المقاومة اللبنانية – وعيد التحرير
كان يوم ذل ومهانة للعدو الصهيوني ولجيشها ولعملائها في لبنان. لكن هذا اليوم كان بدون أي شك، يوم كرامة واعتزاز لدى عموم اللبنانيين والعرب في أوطانهم كما في أي بقعة من الأرض تواجدوا فيها، ففي هذا التاريخ انهزم الاحتلال الصهيوني في لبنان بعد مقاومة متواصلة ، تصاعدت هذه المقاومة وقويت حتى حرّرت الأراضي اللبنانية ولعلَّ قيمة هذا الحدث أو الإنجاز بالنسبة إلى العرب ، أنه لأول مرة منذ بدء مسيرة المفاوضات العربية مع مع العدو الصهيوني ، ومنذ بدء الاعتراف بها، تضطروللمرّة الأولى في تاريخ الصراع العربي- الصهيوني للانسحاب الكامل من أرض عربية، دون تفاوض أو اتفاقيات ينسحب الاحتلال بسبب المقاومة ، وما سببته هذه المقاومة على مدار سنوات من خسائر بشرية كبيرة في الجيش الصهيوني وضباطه وجنوده وعملائه،حيث إنّ هذه الخسائر فاقت حجم مجموع ما خسره العدو في حروبه المتعددة مع الجيوش العربية. كان درس المقاومة في لبنان مهمّا لكلّ العرب . فبعد سنوات من مراهنات وحيدة على المفاوضات مع العدو، وعلى تطبيع العلاقات معه ، جاء درس المقاومة اللبنانية ليؤكّد أن الحرية تؤخذ ولا تعطى ، وبأنّ الحقّ بغير قوّة تدعمه هو حقّ ضائع , هذه المقاومة التي استندت إلى قوة نهج العطاء والتضحية والبناء التنظيمي السليم، والى قوة التضامن الوطني معها وحولها على المستويين الشعبي والرسمي. أيضاً، استفادت هذه المقاومة من دعم أنصار هذا الحقّ عربياً وإقليمياً ، حينما تضافربعض العرب بالوقوف مع لبنان ومع حقّه بالمقاومة المشروعة،
لقد خرجت أصوات وكتابات لبنانية تطالب بتسريح المقاومة اللبنانية وبعدم جدواها وبأنها تكلف تضحيات كثيرة للبنان وشعبه، وترافقت هذه الحملة آنذاك مع تصريحات أميركية وفرنسية وصهيونية تصف المقاومة بالإرهاب، وتحاول زج التناقض بينها وبين المنطقة العربية وحكوماتها وشعوبها من خلال وصف المقاومة بأنها حالة إرهابية لكن كان الرد العربي آنذاك واضحاً ومهماً ومن مستويات رسمية عالية جاءت إلى لبنان تؤكد دعمه وحقه بالمقاومة، بل إنّ بعضاً منها اجتمع مع مسؤولين بالمقاومة كان شرفاً عظيماً للبنان ولمقاومته الوطنية المؤمنة بأن يحصل هذا الانسحاب الصهيوني بدون اتفاق أو مفاوضات تحفظ ماء وجه المحتل حينما ينسحب، كما حدث على جبهات عربية أخرى، إنها الهزيمة الكاملة التي لم يرد العدو إطلاقا أن تحدث لها بهذا الشكل. العدو الصهيوني راهن على أن انسحابها المفاجئ والسريع سيكون حالة مشابهة لما حدث بعد انسحابها من الجبل اللبناني عام 1983، حيث استتبع الانسحاب معارك عسكرية واسعة بين الأطراف اللبنانية المسلحة هناك، وبطابع طائفي دفع لبنان ثمناً غالياً له، لكن كل هذه المراهنات سقطت. وقد أضاف الأداء السليم للمقاومة في التعامل مع لحظة الانسحاب الصهيوني السريع والمفاجئ إلى ما حققته المقاومة من رصيد مهم جدا على مدار السنوات الأخيرة، حيث حرصت هذه المقاومة على الاستفادة من سلبيات تجارب أخرى حصلت في لبنان والمنطقة والعالم. فقد حرصت المقاومة اللبنانية على حصر عملياتها في الأرض اللبنانية المحتلة ولم تذهب في عملياتها إلى عواصم العالم ومؤسساته المدنية، بل حتى لم تستبح قتل المدنيين في الشريط الحدودي رغم تعاونهم مع العدو. كذلك حرصت المقاومة اللبنانية على التأكيد أن الانتصار هو لكل اللبنانيين ولكل المناطق ولكل الطوائف، وبأنها لن تكون مرجعية أمنية بديلة عن الدولة اللبنانية. إن الهزيمة العسكرية الصهيونية في لبنان لا تعني هزيمة كاملة للمشروع الصهيوني فيه، العدو لم يتراجع عن مشروعها الهادف إلى تقسيم لبنان وتشجيع الصراعات المحلية المسلحة فيه، إن سلاح المقاومة لم يحرر لبنان فقط من الاحتلال الصهيوني، بل كان له الفضل فيما يشير البعض إليه الآن من أهمية السيادة اللبنانية على كل الأراضي اللبنانية , ولا أعلم ما هي الحكمة اللبنانية من تصعيد التوتر السياسي حول موضوع سلاح المقاومة، إن هذا المطلب الأميركي-الصهيوني فمن هو الطرف الذي سيقوم بنزع هذا السلاح ،
صحيح أن المقاومة التي شارك في انطلاقتها في سنواتها الأولى العديد من الأحزاب الوطنية والتقدمية، قد اقتصر تنظيمها المقاتل في السنوات الأخيرة على “حزب الله” بشعاراته الإسلامية، إلا أن الصحيح أيضا أن التوجه الى مقاومة العدو الصهيوني لم يكن موضع إجماع لبناني في أي يوم، كائنا من كان حامل راياته, فالمقاومة مثلت خرقاً للمعادلات والمقولات والمفاهيم السائدة، على المستوى العربي عموما، وفي لبنان خصوصا، بعد مسلسل الهزائم التي مُني بها العرب في مواجهات العدو الصهيوني مع جيوشهم, وهكذا يتبدى كأن هذه المقاومة قد طوت صفحة العجز عن المواجهة، والهرب منها الى الصلح المنفرد واتفاقات الإذعان , وكان طبيعيا بالتالي أن تعمد القوى التقليدية الى الالتفاف على المقاومة، وإغداق شهادات التقدير والتبريك على إنجازها، تمهيداً لأن تقرع لها جرس الانصراف باعتبارها قد أدت ما عليها. عافاها الله، فلتذهب الى التقاعد، تاركة الحكم لأهل الحكم,فإذا لم ينفع مثل هذا التوجه، إذا فلتشرك في الحكم بموقع محدود التأثير يعطلها ولا تعطله، فتستهلك رصيدها بسرعة قياسية، لأن الحكم خصوصا في لبنان عاقر،
مع ذلك لم تسقط المقاومة، التي حظيت بقائد استثنائي في صلابته كما في كفاءته ، في الفخ الطائفي، ولم تستدرج الى الفتنة، بل إنها قاتلت كل المحاولات المشبوهة، سواء أجادت من الداخل أم من الخارج، بمنتهى الضراوة حتى أسقطتها، بكشفها وفضح أهدافها الخبيثة. كذلك فإن هذه المقاومة، بقائدها العظيم الكفاءة، السيد حسن نصر الله، قد جاهدت لحماية الأمن، وناضلت لتوطيد الهدوء النفسي وتبديد المخاوف، لأنها تعرف أن الاستقرار إنجاز وطني، وأنه شرط حياة للبنان جميعا، وشرط استمرار دورها مشرقا بغير تشويه أو تخريب., إن المقاومة، وإن كانت الظروف قد حصرتها في بىئة بعينها، تدرك أن رصيدها متصل بأنها كانت للوطن، وبأن تبقى للوطن، وأنها قد حققت إنجازها العظيم بالوطن لا من خارجه, ولهذا سيبقى عيد التحرير، حتى لو حوصر بالقرارات البيروقراطية الداخلية على تحرير الأراضي اللبنانية المحتلة، لا زالت المقاومة تكافح وتجاهد لتحرير ما تبقى من ارض محتلة.وغريب المفارقات أن يأتي هذا العيد مترافقا مع مواقف ومطالب يحتار المرء ما يقول فيها سيما وأنها تعبِّر عن أحقاد دفينة من الصعب تجاوزها أو عدم التعليق عليها،وأغلب ما فيها قد تعدى في أحيان كثيرة الأدبيات السياسية المتعارف عليها ووصلت إلى حد التنكر لمنجزات كانت في السابق القريب مجالا للإطراء والمديح. يأتي العيد هذه السنة وثمة من يقول أن لا إجماعا وطنيا على عمل المقاومة وثمة من يتجرأ بالافتراء والقول أن المقاومة باتت طرفا في التوازنات السياسية الداخلية،لقد نسيَّ أو تجاحل هذا البعض أنه لم يكن في يوم من الأيام إجماعا لبنانيا على عمل المقاومة ضد العدو،وان ظروفا أجبرت الآخرين للظهور بمظهر التأييد والموافقة على أسلوب العمل والتحرير،وعندما تغيرت الظروف وانقلبت الموازين الإقليمية والدولية سارع الكثيرون لكشف حقيقة مواقفهم وباتوا في المقلب الآخر الذي لا يشرف المقاومة بأنهم كانوا يوما يدعونَّ بأنهم يقفون إلى جانبها. إضافة إلى ذلك إن استعراض تاريخ أعمال المقاومة ليس في لبنان وإنما في جميع دول العالم،يثبت أن ثمة أناس كانوا مع مقاومة الاحتلال لبلدهم وانتصروا في النهاية،كما كان ثمة فئة ضد المقاومة بل بعضهم تعامل مع الاحتلال وفي النهاية لم يجلبوا لأنفسهم سوى الذل والهوان. – يأتي العيد هذه السنة وثمة أطرافا لا زالت تبحث في الحوار عن آلية لنزع سلاح المقاومة وهي تبدو مستعدة لمقايضة الكثير الكثير من الملفات بهذا الموضوع، فيما طرف المقاومة يبحث عن وسيلة لحماية لبنان وتحرير ما تبقى من أرضه.
الإصرار على تحرير ما تبقى من ارض محتلة، فالمقاومة وجدت للتحرير لا لأي شيء آخر، ومهما اشتدت عليها الضغوط الخارجية والداخلية فلن يثنيها عن هدفها أمرا ما ،فقد جربت بعض القوى الدولية في السابق الكثير من المحاولات ولم تتمكن من تحقيق شيء يذكر،بل كانت المقاومة تشتد عودا وقوة في كل مرة كانت الضغوط تمارس عليها،ذلك بفضل من اقتنع حقيقة بصوابية مسارها وعملها ومصداقية توجهاتها وتعاملها الداخلي والخارجي. – إصرار المقاومة الابتعاد عن الحساسيات الداخلية رغم محاولة البعض إقحامها فيه، والتفرغ لهدف وحيد هو التوجه لمواجهة العدو وحماية لبنان .
بقلم الكاتب جمال ايوب