ليت التاريخ يعود مائة عام
قبل حوالي مائة عام ارسل الشريف الحسين بن علي اولاده الامراء الى كل من العراق وسوريا والاردن تمهيدا لقيام الدولة العربية الموحدة على الاراضي التي كانت تابعة الدولة العثمانية وبناء عليه استلم الهاشميّون الحكم في البلدان الثلاث ولكن الدول المستعمرة ابت ان يتم توحيد الدول العربيّة في اي وقت من الاوقات خاصّة ان هناك وعدا صادرا عن حكومة جلالة ملكة الدولة المستعمرة بريطانيا لإقامة دولة لليهود في فلسطين .
قام الشريف الحسين بن علي بتفجير رصاصة الثورة العربية الكبرى يوم العاشر من حزيران عام 1916م فرأى العرب فيه زعيماً للتحرير، فجاءت الثورة العربية الكبرى دفاعاً عن الدين والبلاد وأمة العرب عندما بدأت تيارات الدولة العثمانية بالتضييق على الحرية في نفس كل عربي يطالب بها فالعرب يولدون أحراراً لا يقبلون الظلم والاستبداد.
ومنذ ذلك الحين يواجه العرب حربا من إسرائيل والدول الكبرى ضد محاولات توحدهم استمرارا لإنتصارات الأوروبيّون بعد إسقاطهم للإمبراطوريّة العثمانيّة المسلمة وتفتيت اراضيها وتركيز دولة العدوان في القدس الشريف بعد ذلك .
وقد واجه العرب عامّة كل اصناف العقاب الإجتماعي والأمني والثقافي والإقتصادي كما واجه الفلسطينيون اضافة لذلك العقاب العنصري والقتل والتدمير والتشريد أما اللجوء والتغريب داخل الوطن وخارجه فقد ذاقه العديد من العرب في العراق وسوريا وفلسطين ولبنان والصومال واريتيريا والسودان وليبيا وتونس والجزائر وغيرها بحيث اصبح حب الأوطان اغنية على اللسان اكثر منه عقيدة في الوجدان .
وقد عاشت كثير من الدول العربية فترات من توترات وتغيّرات في رأس الحكم نتيجة الانقلابات المسلّحة والسلميّة او تغيّر الممالك الى جمهوريّات ويعتبر الاردن هو الأكثر استقرارا في ذلك بين جميع الدول العربيّة حيث كان الحكم الهاشمي فيها هو الاقرب لنبض الشعب واحتياجاته والأكثر اعتدالا مع جميع الدول في علاقاته الدوليّة سياسيّا والاكثر محافظة على حدوده مع جيرانه والاكثر قربا وإلتحاما مع قضيّة العرب الاولى فلسطين .
كما بنى المغفور له الملك الباني الحسين رحمه الله خلال سنين حكمه علاقات صداقة وثقة مع زعماء الدول وشعوبها مبنيّة على الإنسانيّة والمحبّة ومد يد العون للمحتاج بغض النظر عن دينه وعرقه ولونه وقد بانت محبّة الناس له خلال جنازة القرن التي اقيمت له رحمه الله قبل ما يقارب خمس عشرة سنة .
واستمرّ جلالة الملك عبد الله الثاني اطال الله عمره بنفس السياسة الحكيمة تجسيدا لعقيدة الهاشميّين ومبادئهم التي تقوم على المحبّة والسماحة والعدالة وتقديم العون للملهوف وصاحب الحاجة .
وفي حين انتهى حكم الهاشميّين في سوريا مبكرا قبل الإستقلال وفي العراق عام 1958 فقد تعزّز حكمهم في الاردن من خلال حب المواطنين لهم في فلسطين والاردن ومن خلال النسب الشريف والتعامل الإنساني للناس جميعا .
وهكذا كان الهاشميّون يحكمون جزءا من بلاد العرب قبل مائة عام ولا غرابة انه بعد سقوط نظام الحكم السابق في العراق كانت هناك بعض المطالبات لعراقيّين بالعودة للحكم الهاشمي في العراق الذي ما زالت بعض مقاماتهم تحذى بالعديد من الزوّار العراقيّين كما كان الاردن ملاذا للكثير من العراقيّين ومنهم بعض افراد الاسرة الحاكمة سابقا لما وجدوه من حسن ضيافة واستقبال لهم .
وما احوج العرب اليوم لمن يسعى لوحدتهم حفاظا على عقيدتهم وثرواتهم واراضيهم ومكانتهم بين الأمم وللوقوف كالرجل الواحد لمواجهة العدو الصهيوني الذي يهدف لبناء دولة العدوان من البحر الى النهر .
كم نحن بحاجة لتعليم ابنائنا مبادئ الثورة العربيّة الكبرى التي احتفلنا قبل ايّام بذكرى انطلاق شرارتها قبل ما يقارب مائة عام والتي هدفت لقيام الدولة العربيّة الواحدة دولة تجمع العرب بمختلف عقائدهم والوانهم واصولهم ومنابتهم واقتصادياتهم متكافلين متضامنين يعيشون آمالا وآلاما واحدة يأكلون ممّا يزرعون ويكتسون ممّا ينسجون لا يريدون عطفا من احد ولا يضطرون الى التنازل عن اي شبر من الارض والكرامة , لهم راية واحدة وموقف واحد يعاملون الغير بالمثل تخشاهم الدول وتحترمهم شعوبها وهم لا يخشون إلاّ الله وليس أيّا كان إلاّ بالحقْ .
وما لنا إلاّ ان نعود لقوله تعالى (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ.) صدق الله العظيم .
ولنكن متأكدين ان ما اخذ بالقوّة والدهاء لا يمكن استرداده إلاّ بالقوّة والدهاء لذلك علينا ان نعود للتفكير بالوحدة والرجوع الأحمد لديننا وذلك هو الحل الوحيد لأزماتنا النفسية والسياسية والثقافية والإجتماعيّة وهو الطريق الامثل لرفاهنا وحياة اجيالنا القادمة .
ليت الزمان يعود مائة عام الى الوراء حيث كنّا موحدين تحت دولة اسلامية واحدة لكي نعالج الاختلالات وظلم القيادة العثمانيّة في حينه بأسلوب يعود بالنفع والخير على عالمنا العربي والاسلامي بعد ان إكتوينا بنيران الصهيونيّة والدول الإستعماريّة التي ما زالت تنهش فينا نهش الكلاب في الضحيّة المستسلمة .
حمى الله الأردن ارضاوشعبا وقيادة وجعل كل ايامه تقربا لله خاصّة في بداية شهر رمضان المبارك .
احمد محمود سعيد
28 / 6 /2014