0020
moasem
002
003
004
005
006
007
008
previous arrow
next arrow

"غــــــزّة" أُضحيــــة العـــرب إلى أربابهــم

( بســـم الله الرحمـن الرحيــــم )
“غــــــزّة” أُضحيــــة العـــرب إلى أربابهــم

بقلم : الأستاذ عبدالكريــم فضلو عقاب العــزام
تحررت الأمة من حكم الاستعمار البريطاني والفرنسي والإيطالي وغيـرهم وخـرج المستعمرون بزِيّـهـم العسكري (وبصاطيرهم) المحذوّة كما تُحذى حوافر البهائم, خرج الاستعمار فهللت الشعوب وصفقت وزغردت ابتهاجاً وفرحة أن أصبح حكامها من بين ظهرانيها وأصبح قادتها ومعاونوهم من آبائهم وإخوتهم وأبنائهم. خرج الاستعمار بعد أن قسـم الأمة ووضع الحدود وثبتها على الخرائط وفي العقول, فأصبح كل فرد بعد أن كان يعتز أنه عربي أولاً, صار اليوم يعتز بأنه مغربي, أو مصري, أو كويتي, أو سوري … إلى غير ذلك وصار جل اهتمام شعب كل دولة لا بل كل اهتماماته هو مصلحة دولته إن كان لهم ذلك أو سُمح له به مغمضين أعينهم عن كل أخ وشقيق لا يسمعون صوت آلامهم, بعد أن قطعوا كل الشرايين التي كانت تربط القلوب.
خرج الاستعمار بعد أن رعى قيام دولة إسرائيل وثبّت أركانها وهيّأ لها فرص البقاء من داخلها ومن حولها ومن دول الاستعمار التي أوجدتها. خرج الاستعمار بعد أن شارك إسرائيل في تشريد شعب بأكمله ليترك أرضه ووطنه ويسكنوه في المخيمات والكهوف يتجرّع الحسرات والأحزان ويتلقى الضربات تلو الضربات ضمن مخطط مرسوم هدفه الأبادة أو أن ينسى هذا الشعب وطنه.
ومع بدايــة نكبــة فلسطين وتشريد أهلها كان بعض العرب يحسّـون بآلام النكبة تدفعهم الروح القومية والوطنية, فقامت حروب من أجل فلسطين ولكن العرب لم يفلحوا في استعادة أي شبر منها لا بل انتهت الحروب باحتلال كامل الأرض الفلسطينية وأصبحت إسرائيل تتجبّـر مثل فرعون, وتتباهى أنها تمرجح العرب والفلسطينيين بأرجوحة مفاوضات السلام فيغفوا العرب في أرجوحتهم وتكمل إسرائيل هضم فلسطين حتى تتطلّع إلى ما بعد فلسطين في مقبل الأيام.
هذا الواقع الأليم, والمفاوضات التي تُمنّي العرب بالآمال لم تشغل بعض الفلسطينيين عن زرع بذرة مقاومة بأداء مختلف عمّا سبق بعد أن عرفوا أن اليهود لا يمكن أن يتنازلوا عن شيء بمحض إرادتهم, هذه المقاومة التي بدأت بانتفاضات قام بها الشعب الفلسطيني داخل فلسطين, انتفاضات كانت تقلق اليهود إلا انها لم تغير في واقع القضية شيئاً.
فانبثق من رحم الانتفاضات ومن قهر الشعب الفلسطيني وظلم اليهود مقاومة مسلًّحة كان مركزها الرئيس في غزة, وبدأت هذه المقاومة تمارس عملها علّها تلفت نظر العالم إلى قضيتها وتجد من يساندها على نيل بعض حقوقها وبعض من حقوق الشعب الفلسطيني. لكن العدو الإسرائيلي كان لها بالمرصاد فأغلق عليها أولاً كل الطرق والمعابر ومنع عنها كل شي عدا الهواء ثم أخذ يحاربها كل سنة أو سنتين ويقتل منها ما يشبع جوعه ويروي ظمأه وحتى يتفرد بغزة والمقاومة ولا يلتفت إليها أو يذكرها أحد أوجد الربيع العربي, الذي أشغل الشعوب حتى صارت تتلمس نفسها بعد أن سقط مئات الآلاف من القتلى والجرحى وصارت الدول تتطاير من حولها شظايا ومللا وفرقاً متناحرة، عندها لم يبق من يسمع صوت الأيتام والثكالى والاطفال الجياع سوى عدوّهم الذي يشنّـف آذانه بصراخهم ويكحل عيونه برؤية اشلائهم ويروي عطشه من شلال دمائهم وكما يحصل كل مرة يختار اليهود زمان ومكان كل حرب لهم مع غـزّة فكانت الحملة الحاليّة والتي اختاروا لها أن تكون في رمضان حتى يتحدَّوا أهل غـزة أولاً والفلسطينيين ثانياً والعرب ثالثاً ومن ورائهم مشاعر كل المسلمين.
وبدأت المعركة وأعدوا لها كل أنواع الأسلحة مدعومة بأحابيل الساسة وكمائنهم, ولكن هذه المعركة تميّزت عن كل سابقاتها أنها ومنذ اللحظة الأولى حصّنت نفسها بغطاء سياسي عربي يكون أكثر رواجاً وأكثر قبولاً أمام العالم تبرّئ به نفسها وتدين به المقاومة, غطاء سياسي يجعل من المقاومة متمردة على قيادتها, متمردة على أمتها, مقاومــة هي المعتدية ترفض وقـف إطلاق النار لأنها تحب الأذى وتعشق الدم وإرهابيّــة كما يريـد العـدو لها. وأرادوا للعالم كلّه أن ينسى قضية فلسطين وظلم شعبها والفصل الأخير الذي يدمي القلوب وهو حصار غــزّة وسجن شعبها وتركه دون ماء أو غذاء أو دواء لا يجد من يعينه إلّا الله وقليل من الإخوة الذين لا حول لهم ولا طَـول إلا تقديم بعض المساعدة على مقدار قدرتهم في حين الأشقاء الكبار بتعداد الأنفس وكثرة المال منشغلين بكيفيّة مساندة أربابهم وأسيادهم على إحكام الطوق على غــزّة جيداً, حتى ينهار الشعب وتنهار المقاومة وعندها يخضبون أيديهم بالحناء ويعقدون السامر وتتطاير عباءاتهم مع الريح من كثرة الدوران وضرب الأكف بالدحيّة.
إيـــه يا غــــزّة, لقد قرأتِ التاريخ جيداً ووعيت القرآن والحديث جيداً فاهتديت إلى الســراط المستقيم، لقد أحببت الجهاد الذي هو الركن السادس من أركان الإسلام بعد أن علّقـه شيوخ هذا العصر وأرخصت الأرواح مؤمنة أن الحق لا يطاله الفلسطينيون من اليهود إلّا بحد السيف تطلبين الشهادة التي نالها حمزه وجعفر, لأنك تؤمنين أن الموت ما هو إلّا لحظات تنتقلين بعدها إلا رحاب الجنة.
إيـــه يا غـــزّة، امتشقت السيف وانتفضت لأن بك قلب وشرايين وحياه فلا تعتبي على الأموات الذين ماتوا ويموتون بلا ثمن خسروا الدنيا والآخرة.
غــزّة يا غــــزّة هـم يحاولــون أن يلفــوك بالحبال لتستسلمي للمــوت كالأُضحيــة, لأنهم هم يريدون أن تكـوني أضحيتهم التي تقربهـم زلفى إلى أسيادهـم ولكنني وكل الأحــرار يقولــون معي خـــاب ظنهـم وسيخيــب إن شــاء الله فمـن كـان هدفــه رضــا الله واستجابــة لدعــوة الله ورســوله بالدفــاع عـن المقدســات والأعراض فإن الله ناصره وما النصر إلّا من عنـــد الله وسينــدم عندها المخلّفــون ولات حيــن منـــدم.
الكاتب: الأستاذ عبدالكريم فضلو عقاب العزام