غزة وبني الأصفر …!
يبدو بأن الكثيرين اليوم باتوا متفقين بأن غزة التي لم يسكنوها يوماً أصبحت تسكن أنفسهم وأعينهم، ويتوقون إلى العيش بين جنباتها لعلهم يفوزون ببعض نسائم الحرية والكرامة من أهلها وجدرانها، بل ومن كل حبة رمل فيها، فبعد ما رأينا خلال الأيام الماضية منذ بدء العدوان على إخواننا في غزة من أبواق الصهيونية الإسرائيلية، وتعرية بعض الأقلام والأبواق العربية الأكثر صهيونية من الصهاينة في بعض الأحيان، بات من الضروري على كل متخاذل عن نصرة مسرى حبيبنا عليه الصلاة والسلام أن يراجع نفسه مراراً قبل أن يفكر بالتبرع بالدم لهم، لأنه سيلوث دم هؤلاء الشهداء السائرين على الأرض، الواضعين لأرواحهم على راحاتهم وحاملي أوطانهم فوق رؤوسهم، وليته ينجح في أخذ بعضا من دمائهم لعل ذلك يعيد له بعضاً من النخوة والعزة والكرامة.
ما جرى ويجري في غزة هذه الأيام كان كفيلاً لتعرية كل الأقلام والأفواه التي وصلت في انحطاطها إلى درجة أدني من الصهيونية ذاتها، وما يؤسف ان بعضها يخرج من بلاد الكنانة التي كانت دائماً الحضن الأكبر لكل عربي مسلماَ كان أو مسيحياً، ولطالما خرجت رجالاً من أشرف رجال هذه الأمة.
لكن مدرسة غزة التي نجحت حتى الآن بتذكيرنا بأنه مازال في أمتنا عنواناً للعز والشرف، تماماً كما أن هناك عناوين للخسة والنذالة تربض بيننا للأسف، جعلتنا نؤكد على أنه حق على كل واحد منا مازال دمه ينبض ولو ببعض الكرامة والنخوة أن يقبل رأس كل رجل من رجال المقاومة في غزة تحديداً وفي كل فلسطين، من مرغوا رأس المحتل في التراب بأياديهم المحاصرة والمقيدة، ورؤوسهم وقلوبهم التي جبلت على الإيمان والعزة والكرامة.
نناديكم يا أهلنا وأحبابنا في غزة ونشد على أياديكم، ونبوس الأرض تحت نعالكم الذي شرفنا ورفع رؤوسنا عالياً، فأنتم الرجال الحق في زمن علا فيه صوت الرويبضة، لكن صوت بنادقكم كان كفيلاً ليخرس العالم ويجمع مجلس الأمن بقده وقديده ليستجدي وقفاً لإطلاق النار إنقاذا للصهاينة، والذين مازالوا يذوقون وبال نجاستهم، وهاهو الأمين العام للأمم المتحدة يخرج علينا متباكيا على قتلى جيش الصهيونية متناسياً المئات من الضحايا الفلسطينين الذين سقطوا بأداة القتل الصهيونية، والتي لم تعرف غير الدناءة والخسة لها عنوان، تماماً كمن يرعاها من الأمريكان، وكل من يقرها على جرائمها ويتباكى عليها.
شكراً غزة أن نجحتم في توحيد أحبابنا في لبنان مسلمين ومسيحيين ولو لنصف ساعة، في نشرة أخبار بدأها سنة وشيعة لبنان معاً وهم الذين لم يتوحدوا منذ عشرات السنين، شكراً غزة فقد أظهرتم للعالم بأنه يوجد بين جنباتنا مصنعاً كبيراً ليس للصواريخ والعتاد فحسب، بل للرجال الذي لا يهابون إلا خالقهم، ويقدمون الغالي والنفيس من أجله ومن أجل فداء أهلهم وأوطانهم.
وشكراً لكل من وقف وقفة عز مع أهلنا وأحبابنا في فلسطين، وشكراً لكل القادة العرب على صمتهم المخزي الذي لم نعتاد منهم غيره يوماً، ونمتن لهم على حرصهم على صحتنا بعدم أخذ مواقف قوية يمكن أن تقف لها قلوبنا من الصدمة.
ويبدو بأن البعض نسي عندما جاء أحد الرجال إلى سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه مخبراً إياه أن الروم يحشدون الجيوش على حدود بلاد الشام لإجتياحها، مستغلين حالة الحرب بين علي ومعاوية، ليرد عليه: والله لو فعلها بنو الأصفر لوضعت يدي في يد معاوية …!
لكن البعض أصبح يرى حماس اليوم بسبب خلافه معها شيطاناً أكثر من بني الأصفر، بل ومن الصهاينة أنفسهم، ناسياً بأن هؤلاء يسجدون ويركعون في ذات الوقت الذي يسجد ويركع فيه، وينتمون إلى ذات الأمة التي ينتمي إليها والتي أصبحت بارعة في أكل أبنائها وتدمير مقدراتها للأسف …!
أين نحن منك يا أمير المؤمنين، وأقصد هنا بالطبع علي بن أي طالب رضي الله عنه وأرضاه، وليس ذلك الخليفة المزعوم الذي إفتتح عهده بتهجير المسيحيين من بيوتهم وديارهم في العراق، وليتنا نصحو ونعود لسير هؤلاء الصحابة الكرام الذي رفعوا لواء الإسلام ووصلوا به مشارق الأرض ومغاربها بأخلاقهم الرفيعة التي تعلموها من سيد الأخلاق عليه أفضل الصلاة والسلام.
ونختم بأن نقول لهؤلاء الرجال في غزة أنكم أثبتم ليس لنا نحن، فنحن بتنا للأسف ليس أكثر من هباءاً منثوراً “إلا من رحم الله”، ولكن للعالم أجمع بأنكم حقاً رجال، ولمن يقول للصهاينة أنهم رجال ويتفاخر بهم والذين لا نستغرب أن يخرجوا علينا غدا بخبر إستشهاد مواطن إسرائيلي برصاص الإرهاب الفلسطيني أن ندعو لهم الله دعوة واحدة في هذه الأيام الفضيلة وهي أن يجمعهم مع من أحبوا من الرجال وكفى …