لابد من أن يتناغم الأداء العربي والفلسطيني مع هذه الحقيقة
إذا كان العدوان الصهيوني على غزة يكشف مدى الجنون الذي أصاب قادة العدو جراء الضربات الموجعة للمقاومة الفلسطينية ، فان الشعب الفلسطيني لن يكون عبر مقاومته الطرف الضعيف في المعادلة ، وبالتالي سيكون قادرا على رفع مستوى التحدي ومواجهة العدوان. إن الفعل المقاوم الذي يتناغم هذه الأيام ما بين جماهير الشعب الفلسطيني ومقاومته عبر هذا الصمود الأسطوري ليؤكد على حقيقة واحدة مفادها أن الوقائع السياسية على الأرض من الممكن أن تؤتي ثمارها إذا ما كانت هناك إرادة فعلية لتغير معطيات وتداعيات العملية السياسية بالتأثير على الوقائع الميدانية وهذا بالضبط ما يحدث على الساحة الفلسطينية بالظرف الراهن التي بدون ادني شك أنها ستؤثر على الساحة الإقليمية برمتها وستكون هناك معطيات جديدة في معادلة الصراع العربي الصهيوني حيث أن عملية ضرب العمق الصهيوني بصواريخ المقاومة الفلسطينية والتي طالت ولأول مرة مناطق لم تتعرض يوما لعمليات قصف عبر الحدود أو لأيا من الأعمال والنشاطات الحربية منذ فترة طويلة. إنما ليؤشر إلى عبور الصراع في مرحلة جديدة لها حساباتها الجديدة كما أن لها تداعياتها أيضا الجديدة ، ولعل ابرز القراءات التي من الممكن قراءتها على هذا الصعيد الميداني المفتوح على كل الخيارات الأتي.أن المقاومة في فلسطين أثبتت أن لها المقدرة على شل المقدرة العسكرية الصهيونية المتطورة إلى حد ما. إمكانية امتلاك المبادرة في الفعل الميداني على الأرض وهذا على الأقل ما أثبتته تجربة وحدة الكوماندو البحرية للمقاومة واقتحامها للخطوط الخلفية للعمليات الحربية. ان قيادة المقاومة لها مفهومها ومنطلقاتها وان هناك مركزية منضبطة بالقرار وبالتالي الفعل. أن قيادة مسرح العمليات الميدانية لا يخضع لأسلوب ردات الفعل والعواطف من هنا أو هناك وهو ما كان يعتمد عليه الفعل العربي الرسمي. أن هناك قوة حقيقية متطورة ولديها الإمكانيات والمناورة على الأرض لا تقل عن المناورات الصهيونية . أن الشعوب حينما تجد أن لا خيار آخر سوى الصمود في وجه العدوان العسكري تصمد شريطة أن يكون لصمودها ثمنا سياسيا ومعنويا. وعلى هذا الأساس وبناء على ما تقدم فإن الوقائع السياسية لاشك أنها ستؤثر بمجريات العملية السياسية برمتها من هنا فإنني اعتقد أن الفعل المقاوم على الأرض له حساباته المرتبطة بلا أدنى شك بالتجاذبات السياسية على الساحتين الإقليمية والدولية ومن هنا فلابد من إعادة القراءة السياسية مرة أخرى من قبل الحكام العرب والقيادة السياسية الفلسطينية الرسمية للوقائع السياسية الجديدة على ضوء العمليات الميدانية العسكرية والتي تؤكد على الأتي. 1- أن العمليات التي تنفذها المقاومة بين الحين والآخر لا يمكن وصفها أو اعتبارها مغامرات . ان اسر جندي صهيوني في معركة غزة هي عملية نوعية من الطراز الأول اعتزّ بها الكل الوطني خصوصا أمام عربدة المستوطنين بإسناد الحكومة والجيش الصهيوني وبعد سنوات من الشعور بالخيبة والإحباط. 2- لابد من الإدراك أن قيادة المقاومة لم تخفِ منذ فترة طويلة نيتها الإقدام على اسر جنود صهاينة لإنجاز عمليات التبادل ، وهو ما ينفي أي ادعاء بان أحدا في المحافل العربية أو الدولية لم يكن على علم بنية المقاومة ، ولم يصدر أي بيان عن أية جهة يرفض هذه النية لدى المقاومة وأن المقاومة حاولت مراراً اسر جنود صهاينة. ولذلك نرى أن توقيت العملية لم يكن مرتبطاً إذن إلا بظروف نجاحها وليس باعتبارات أخرى 3- أن المواقف العربية الرسمية الصادة حتى اللحظة ومنذ بدايات العدوان لم ترتقي إلى مستوى المسؤولية.
أن نتائج الفعل العدواني وحتى اللحظة ومن خلال القراءات الراهنة يؤكد على جملة من الحقائق لابد من ان تستوعبها القيادة العربية ولعل ابرز هذه الحقائق تتمثل بكون أن المقاومة الفلسطينية حقيقة بالمنهج والأسلوب ولابد من أن يتناغم الأداء العربي والفلسطيني مع هذه الحقيقة ويعمل على استثمار فعل المقاومة على الأرض بالمسألة السياسية لتحسين الأداء السياسي على مختلف المستويات والصعد مرتكزا إلى منطق المعادلة الواقعية الراهنة والملموسة بالظرف الفلسطيني الحالي. لكسر احتكار الحكومة الصهيونية للعملية السياسية وكسر معادلة العنجهية بالتعاطي والشأن السياسي ، حيث أن الأداء العربي والفلسطيني السياسي كان على الدوام مجردا من امتلاكه لزمام المبادرة أو حتى التأثير سياسيا. من هنا لابد أن تدرك القيادة السياسية المعادلة الجديدة بكل أبجدياتها وبالتالي لابد لها من أن تغير من تعاطيها والفعل الاشتباكي مع العدو الدولة والحكومة ومؤسساتها الرسمية وغير الرسمية. وحتى اللحظة لابد أيضاً من الادارك وبالملموس أن كافة الأطروحات السياسية ومبادرات التسوية السياسية قد عجزت وفشلت على مختلف الصعد والمستويات، فما من مبادرة نجحت في تحرير شبر واحد من الأرض ، أو في وقف عدوان ،
بل أن الرد الصهيوني على المبادرة العربية والتي ما زالت تشكل حجر الزاوية بالرؤية العربية لما يسمى بمسيرة التسوية السياسية والتي ما زالت في بورصة التداول الرسمي العربي – التي أتحفظ عليها من موقعي المبدئي . فقام العدو بإعادة احتلال مدن الضفة الغربية ومحاصرة الرئيس الشهيد أبي عمار حتى الإجهاز عليه. اعتقد أن عملية القراءة العملية والواقعية للوقائع الميدانية وتداعياتها السياسية يحتم على القيادة العربية والفلسطينية الرسمية أولا إعادة النظر في خطاباتهم وتصريحاتهم ولابد من أن يعوا أن الفعل المقاوم له تأثيراته السياسية على المنطقة أكثر من تأثيرات تصريحاتهم أو تحركاتهم .
بقلم جمال ايوب