0020
moasem
sum
003
004
006
007
008
Bash
previous arrow
next arrow

أجهزتنا الأمنية بين الواقع والمأمول

أجهزتنا الأمنية بين الواقع والمأمول
راتب عبابنه
المجتمعات الإنسانية بمختلف أماكن تواجدها لديها ما يقلقها من مشكلات وصعوبات متعلقة بالعيش والأمن مثلما لديها ما تقر به عينها من ممارسات ديمقراطية وحرية تعبير وحقوق مصانة ومواطنة محمية. المجتمعات والدول تفاخر بما تحقق من إنجازات وتنمية اجتماعية ونمو اقتصادي وتطور وتطوير وبالوقت نفسه هناك المنغصات التي تخلق جوا من الحذر الدائم والخوف من أي طارئ والتحوط له حتى يتملك الناس شعور يسيطر عليه هاجس الطمأنينة المشوبة بالحذر مما خلق ثقافة عامة بالتوجس من كل طارئ عند الكثير من المجتمعات المستقر منها والمتوتر. فهناك مثلا الخوف الشديد في المجتمعات الغربية تحديدا من الغريب إذا تكلم مع طفل أو حاول مداعبته أو اقترب منه وهو موضع شبهة تستدعي المحاسبة والمساءلة لو أراد ولي الأمر المتابعة.
وهذه الثقافة وغيرها ترسخت بالنفوس لدى الكثير من المجتمعات بسبب حصيلة تجارب وممارسات خبروها حتى شكلت لديهم توجسا وعدم اطمئنان تحول بمرور الزمن لثقافة الحذر من الغريب. وأي ثقافة بأي مجتمع تتشكل مع التجربة المتكررة التي تترك أثرها على التفكير والسلوك لدى الأفراد. وعندها من الصعب جدا تغيير هذه الثقافة إلا بولادة نمطية جديدة من السلوكيات والممارسات التي تطمئن الأفراد بتلاشي الثقافة السابقة لتحل مكانها ثقافة جديدة أخرى وهكذا دواليك.
لو حاولنا إخضاع حالة المجتمع الأردني لنظرة فاحصة وسريعة تحت مجهر يعكس ويبرزما لدينا من ثقافات تشكلت كنتيجة لتراكم تجارب ومنغصات وعوائق متعلقة بالإقتصاد ومن يديروه وبالإدارة ومن يقومون عليها, لاتضح لنا وجود كَمٍّ كبير من الأسباب التي تضعنا أمام بروز ثقافة ـــ وليست حالة أو ظاهرة ـــ فقدان الثقة بإدارات الدولة. وهي ثقافة أنجبتها التجارب المرة مع الحكومات ومؤسساتها. وبالتوازي مع هذه الثقافة أخذت تتشكل ثقافة محاربة أسباب الثقافة السائدة والمتمثلة بفقدان الثقة. ومن هنا تأتي أهمية وواجب التحرك وبسرعه لتوفير الترياق العاجل لمنع استفحال تلك المنغصات والتقليل من أعداد العاملين على صناعة التنغيص ووقف الأحوال البالغة السوء من أن تستمر بسوئها.
وهناك الجانب المضيء والمشرق والمدعاة للفخار الذي لا بد سيبدو تحت المجهر واضح المعالم وواضح الأداء وواضح النتائج ألا وهو الأمن المنتشر بكل ربوع هذا الوطن الذي لا يتوانى عن حمايته أبناءه الغيارى المتكاملون بالإنسجام والمتجانسون بالنهج والهدف والأسلوب. وهذه الصورة النمطية لغيارى الوطن هي الرافد والداعم التلقائي والفطري لأجهزة أمنية ساهرة وحذرة ومحترفة ضربت المثل بالمهنية في الداخل والخارج. وقد ارتبط اسم الأردن بالأمن الحميد وليس بمعنى السيطرة الإستبدادية على مفاصل الحكم كما في بعض الدول التي توصف بالدول الأمنية.
هذا التقديم جاء للخلوص للقناعات والتساؤلات التي تأخذ حيزا كبيرا من أدبيات الناس وأحاديثهم بالبيوت والمقاهي والتجمعات والمناسبات, ناهيك عما ينشر من قبل الصحافة ويناقش على الفضائيات. فوجئنا ببداية الأمر عندما كان النقاش والحوار والتحليل يقترب ويلامس, ولو على استحياء, أشخاص أصحاب قدسية وسياسات وتشريعات منزهة لم يعتد أحد الإقتراب منها. دخل الإنفجار العربي مراحل متقدمة ودخلت معه مقولة ” ما بروح دين وراه مطالب ” فشرع الناس بالنداء بمطالبهم التي جاءت على ضوء ثقافة عدم الثقة التي كانت قد تشكلت بصمت حتى تشريف الإنفجار العربي فاتحا الباب على مصراعيه أمام المستور لينكشف والأسرار لتنفضح والمحرم ليحلل أملا بتبديل الثقافة السابقة بثقافة أفضل منها.
الأردن عُرِفَ بدولة الأمان والأمن بالمفهوم الإيجابي وبمفهوم انتشار الأمن كمسؤولية سامية يسهر عليها رجال الأمن بكل صنوفهم من مخابرات وأمن عام ودرك وبحث جنائي وقوات مسلحة ليجعلوا الأمن بمعنى الطمأنينة ينعكس على الأفراد والجماعات بسلوكهم وتحركهم وتعاملهم وهم واثقون أن لا مجرم يفلت من الجزاء، ولا محرك لشر ينجح بشره. يوميا نسمع عن كشف محاولة تخريب أو سرقة أو سطو. كما نسمع عن إلقاء القبض على مرتكب جريمة أوجناية بوقت قياسي. ونسمع أيضا عن إحباط عمليات تخريب وتفجير وإرهاب. كل هذا الجهد مكان تقدير وفخار لدى الأردنيين بأجهزتهم الأمنية.
لكن الشيء بالشيء يذكر، وما دمنا نقر ونعترف ونقدر الجهود الأمنية التي توفر لنا الأمان والطمأنينة بوقت بدأت به وتيرة الجريمة بشتى أنواعها تتعالى لأسباب إقتصادية أنتجت معضلات إجتماعية وأخلاقية نسأل الله أن تتلاشى عما قريب، لا بد أن نطالب أجهزتنا لتضع نفسها أمام مسؤوليتها كاملة. حقيقة ، ليس المقصود بالأمن معناه الحرفي فقط وهو عكس القلق والفوضى والجريمة والسرقة وما شابه ذلك. الأمن لا يتوقف دوره وواجبه عند هذه الحدود التي تتعلق بتعاملات الأفراد اليومية فيما بينهم، بل دوره يتسامى ويتعاظم ويرتقي ليطال ما يتعلق بالدولة وأركان إدارتها وما يتخذونه من قرارات ويبرمونه من اتفاقيات يجب أن تخضع للدرس والتقييم ووقف وإجهاض المؤذي منها والإبقاء على ما يخدم الوطن منها والناس ويراعي ظروفهم. كما أن دور وواجب الأمن ـــ والرقابة جزء من الأمن ـــ يتجلى بإحباط الصفقات التي ينتفع منها مبرموها. وإن ادعى مدع بعدم المسؤولية الكاملة عن جانب الرقابة, هناك قنوات ومخارج تعاونية وتنسيقية من خلالها يمكن وضع اليد بالنهاية على مواضع الخلل والمبادرة بإصلاحها.
هل أمننا يتوقف عند مهام الأمن الشرطي فقط كالقتل والنشل والمشاجرات والمظاهرات ومنع المرور والوقوف بالشارع الذي يتواجد به دائرة مخابرات؟؟ منطق الأمور يقول أن الواجب يتعدى ذلك ليشمل كل صغيرة أو كبيرة يمكن أن تكدر صفو الوطن والمواطن. الأمن بكل اختصاصاته وحدة متكاملة جميع العاملين بها يعمل ويتقصى ويراقب وبالنهاية جميعهم يلتقون بمكان واحد وهو خدمة الوطن وحمايته بكنس عفن وأوساخ البرامكة الكثر الذين استشرى فسادهم, غير ناسين أن للوطن قدسيته التي لا تضاهيها قدسية الأفراد مهما بلغ شأنهم. كنا نتمنى أن تكون هذه الروح هي التي ينطلق منها القائمون على أمننا وكنا نتمنى الإبتعاد عن الإنتقائية والحياء والمثل يقول : ” إللي بستحي من بنت عمه ما بيجيهوش ولاد ” ويبدو لنا مع شديد الأسف, أن الحياء تعدى الحدود وتجاوزها ولم تنجب بنات العم, أليس هناك من بديل عن هذا الحياء الذي أوقف النسل؟؟
الرقابة سواء كانت عسكرية ( أمنية ) أو مدنية فهي بالمحصلة تعمل على فضح وكشف كل ما من شأنه أن يصيب أمن الشعب بصورة من الصور. وعندما نتحدث عن الأمن بمفهومه العام، فهو ذو تفرعات وأذرع تطال كل مناحي الحياة بيومياتها ما ظهر منها وما بطن. فهناك الأمن الشرطي، والأمن الإقتصادي، والإجتماعي، والغذائي، والسياسي…. إلخ.
أمننا الشرطي متحقق وبنسبة عالية نحسد عليها، والحمدلله. لكن هناك التفرعات الأمنية الأخرى التي ما زالت قاصرة عن تحقيق الإنجازات الكبيرة كما حققت بمجال الأمن الشرطي والإستخباري. لدينا الكثير من الجرائم الإقتصادية التي لم يتم الكشف عنها ببادئ الأمر ومرت دون حساب ودون تفعيل للدور الإستخباري الذي كنا نتوقع منه كشف تلك الجرائم وإحباطها ومعالجتها. لماذا لم نسمع يوما عن إحباط مخطط اقتصادي أو توقيع اتفاقية بيع أو عطاء مخزي ومذل؟؟ ألم يتبين أن لدينا من ذلك الكثير؟؟ إن كانت هناك محاولة سرقة مثلا تم إحباطها, تقوم القيامة إشادة وتفاخرا, مع تسجيل فائق احترامي لرجال أمننا النشامى حفظهم الله ذخرا لنا, لكنا نتوقع منهم تفعيل مسؤوليتهم وهم القادرون, حتى نتخلص من “محمد يرث, ومحمد يرث, ومحمد ما يرث”.
والأمن الإجتماعي لا يقل أهمية عن الإقتصادي إذ الرقابة الأمنية قد قصرت عندما لم تفعل دورها بهذا الشأن، أو هكذا ظهرت، بتوضيح الشلل الذي أصاب العدالة الإجتماعية وتساوي الفرص لمعرفتهم يقينا بما يمكن أن يتمخض عنه هذا الشلل من فوضى وتذمر واحتجاج ينعكس على الحالة العامة من أمن ونظام وأفراد وها هو الإنعكاس قد طال كل هؤلاء. هل هو تقصير أم أداء صَدَقوا ربهم ووطنهم به وتم تحجيمه والتعتيم عليه بفعل البرامكة المستفحلين على مواقع القرار؟؟ الله أعلم.
لتكتمل صورة ما نراه تقصيرا في الأداء وإغفالا لدور أمني يتعلق بالحياة أو الموت، غذاؤنا أصبح غير آمن والقائمون عليه غير مأموني الجانب. أخبار التسمم من طعام المطاعم صارت غير مستهجنة وعدم التزام المطاعم حتى العالمية منها بالمواصفات الغذائية والصحية صار أمرا مألوفا بسبب هلامية القوانين وشح الرقابة. التلاعب بالمادة الغذائية نفسها بهذه المطاعم دافعه غياب الضمير والتجرد من كل الأديان السماوية والوضعية، وكل ما نسمعه أنه تم إغلاق المطعم وإذا به بعد أيام معدودة قد فتح وعاد لسابق ممارساته بعد تدخل المتوسطين والمتنفذين. أين نحن من عبارة الحسين الشهيرة “الإنسان أغلى ما نملك”؟؟ عبارة طالما تغنينا بها عنوانا للنهج. ألهذا الدّرك وصل حال المواطن الأردني ليعلو على كتفيه حفنة من صعاليك الإقتصاد ومجهولي النسب والموطن تشبثت بكل قوتها لتبقى متصلة ولو على حساب كرامتها وإنسانيتها حتى لمعت وبهرت ببريقها المزيف والمصطنع من حولها فحازت على الأمان والثقة؟؟
فعندما يصل الحال بأناس أصحاب نفوذ مالي يحميهم أو مناصبي يقونن ويشرعن لهم أفعالهم مستهترين عابثين بأرواح المواطنين ومتاجرين بحياتهم بتقديم طعام فاسد لا يصلح حتى للحيوان طمعا بحفنة دنانير، والعقوبة تكاد تكون معدومه أو شكلية أو مخففة أو مجرد غرامة مالية، فذلك سيهز ثقة المواطن بالدولة ويخلخلها إن لم يفقدها وكذلك الزائر والسائح والمستثمر مما ينعكس سلبا على الحركة الشرائية وبالتالي على الإقتصاد. ما العقوبة التي نالها هؤلاء المعدومي الضمير والدين والأخلاق ؟؟ أين هم من الأحكام الرادعة لخطاياهم وكبائرهم ؟؟ أين هم الرقابيون وأين ما يسمى بالأمن الغذائي والرقابي الذي صار غيابه يفتك بالناس لوجود قوانين رخوة تسمح للتمادي والتغول بالإستمرار؟؟
ولن نغفل الأمن السياسي الذي يتأثر بكل ما سبق منعكسا على العلاقات بين الأردن ودول العالم. العلاقات بين الدول تتأثر سلبا وإيجابا بمدى المصداقية الداخلية بين سياسات الدولة والشعب. كم من شاحنات الخضار والفواكه كانت تُرفض وتعاد من رقابة دول الخليج بسبب منشأها الإسرائيلي أو هرمنتها أو عدم مطابقتها للمواصفات المتفق عليها؟؟ أخطاء كهذه ولّدت حذرا لديهم جعلهم متحفظين تجاه ما يصدر عنا, أليس هذا هو الواقع الآن؟؟ لقد لاحظنا الشروط التي وضعت أساسا للمساعدات المالية من قبل دول شقيقة. بالواقع, لا لوم عليهم وهم يرون مساعداتهم تتبخر ولا يبدو لها مقر ولم يعلن عنها كعرفان بالجميل ولكن يتم التعتيم عليها حتى لا يعلم بها المواطن التي كانت تأتي لمساعدته. وقد تنبهت هذه الدول وأخذت تشترط الإعلان عما تقدمه. هذا بالإضافة لنمطية التصريحات من وزرائنا وكبار مسؤولينا التي تقلب الحقيقة الماثلة للعيان، فينفون عندما نتوقع التأكيد ويأكدون عندما نتوقع النفي. هم بهذا النهج ربما يحاولوا اعطاء صورة إيجابية لكنها مصطنعة، والشمس لا يمكن تغطيتها بغربال والصورة المصطنعة سرعان ما تظهر على حقيقتها كالمرأة القبيحة تغطي قبحها بالمكياج والمساحيق.
لهذا كله نحن بحاجة لوضع استراتيجيات توعوية صادقة وليست زائفة تتعاون بإيصالها الدولة مع الإعلام موضحة وشارحة أسباب الخلل وسبل الإصلاح ليشمل التعاون المواطنين كافة ليصبحوا بقارب واحد ما يؤذي أحدهم يؤذي الجميع وما ينفع أحدهم ينفع الجميع. وبهذا نمهد لتربية جديدة لخلق ثقافة جديدة تنسخ وتجب ما قبلها من إرث شابته الشكوك وفقدان الثقة كنتائج للفساد المنتشر والإستهتار السائد بالعقول. وأجهزتنا الأمنية وعلى رأسها المخابرات مطالبة اليوم بالعمل على تسوية الأمور وسد الثغرات بتشديد الرقابة وتقديم المتلاعبين للقضاء. دعوني بعجالة أستذكر وعد الملك عبدالله بن عبد العزيز ببداية حكمه عندما رفع أسعار المحروقات قائلا: “سنمد يدنا للمواطن بدل مدها للأجنبي المستغل وستعود الأمور لسابق عهدها بعد أن يصطلح الحال” وكانت السعودية تعاني من ضائقة مالية جراء حرب تحرير الكويت, وصدق الملك عبدالله بن عبد العزيز وعده وأعاد الأمور لأفضل من سابقها. والعبرة هنا بالمصارحة والمكاشفة والمصداقية التي أسست لنسج خيوط الثقة بين المواطن والقائمين على الإدارة.
رغم ما نُحَمّله لأجهزتنا الأمنية من مسؤولية ولوم مقرونان بالثقة بقدرتهم، فإننا نفاخر باحترافيتهم ومهنيتهم ونتوقع منهم أن تمتد مسؤوليتهم لتطال كافة مفاصل الدولة وكافة أركانها دون استثناء من مخططين ومقررين ومنفذين لنرقى بوطن هو بيتنا والبيت مسؤولية كافة ساكنيه. والمسؤولية أكبر وأعظم على كبار البيت الذين بيدهم الحسم.
حمى الله الأردن والغيارى على الأردن. والله من وراء القصد.
ababneh1958@yahoo.com