ترامب يسدل ستائر مكتبه
في هذه الايام الصعبة ينطبق على الرئيس الامريكي ترامب قصة الطفلة التي سرقة الـ(بسكوته) من حقيبة زميلتها في المدرسة, وعندما سألتها المعلمة عن ذلك اغمضت الطفلة عيناها باكية,..واليوم وبعد ان سرق ترامب من الشعوب حقهم في الحياة, أسدل ستائر مكتبه ظننا منه ان لن يراه احد, الطفلة وترامب تجاوزوا سلوك النعامة, فخلافاً للاعتقاد الشائع، لا تقوم النعامة بدفن رأسها في الرمال، ويمكن ان يكون هذا الاعتقاد الشائع قد نشأ بسبب أحد السلوكيات الدفاعية لديها، فعندما يقترب الخطر منها، تقوم النعامة بخفض رأسها وجسمها، وتبقي رقبتها الطويلة منحنية على الأرض في محاولة منها لتصبح غير مرئية، ويمتزج ريشها بشكل جيد مع التربة الرملية، فيظهر من مسافة بعيدة كأنها دفنت رؤوسها في الرمال.
يعتقد ترامب مخطئا انه سيخفي وجه سياساته الحمقاء تجاه العالم بإغماض عينيه والبكاء, فإغماض عينيه والبكاء حين اعترفت الولايات المتحدة الامريكية في عهده ان القدس عاصمة لإسرائيل عملية مكشوفة للجميع, وإغماض عينيه والبكاء حين تبنّت الولايات المتحدة الامريكية في عهده خطة تدعو الى ان غور الأردن منطقة استراتيجية ينبغي على إسرائيل ان تسيطر عليها عملية مكشوفة للجميع, ثم ان إغماض عينيه والبكاء حين فرض الجزية على بعض الدول وهم صاغرون عملية مكشوفة للجميع, ثم إغماض عينيه والبكاء حين استخدام لغة (البلطجة) التي هدد بها منظمة الصحة العالمية عملية مكشوفة للجميع, واكثر من ذلك حين أغمض عينيه والبكاء حين حمل الانجيل لإظهار ايمانه ومحبته للأمريكان السود…, بات ذلك عملية مزيّفة ومكشوفة للجميع.
إغماض العينين والبكاء لن يخفي مشهد النهب المخيف في جميع انحاء مقاطعات الولايات المتحدة الامريكية, ولن يخفي وقوف الامريكان امام البيت الابيض مطالبين بتنحي الرئيس, فصرخات جورج فلويد الاخيرة «لا أستطيع التنفس» قبل ان يفارق الحياة بسبع دقائق ما زالت تدوي في آذان الامريكان السود, وربما تمتد الى آذان الامريكان البيض, ويبدو ان القصة ليست قصة (10) دولارات مزوّره اراد جورج فلويد ان يشتري بها علبة سجائر من احد المحال التجارية دون ان يعلم انها مزوّرة, انما القصة تكمن في ان رجال الامن والشرطة الامريكيين عكسوا ثقافة الامريكيين وسياستهم العرجاء تجاه الاخرين, والمتمثلة في السيطرة والسيادة والمنعة والقوة والعنفوان, وإلغاء الاخر عن الوجود.
مقتل جورج فلويد كان الشرارة الاولى لاشتعال الموقف المتأزم اصلا في الولايات المتحدة الامريكية, وما عمليات النهب والتكسير وحرق المحال التجارية والسيارات في الولايات المتحدة الامريكية إلا تحصيل حاصل لما كان يجول في عقول الامريكان السود, فنسب البطالة في صفوف الامريكان السود هي الاعلى, وتفشي نسب انتشار فيروس كورونا في صفوف الامريكان السود هي الاعلى, واتساع نسب الامية في صفوف الامريكان السود هي الاعلى, وامتداد دوائر نسب الفقر في صفوف الامريكان السود في الولايات المتحدة الامريكية هي الاعلى, واكثر من ذلك فان نسب العنوسة وتأخر متوسطات سن الزواج للذكور والاناث واضحة لدى العرق الاسود في المجتمع الامريكي, ناهيك عن عدم الاهتمام بالأحياء السكنية التابعة للأمريكان السود على امتداد الولايات المتحدة الامريكية.
بقاء عمليات النهب والتكسير وحرق المحال التجارية والسيارات في الولايات المتحدة الامريكية امر قد يكون مقبول الى حد ما, لكن الخطورة من تحول ثقافة النهب والتكسير وحرق المحال التجارية والسيارات الى ثقافة استخدام السلاح, كيف لا والشعب الامريكي شعب مُسلّح بكل معنى الكلمة, وان حمل السلاح مسموح به للدفاع عن المال والنفس في الولايات المتحدة الامريكية, فالمجتمع الامريكي مجتمع يتكون من العديد من القوميات العرقية المختلفة, وهذا يعني انه من السهولة بمكان ضبط او عدم ضبط هذه القوميات في نفس الوقت.
يخشى ان تمتد ثقافة (النهب) الامريكية هذه الى منطقة الشرق الاوسط في حالة وجود فوضى مماثلة, بدلا من ثقافة (السرقة) الموروثة المنتشرة في منطقة الشرق الاوسط,..والمفارقة العجيبة الغريبة ان السارق يأخذ الاشياء خفية في حالة الحاجة والعوز, في حين ان الناهب يأخذ الاشياء عيانًا في حالة الغضب والانتقام.
بقي ان نقول: حد السرقة هو قطع اليد بشروط معينة, في حين ان حد النهب هو التعزير بشروط معينة ايضا…والله اعلم.
ونختصر القول: ستائر مكتب ترامب تحتاج الى تغيير..
كتب . الدكتور: رشيد عبّاس