية، والتعالي عن آلام الماضي، كي نبني بأيدينا نحن قاعدة راسخة لوحدة وطنية، احسب ان من غير تحقيقها لن تتمكن اي حركة وطنية من الفوز في اي معركة، حربية كانت ام سياسية، وفق ما تدلنا عليه تجارب سائر الشعوب. اذا كان كل ما تقدم يتعلق بعامل الارادة الذاتية الفلسطينية المستقلة، فإن هناك عوامل اخرى ذات صلة تفاعلية بجوهر المعركة السياسية المقدر لها ان تشتد بصورة قاسية بعد وقف العدوان الاجرامي، وانكشاف مدى حجم الدمار والخراب الذي انزله الاحتلال بسكان القطاع، واتضاح الحاجة الملحة لعملية الاعمار واعادة البناء، بما في ذلك توفير متطلبات وقف لاطلاق النار، يحول دون عودة العدو مجدداً، بعد سنتين او اكثر، لمقارفة جريمة ابادة للشجر والحجر والاطفال، على نحو ما جرى عليه الحال خلال السنوات السبع الماضية. على هذه الخلفية، ومع ايلاء معركة تثبيت التهدئة كل العناية التي تستحقها، وتفويت الفرصة على كل ما هو محفوظ عن ظهر قلب، في منهج المساومات والمراوغات الصهيونية المتوقعة، فإن علينا ادارة معركة رفع الحصار عن قطاع غزة نحو آفاق اوسع من حدود تلبية هذا الاستحقاق العاجل، ونعني بذلك وضع استراتيجية شاملة، وبعيدة المدى، لتوظيف الاخفاق العسكري الصهيوني في خدمة هدفنا المركزي الاول، الا وهو تحقيق الحرية والاستقلال للشعب الفلسطيني في كل من الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة. ذلك ان هذه المقاومة التي ارتقت الى مستوى التحديات، هي مقاومة الشعب الفلسطيني كله، وليست حكراً على فصيل ايا كان حجم اسهامة في هذا الانجاز غير المسبوق، الامر الذي يتطلب منا جميعاً الحرص على تجنب كل خطة اقتصادية او مشروع اعمار من شأنه ان يؤدي الى الفصل بين جناحي الوطن الواحد، مثل اقامة مطار جوي او ميناء بحري يمهدان السبيل امام اقامة دولة غزة المنفصلة بمصيرها النهائي عن بقية الوطن، وفق ما تستنبطه بعض المخططات الصهيونية المشبوهة أو من هذا المحور وذاك. وليس من شك في ان قطع الطريق على مثل هذه المخططات التي قد تتذرع بعملية اعادة اعمار القطاع، يتطلب الارتقاء بنا الى اعلى مستويات التنسيق والتناغم بين المستوى السياسي المعبر عنه في شرعية منظمة الحرير ووحدانية تمثيلها للشعب المقاوم، وبين أداء المقاومة الذي اثبت جدارته في هذا الصراع، بما في ذلك الدمج الخلاق بين كل اشكال المقاومة المتاحة، والنضالات الشعبية المتوائمة مع مقتضيات هذه المرحلة التي ارتفعت فيها المعنويات وعلت في سمائها التوقعات. وقد لا يكون مفراً امام العقل السياسي الفلسطيني، من ضرورة مراجعة خيار المفاوضات التي خبرناه في العقدين الماضيين، ووصلت بنا الى حائط مسدود ، بفعل ما ظل العدو يقوم به من توسع استيطاني، ومن تنصل من الاتفاقيات السابقة والتفاهمات، لا سيما وان خيار التفاوض هذا قد استنفذ نفسه بنفسه تماماً، والفشل في تحقيق اي اختراق ، فيما الواقع يملي علينا تفعيل استراتيجية بديلة، لاغتنام هذه اللحظة الفارقة في تاريخ الصراع الطويل، لتحويل الانجاز العسكري المتحقق بالدم والدموع والدمار، الى مكاسب سياسية فارقة هي الاخرى، اذا ما استثمرنا هذا المنجز بحكمة وكفاءة واقتدار، وبنينا عليه بارادة وطنية جامعة، كي ننتقل بوضعنا الذاتي من حال لا يمكن استمراره هكذا كأن شيئاً لم يكن، الى حالة يتسم بروح المبادرة، والوحدة الوطنية، ناهيك عن الاشتباك السياسي الخلاق مع المتغيرات الجديدة، وهي امور تتصل ايضاً بفعل الارادة الوطنية الفلسطينية، اكثر من اتصالها بكل المؤثرات الخارجية.
السعي لعقد مؤتمر دولي بمشاركة جميع الاطراف المعنية، استثماراً منا لهذه اللحظة السياسية المواتية، التي يبدو فيها العدو الصهيوني كمجرم حرب ، مما يسهل علينا التحرك بحرية اوسع، وبراوفع سياسية افضل من ذي قبل، لعقد مؤتمر دولي مخصص لانهاء كل جوانب هذا الصراع ، فإن من الصحيح اخذ زمام المبادرة لمساءلة العدو الصهيوني عن جرائمه الوحشية في فلسطين ، امام محكمة الجنايات الدولية، وذلك بتوقيع معاهدة روما بشكل عاجل والانضمام الى المنظمات والمعاهدات الدولية الاخرى، والمضي قدماً في تفعيل المطلب الفلسطيني المشروع في توفير حماية دولية، تتولى فيها الامم المتحدة دوراً رئيساً، وذلك بعد انكشاف عجز مجلس الامن الدولي، مراراً وتكراراً، عن القيام بالدور الذي قام من اجله اساساً، وهو حفظ الامن والسلم الدوليين . هذه اللحظة في تاريخ الصراع الطويل يجب تحويل الانجاز العسكري المتحقق بالدم والدموع والدمار الى مكاسب سياسية .
بفلم جمال ايوب