الطارئون مقابل الغيارى
الطارئون مقابل الغيارى
راتب عبابنه
*أكتب هذا المقال وينتابني توجّس من أن يُحجم عن نشره البعض. وشكري موصول للكثيرين ممن لا يخافون إلا خالقهم بقول الحق والذود عن وطن يحتاج للجرأة بالحق أكثر من أي وقت مضى.
ماسيرد في هذا المقال يأتي حصيلة دراسة استقصائية لآراء الشريحة الأوسع المكتوية بنار التهميش من مجتمعنا تتمحور حول فكرة ارتقاء أشخاص غرباء طارئين بالمعنى الحرفي وآخرون غرباء بالمعنى المجازي ناقصوا الإنتماء ومن المساهمين بتغليب نهج الفساد والإنحدار على نهج الإصلاح والنهوض بالوطن. وتناوب الطارئين على المواقع الشديدة الحساسية, والأمثلة بهذا الخصوص كثيرة جدا, لا يستطيع أن ينكرها ناكر. لسنا ضد من اكتسب الجنسية بالتقادم, إذ هذا مكتسب قانوني, أو من منحوا الجنسية الأردنية لحظة قدومهم للأردن أو من خلال السفارات, بل هناك ما يدعونا للتفكير مليا والخروج بتفسير مقنع يجيب عن حالة طال أمدها وصارت عرفا بمؤسسة الدولة وفي مطبخ القرار.
وهذه الحالة أوالظاهرة طبعت وصبغت التعيينات بالمناصب العليا وحصرتها بفئة طارئة حتى صارت الغالبية الساحقة التي تتبادل المواقع القيادية وتساهم وتطبخ القرارات الصعبة وتكاد تكون هي المسيطرة رغم أننا نلمس نتائج أسلوب إدارتهم بين فترة وأخرى دون ظهور أمل بالتغيير لإصلاح الحال. فهل يا ترى الباقون من أبناء الأردن ليسوا مؤهلين وغير كفئين ليكونوا بالمواقع التي أصبحت مرتبطة ارتباطا عضويا بأبناء وبنات وأحفاد وحفيدات فئة معينة نعرفها أصلا وتاريخا وفكرا ومسلكا؟؟
وحتى يتم فهم طرحنا على حقيقته, نقصد بالطارئين الدخلاء من غيرالأردنيين الذين تم منحهم الجنسية وتقريبهم من صانع القرار وحازوا على الثقة حتى أصبح كل منهم إمبراطورا أينما حل وأينما ارتحل. وهناك من هم طارئون من الأصلاء ممن حالفهم الحظ وساعدهم القدر ليحظوا بمواقع قريبة من صناعة القرار. الأصل والمنطق في الأمور أن يكون كل منا منتم ومن يظهر منه عكس ذلك فهو طارئ وغريب طالما لا يعمل لصالح الوطن. وجميع هؤلاء الطارئون أسسوا قاعدة توريثية جعلت ذرياتهم من أبناء وأحفاد دائمي التواجد وغير منقطعين عن التناوب في تسلم المواقع الهامة والرفيعة.
وهذه القاعدة التوريثية الراسخة أفرزت نهجا ممتدا قائما على التوريث والإحتكار ويتم تحديثه وتطويره بالأدوات العصرية التي تخدم رؤى وتطلعات وأهداف من هم بموقع الحل والعقد من الطارئين. ومع مرور الزمن توالد وتكاثر الطارئون لحد صار من الصعب شغور مواقع يشغلها الغيارى. وبالتالي, صارت الفرص الذهبية والمواقع الرفيعة بمرور الزمن حكرا على الطارئين لانعدام المنافسة وغياب معايير الإختيار الحقيقية وتفشي الواسطة والمحسوبية القائمة على “حق” التوريث والتغول واتساع النفوذ الذي يفشل الغيارى بالصمود أمامه لندرتهم. وحتى إن شاءت الأقدار وكان هناك بعض الغيارى فهم قلة لا يلاحظ جهدهم ولا تظهر غيرتهم بسبب المناخ الطاغي الذي تفوح منه روائح التوريث وتكاتف الورثة.
لا دوافع تنظيمية ولا مُعارِضيّة ولا أسباب شخصية لا سمح الله تدفع بطرحنا هذا, بل ننطلق من غيرتنا وحرصنا على أردننا واستقراره ومستقبله معتبرين من الحكمة القائلة : “ما حك جلدك مثل ظفرك فتولى أنت جميع أمرك”. كما أنه من حقنا ولزاما علينا أن نشير لمن أفقرونا وأفقروا الوطن وأعاقوا التنمية والبناء وعرقلوا الإستثمار وأرعبوا المستثمرين وأساؤوا للتعليم وحرموا الشعب من أن ينعم ويتمتع بخيراته ووقفوا سدا أمام أبنائنا من أن يصيبوا بعرقهم وجهدهم ما يصيبه أبنائهم بنفوذهم وتنفذهم. وهذا بالوقت الذي كانوا به هم من يقرر ويخطط وينسج خيوط إيذاء الوطن, والغيارى مغيبون ومبعدون. ولم تتكرر تلك القلة من الغيارى كغيرها من الطارئين اللامنتمين بعد أن ثبتت نزاهتهم وغيرتهم وندلل على ذلك بطيّب الذكر الدكتور محمد نوح القضاة الذي وفر على الخزينة مئات الآلاف وأجهض خِططا وعطاءات صيغت لتسهيل السرقة والنهب.
هذا النهج المريب الذي يلمس منه الجميع أنه الأداة والمِقْوَد اللذان يقودان الوطن للهاوية وإيصاله لمجهول مخيف ومرعب, ربما تكون حصيلته الفوضى والتوتر وزيادة الإحتقان والثوران. وهذا بدوره يستدعي إِعمال العقل والحكمة ومخافة الله بالوطن. لذا من حق الوطن على غياراه أن يعملوا على ديمومته واستقراره آمنا خاليا من الطفيليات الناشرة للمرض وأن نسمي الأشياء بمسمياتها حرصا منا نحن الغيارى على الوطن الذي لا نهادن ولا نساوم عليه. كما من حقنا أن ننعش ذاكرة الأردنيين بأمثلة تدلل على صدق وحقيقة مانطرحه من أحكام تتعلق بالنهج العام الذي لم نعد نحتمل.
أليست إحدى العائلات وأنسباؤها ومحاسيبها توارثت رئاسة الحكومة والوزارات ومواقع القرار؟؟ أليس من تقلدوا منصب مدير المخابرات العامة بعضهم من الطارئيين بمعنى عدم الإنتماء؟؟ فهناك البطيخي والذهبي وجميعنا يعلم ما صنعاه ومدى النفوذ الذي تمتعا به. وبعيدا عن المخابرات, هناك المتنقل بين المناصب الرفيعة باسم عوض الله الذي خصخص وباع ورصد ماطالته يداه بحسابه. وهناك وليد الكردي الهارب من وجه العدالة بعد أن طالته يدها. وهناك الوزراء العابرون للحكومات من حليقي الرؤوس وغيرهم وهناك السفراء الذين يتوارثون السفارات جاعلين منها ممالك مصغرة خاصة. هل نظلمهم عندما نشير لخطاياهم أم أنهم وأمثالهم ظلموا أنفسهم وظلموا وطنا بشعبه ووجبت محاسبتهم إنقاذا للأردن وحفاظا على ترابه الطهور؟؟
ومن مظاهر النهج السائد, هناك تزامن الأخوين الذهبي بأرفع موقعين في الدولة وسبقهما إخوة ثلاث إذ كان أحدهم نائبا لرئيس الوزراء وثانيهم مديرا للأمن العام وثالثهم رئيسا للجامعة الأردنية, ناهيك عن المحافظين من نفس العشيرة. وهناك الأخوين اللذان شغلا منصب رئاسة الحكومة. اليس ذلك توريثا واحتكارا؟؟ لوحاولنا سرد حالات الإحتكار للمواقع العليا والتوريث للمناصب الرفيعة سيطول المقام كثيرا, لكن نكتفي بهذه الحالات التي كان أبطالها يتناوبون ويتنقلون وكأن الأردن حكرا عليهم. ونضيف لكل ذلك من هم يملكون من النفوذ والسلطة مايملكون ويمثلون حكومة ظل تأمر وتنهي فتطاع.
نهج شكل قناعة مستدامة عندنا كأردنيين غيارى بوجود تهميش متعمد ومدروس ومبرمج مما جعل إمكانية الإصلاح أمامهم معدومة ومتزامنة مع صعود الطارئين واستفحالهم جراء تسلم أبنائهم وأحفادهم وأحبائهم المواقع التي كان يشغلها الآباء والأجداد. وبالتالي تولد الإحتقان والشعور بالغبن ومن ثم التململ والتظاهر والإحتجاج والإعتصام من قبل الغيارى المهمشين الذين كانوا منذ تأسيس المملكة هم الركائز التي ساندت النظام ودعمته واستمرت المسيرة.
وهذا الإحتقان الناتج عن التهميش واضمحلال الفرص بتولي المواقع السيادية مهّد وعبّد الطريق وخلق المناخ المناسب لشمول الأردن ضمن ما نسميه الإنفجار العربي. السؤال الذي يفرض نفسه على ألسنة كل الغيارى هو: ماذا جنينا من الطارئين والدخلاء الذين يتنقلون من موقع لآخر؟؟ وزيادة بالوضوح ما الذي جنيناه من برامج وخطط وفهلوة باسم عوض الله؟؟ ضياع المال والعجز والدين, أليس كذلك؟؟ ماذا جنينا من وارثي رئاسة الحكومة؟؟ لم يختلفوا عن عوض الله بشيء. مالذي جنيناه أيضا من الذهبي؟؟ غسل الأموال ومنح الجنسيات لأصحاب المليارات من العراقيين والتناحر مع باسم عوض الله على النفوذ والسلطة ومحاولة أن يكون كل منهما مكمن السر وصاحب الصلاحيات اللامحدودة والأقرب للقصر بالإضافة لزيادة العجز. وماذا جنينا من التوريث والتقريب والإسترضاء؟؟ أليس ما جنيناه هو الإحتقان الشعبي الذي بدأ يتفجر متجاوزا الخطوط الحمراء ومتطرقا لما كان محرما؟؟
المصيبة الكبرى تكمن بعدم وجود أمل في أن يتغير الحال لأفضل منه وبوادر الإنفراج تكاد تنعدم والنوايا الجادة تكاد لا تجد لها مكانا عند صناع القرار. فمتى سيتبدل الحال؟؟ متى نرى الفرص تعطى على أساس العدل القائم على تكافؤ الفرص والكفاءة وليس توريثا واسترضاءا واستقرابا؟؟ أسئلة برسم الإجابة مصحوبة بدعائنا لأولي الأمر بالتوفيق لما فيه خير الأردن واستقراره ومستقبلة.
حمى الله الأردن والغيارى على الأردن. والله من وراء القصد.
ababneh1958@yahoo.com