محاور الاهتمام الملكي بالقطاع الزراعي
وكالة الناس – د. كميل موسى فرام
وترجمة لما ذكرت سابقاً، فقد لوحظ في الآونة الأخيرة الإهتمام والحرص الملكي بضرورة التركيز على القطاع الزراعي ومدخلاته بهدف إيجاد الحلول المستدامة لتوفير مظلة واقية للأمن الغذائي، ويمكننا استخلاص هذا الاهتمام بمراجعة للمرافق التي استهدفها بزياراته الميدانية، وتوجيهاته للحكومة والقائمين على المركز الوطني للأزمات والأمن، ومحورها وفحواها، التركيز على ضرورة استدامة المخزون الاستراتيجي الغذائي في المملكة، وتوفير جميع السلع الغذائية للمواطنين، فزياراته الميدانية للصوامع وأماكن تخزين الحبوب واستماعه من المعنيين عن آليات تطوير الصوامع والمستودعات وزيادة طاقاتها الاستيعابية، بما يضمن زيادة فترة الأمان للمخزون الاستراتيجي من مادتي القمح والشعير، قد شكل رسالة اطمئنان وحرص ووفاء من القائد الذي نحب ونفتدي، وقد كنا بأمس الحاجة اليها في ظروفنا الصعبة.
الزيارات الميدانية التفقدية للمزارع المختلفة مثل مشروعي الانتاج التابعين للمؤسسة الاقتصادية والاجتماعية للمتقاعدين العسكريين والمحاربين القدامى في منطقة الأغوار الشمالية، مشروع مزرعة الباقورة للنخيل، مشروع مزرعة «تربية الأسماك والنحل وزراعة الحمضيات»، المقامة على مساحة 106 دونمات محاذية لنهر الأردن، في منطقة المنشية، مقرونة بدعم وتوجيه ملكي لتطوير مزرعة تربية الأسماك، وتزويدها بأحدث التقنيات والأساليب المستخدمة، والتي تنفذها وتشرف عليها مؤسسة المتقاعدين العسكريين، لتوفير المزيد من فرص العمل للمتقاعدين العسكريين، وتحقيق الإيرادات للمؤسسة وتلبية حاجة السوق، ثم دعمه لمشروع تربية النحل وإنتاج العسل، بما ينعكس على الوضع الاقتصادي للأفراد والعاملين.
هناك تأكيد ملكي ودعوة صريحة لمراجعة ذاتية لسياساتنا الزراعية، عنوانها وفحواها بأهمية مساعدة المزارعين الأردنيين للتحول من الزراعات التقليدية إلى الزراعات ذات القيمة المضافة العالية، واستهداف الأسواق التصديرية بعد تحقيق التمازج بين جودة المنتج وجمالية التقديم والتغليف، وربما دعوته بإحدى جلسات مجلس السياسات الوطني لإنشاء قاعدة بيانات وطنية،
تتضمن تفاصيل المخزون الاستراتيجي في مختلف القطاعات، بخاصة الصناعية والطبية والزراعية، تعطي أكثر من رسالة، وتبرز أهمية القطاع الزراعي والاكتفاء الذاتي كقطاع حيوي وسيادي مؤثر، وعليه يمكننا الاستشراف بمستقبل يحمل الينا بوادر انفراج حيث أوعز جلالة الملك عبدالله الثاني للحكومة بدراسة إنتاج سلع غذائية محليا، بالتنسيق مع الشركات والمصانع الوطنية، للحفاظ على «مخزون آمن» في كل الظروف وزيادة الإنتاج المحلي، كواحد من صور الترجمة الحقيقية لشعار الأردن أولاً، وصنع في الأردن.
هناك توجيهات ملكية صريحة للحكومة للاستفادة من المحطات الزراعية التابعة لوزارة الزراعة، لتكون حواضن للمشاريع الزراعية المتقدمة، وفي زيارة غير معلنة لواحدة من المحطات في الجنوب، كان التأكيد بأهمية بناء شراكات مع القطاع الخاص للاستفادة من هذه المحطات، وأولى تلك الخطوات تتمثل بضرورة تقييم جميع المحطات الزراعية وإعادة تفعيلها، من حيث الإدارة وآلية نظم الزراعة والري والمزروعات، وهي فرصة كبيرة تساعد بأكثر من إتجاه ضمن ظروف المجتمعات المحلية المحيطة، مذكرا أن جلالته قد شدد على ضرورة استفادة المجتمع المحلي من المحطة من خلال تشغيل أبنائه وتدريبهم على الأساليب الزراعية الحديثة، التي تضاعف من الانتاج بنفس الجهود والتكلفة.
هناك حقائق مثمرة تنعكس على الجهود والنتائج، حيث لم تعد الزراعة الكلاسيكية تؤتي أكلها المرجوة في ضوء تحدي ضعف توفر العمالة الزراعية والاختناقات التسويقية والاغلاقات الحدودية التي قادت إلى خسارة أسواق كانت تستوعب كميات كبيرة من الخضار والفواكه الأردنية، وهنا لا بد من دعم البحث العلمي الزراعي لاجتراح حلول غير تقليدية لهذا القطاع الحيوي، لأذكر بأمانة الحضور الفعال للمركز الوطني للبحوث الزراعية خلال جائحة كورونا، فقد كان واضحا من خلال ما كان يطرحة من أساليب تعقيم الشوارع والمرافق بطرق مبتكرة، إضافة إلى التوعية العامة حول ما يمكن تطبيقه لإنقاذ الإنتاج الزراعي خلال الجائحة.
وربما ذلك يتوافق مع الطرح الملكي السابق بأهمية الاستفادة من هذه المؤسسة الوطنية بإنجازاتها، وقد شاهدنا، دورا مشرفا تمثل بتوعية المركز الوطني للبحوث الزراعية للمزارعين حول تقنيات وزراعات حديثه، فلم أكن أعلم مثلا أننا في الاردن ان اجتهدنا معا حكومة وقطاعا خاصا يمكننا أن نحقق اكتفاء ذاتيا في منتجات كالاسماك النهرية والبطاطا والثوم والبصل، وتتحول الاغوار إلى إنتاج محاصيل ذات جدوى اقتصادية كالمنجا والافوغادو والبابايا والدارغون فروت والباشن فروت وغيرها من المنتجات الاستوائية المدخلة والتي نستوردها بأسعار بالغه الارتفاع، أو حتى لعلها تحل مكان محاصيل غورية تخنق الأسواق وتباع بأقل من تكلفتها باضعاف.
فعودة محمودة للخارطة الزراعية الوطنية، أجدى بكثير من المنافسة والتقليد والاعتماد على المستورد، بعد اهتزاز الثقة الذي رافق المستورد الغذائي وللحديث بقية.