من السابق لأوانه تقييم تجربة التعلم عن بعد
يطالعنا البعض بإطلاق تصريحات بين الفينة والاخرى يشيروا من خلالها بان عملية (التعلم عن بعد) عملية كانت ناجحة بكل المعايير, وهذا للأسف الشديد فيه تعجل واستباق لكثير من الامور في هذه الفترة الزمنية الحالية من العام الدراسي بالذات, والحقيقة التي لا تقبل الشك ان من السابق لأوانه تقييم تجربة التعلم عن بعد في هذه المرحلة, والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو متى ينبغي ان نقوم بعملية تقييم تجربة التعلم عن بعد؟ ثم من هي الجهة التي ينبغي ان تقوم بعملية التقييم؟
عملية تقييم (التعلم عن بعد) ينبغي ان تتم بعد ان يقوم الطلبة بتأدية الاختبارات والامتحانات النهائية واستخراج النتائج النهائية للطلبة وتحليلها إحصائيا,..فتقييم اي استراتيجية تدريس لا يمكن باي شكل من الاشكال اصدار احكام نهائية عليها قبل او اثناء تنفيذ الاستراتيجية, لكن يمكن لنا الحديث في هذه المرحلة عن مؤشرات نجاح كمية او نوعية اثناء مرحلة التعلم عن بعد, شريطة ان لا تكون بلغة اصدار الاحكام النهائية,..حتى اللحظة لم يتقدم طلبة المدارس لأداء الاختبارات والامتحانات النهائية وبالتالي من السابق لأوانه تقييم تجربة التعلم عن بعد.
ثم ان عملية تقييم (التعلم عن بعد) ينبغي ان تتم من خلال جهة تربوية محايدة من خارج جسم وزارة التربية والتعليم,..فتقييم اي استراتيجية تدريس لا يمكن باي شكل من الاشكال ان تكون من داخل الوزارة, كيف لا وعملية التقييم عملية حساسة ودقيقة للغاية تتأثر بانتقال اثر هالة وانطباع المقيم, وبالتالي تنعكس على موثوقية التقييم وقبوله, ولكون (التعلم عن بعد) استراتيجية تم تطبيقها لأول مرة في معظم دول العالم نتيجة لتفشي جائحة كورونا, فان قياسها وتقييمها يحتاج الى جهة متخصصة من خارج جسم وزارة التربية والتعليم كوزارة التعليم العالي او الجامعات الحكومية والخاصة.
كذلك عملية تقييم (التعلم عن بعد) ينبغي ان تتم من خلال بناء اختبارات بفقرات تتلاءم وطبيعة التعلم عن بعد, وهنا يمكن الحديث عن تركيز فقرات الاختبار على المجال المعرفي Cognitive Domain, والتخفيف من فقرات الاختبار ذات المجال النفسحركي Psychomotor Domain, واستبعاد ما امكن فقرات الاختبار المتعلقة بالمجال الوجداني Affectiv Domain, وتجدر الاشارة هنا ان المجال المعرفي Cognitive Domain يهتم بغرس مهارات تعلم المعرفة والتفكير بمستوياته الدنيا عند الطلبة, كأن يذكر الطالب ويعلل ويفسر ويصنف ويربط ويقارن ويرسم ويمثل بيانياً ويقارن..الى غير ذلك من مستويات عقلية بسيطة وفق ما جاء في مستويات هرم العالم الامريكي «بلوم» 1945م.
وهنا علينا ان نتوقف طويلا من/في تصريحات معالي وزير التربية والتعليم حين صرح قائلا: (أسئلة التوجيهي ستراعي الفروقات بين الطلبة, وستعتمد على الفهم والتطبيق حيث أكد وزير التربية والتعليم الدكتور تيسير النعيمي، أن أسئلة امتحان الثانوية العامة ”التوجيهي” ستكون متعددة الأنماط وستحتوي على الأسئلة الموضوعية ذات الاختيار المتعدد والإجابات القصيرة والأسئلة المطابقة والصح والخطأ, مضيفا أن الأسئلة الموضوعية بمختلف أشكالها هي الأفضل بمراعاة كافة الفروقات الفردية بين الطلبة إن أحكم صياغتها وبناءها، مشيراً إلى أن الأوزان التي تم نشرها كشفت وزن الوحدات الدراسية، وبيّن أن 40% من أسئلة الامتحانات ستعتمد على المعرفة وذاكرة الطالب, و40% ستكون من خلال مستوى الفهم والتطبيق, و20% بمستوى مهارات عليا تتضمن التحليل).
وبكل صراحة فإنني اتحفظ هنا على 20% من فقرات الاختبار والتي ستكون بمستوى مهارات عليا تتضمن التحليل كما جاءت بصريح معالي الوزير! معتقدا ان فقرات التحليل لا تنسجم واستراتيجية (التعلم عن بعد) في الوقت الحالي, وفي الوقت الذي فيه لا يتوفر معها بنك اسئلة, ذلك البنك الذي ما زالت وزارة التربية والتعليم تطمح لتأسيسه, مع ان الوزارة يفترض ان تكون قد استكملت انشاءه من فترة طويلة, ولا اعرف ما هي اسباب تأخر انشاء مثل هذا البنك, والذي يعالج كل ما هو مستجد من ازمات تربوية.
بقي ان نقول: (التعلم عن بعد) والذي اضطررننا له نتيجة لجائحة كورونا يحتاج الى آليات تقييم جديدة تختلف عما كنا عليه في السابق, هذه الآلية ينبغي تنحصر في المجال المعرفي Cognitive Domain فقط كمستوى اول من مستويات «بلوم» الثلاثة عند بناء جدول المواصفات للاختبارات المدرسية في حالات الطوارئ..
كتب . الدكتور: رشيد عبّاس