عيد الحب وشواطئ العُراة
ها هو العيد “عيد الحب” يطرق بابنا من جديد هذا العيد الذي طالما رفضته وأرفضه كلما ضرب بأحمره جدران مآسينا، إذ أن ملحمة العشق التي صلبنا أشواقنا على جدرانها أعظم من دهاليز المناسبات العابرة
قلت لك ذات يوم: إن الحب هو ذلك الجبل الذي نحمله فوق الأكتاف، ونسير به على الأشواك ونحن حفاة، وبدونه لا نقوى على السير ونحن نبتسم
لطالما قلت لك: إن وجهك المقدس يحاصرني من كل الجهات، يسبح في خلايا دمي، ويجدف في عروق جسدي مبحراً مع كل آهة وتنهيدة، ومع كل فرحة وتغريدة
أراه معلقاً فوق أعمدة الشوراع المضاءة، وممتزجاً بلهيب شمعتي التي أوقدها لك في كل ليلة تنطفئ الشموع ويظل وجهك المضيء مرفرفاً فوق جدران غرفتي، كحمامة غزلت من أنفاسيَ الملتهبة، عشاً أخبئ فيه انكساراتي المترعة بالألم والحنين
أراه معلقاً فوق شفتي طفلٍ أسرج خيل فرحته بالأمنيات، راكضاً وسط المروج الخضراء أراه معلقاً فوق سكة المحراث، وهي تداعب جلد الأرض في أوقات الصباحات التي جرحت خدودها حبات الندى
أراه معلقاً فوق جبهة جدي التي حلقت فوق خطوطها المتعرجة المتغضنة فراشات الحصادين أراه يحوم محلقاً فوق أصابع أمي، وهي ترش في الصباح فوق خبز التنور، قطرات الزيت المعجونة “بالصعتر البري”
أرى وجهك المقدس معلقاً فوق الكنائس، مكتسياً ثوب البشارة، ومعزياً وجه طفل المغارة، أراه معلقاً فوق المآذن المطوقة في ليلة حالكة بقلائد من نور، وهو يهمس في أذن الليل سورة الفجر
أراه وسأظل أراه وهو يعانق حبات المطر، فترتدي الأرض فستانها المطرز بحكايا الخصب وثورة الألوان أرى وجهك المقدس محلقاً، في فضاءات كل المدن التي احتجبت أشعة شمسها، بسحب الغربان التي ذبحت شمسنا على مسرح النعيق
آه كم كان وجهك جميلاً بريئاً نقياً حزيناً عندما رأيتك وأنت تحتضنين بكلتا يديك وجه “دمشق” الملطخ بالدماء!! آه يا سيدتي كم كنت خجولاً؛ لأن صوت نحيبك لم يوقظ خيول بني أُميّة!! آه يا سيدتي كم كنت خجولاً، عندما رأيت وجه “بغداد” قد جاء باكياً متسللاً تحت جُنح الليل عبر الفرات، ملتحفاً أشواق دجلة، ومعتذراً عن نخوة “الرشيد”!!
لم أكن أعرف يا سيدتي، بأن بكاء الثكالى سيحمل وجه “عاصمة المآتم” على المجيء، آه يا سيدتي كم كنت خجولاً، وأنا أرى وجه “القدس” مخترقاً ليل الهزيمة ليقلد أعناق الثكالى تعويذة الصبر!!
آه يا سيدتي كم كنت خجولاً، وأنا ألقي برأسي منتحباً فوق صدرك معتذراً عن هزيمتي في حروب الرِدة وها أنا أعتذر إليك؛ لأنني لم أشهر سيفي في وجه اللصوص الذين أغاروا على قوافلك المحملة، بخبز الجياع، وأطباق البيض، ووقود المدافىء
آه يا حبيبتي كم يعتريني الخجل، وأنا أرى ثدي خزينتك، وهو ينسج من آخر قطرة فيه أثواب الحداد، آه يا سيدتي كم هو مؤلم، وأنا أرى حراسك يتاجرون بخصلات شعرك على شواطئ العراة
أعلم يا سيدتي، بأنهم قد جردوك من كل شيء “بفرمان حكومي” وقد أودعوك خلف القضبان بحجة الحماية، وقد صادروا أحلامك بحجة التقشف
أعلم يا سيدتي، بأنهم قد باعوا كنوزك المقدسة بثمن بخس، وأعلم بأنهم يعلمون كل شيء، ولكنهم يجهلون يا حبيبتي، بأن تحت أظافرك، ترقد طيور الأبابيل
msanjalawi@yahoocom