لم يبقى في (الجُرْن) حمص..
اجمل مثل عربي ينطبق على حال منظمة الصحة العالمية في ازمة كورونا هو المثل القائل: (خرج من المولد بلا حمص), وجمال هذا المثل يكمن في انه يحمل وجهين في آن واحد, كيف لا والأمثال العربية هي من أذكى أمثال الشعوب على وجه الارض, فهي تغطي جميع أوجه الحياة للإنسان, وتنفرد عن غيرها من الأمثال في مطلعها وقفلتها, ..عند تشخيص دور منظمة الصحة العالمية في هذه الجائحة, تجد للأسف الشديد انها خرجت من هذا المولد بلا حمص, وبات دورها فقط رصد عدد المصابين وعدد المتوفين وعدد المتعافين, وعندما وصل الأمر الى اخذ مستحقاتها المالية لها قال الرئيس الامريكي ترامب: نأسف انتهى الحمص.
منظمة الصحة العالمية خرجت من هذا المولد (الأزمة) بلا حمص, فالقضية تحولت من مولد وأزمة صحية الى مولد وأزمة سياسية, وتزاحمت اشارات الاستفهام حول هذا المولد, وأعد البعض دفوف وترانيم المولد قبل الموعد, فالعالم كل العالم بات يرقص في هذا المولد,..فريق أول عزف مع بدء المولد, وفريق ثاني عزف في وسط المولد, وفريق ثالث عزف مع اخر لحظة في المولد, نعم لم يبقى وترا إلا واهتز في هذا المولد, ولم يبقى طبلا إلا وصاح في هذا المولد, ولم تبقى نغمة إلا ناحت في هذا المولد, حتى أسنان المشط الواحد دبكت على رأس المتآمر في هذا المولد(الأزمة).
العالم في أزمة كورونا للأسف الشديد اخذ يتسابق بشكل جنوني بـ من هو الذي سيكتشف لقاح فعّال لهذا الفيروس, متغاضين عن الاهم والمتعلق بـ(الوقاية) من هذا الفيروس من خلال الالتزام بالإرشادات الصادرة عن كل دولة, وهذا يؤكد ان هناك أزمة كبيرة بين بعض الدول وعلى رأسها امريكا من جهة وبين الصين ومنظمة الصحة العالمية من جهة اخرى, فالصراع بات بـ من سيكتشف اللّقاح وكيف سيدير المشهد, الامر الذي جعل كثير من دول العالم تتراخى في الالتزام بالإرشادات الصادرة وتجعلها في حالة انتظار طويل للحصول على اللّقاح لحظة التوصل اليه, والذي انعكس سلبا على ازدياد عدد المصابين والمتوفين في دول العالم وبالذات امريكا.
القضية, قضية جائحة كورونا تحولت من أزمة صحية, الى ازمة سياسية, ويعلم الجميع ان اية قضية (تُسيّس) اي تصبح بين يدي الساسة لا يتوقع لها ان تُحل دون مكاسب سياسية او صفقات مالية قد نعرف أولها, ولكن لا احد يستطيع ان يتنبأ بآخرها, والمؤسف ان منظمة الصحة العالمية بقصد او دون قصد ساعدت بطريقة او بأخرى على ان يصبح اكتشاف لقاح جائحة كورونا مسألة سياسية تتحكم بها الدول الكبرى, وان ذلك بات على حساب تدمير وهدم اقتصاد العالم وعلى حساب عدد الاصابات وعدد الوفيات المتزايد, فكل لحظة تأخير تمر على عدم اكتشاف لقاح لجائحة كورونا سيكلف هذا التأخير العالم وبالذات العالم الثالث الكثير الكثير, كيف لا واقتصاد العالم الثالث بات يحتضر في غرفة العناية المركزة.
الاخطر من كل هذا وذاك, ان كثير من السياسات العالمية التي كانت عالقة قبل ازمة كورونا, سيتم تمريرها بهدوء في فترة التهويل والترويع من فيروس كورونا والمخطط لها لتركيع البسطاء من البشر, ثم هناك سياسة تقليم أظافر المتشددين من اليهود والمسيحيين والاسلاميين المطالبين بتطبيق الدين في الحياة, ..تقليم الأظافر من خلال هذه الجائحة التي أخذت شوطا كبيرا في التهويل والترويع غير المبرر, ذلك من خلال نشر ثقافة وفكرة (الزم بيتك) وإلا.. والتكنولوجيا كفيلة بتأمين كل ما يلزمك, والغريب العجيب انه يتم قوّلبت الفتاوى من التوراة والانجيل والقرآن بطريقة سريعة وجهنمية!
اليوم وفي العالم اجمع.. وفي (زمن كورونا), باتت جميع اسباب حياتنا تحتاج الى فتوى, فاستنشاق الهواء في أزمة كورونا يحتاج الى فتوى, ونوع الغذاء الذي يجب ان يتناوله العالم في أزمة كورونا يحتاج الى فتوى, ونظام التعلم والتعليم في أزمة كورونا يحتاج الى فتوى, ومعاشرة الازواج في أزمة كورونا يحتاج الى فتوى, وتقبيل الاطفال في العيد في أزمة كورونا يحتاج الى فتوى, وعقود الزواج والفحص الطبي قبل الزواج في أزمة كورونا يحتاج الى فتوى, والحديث من وراء الكمامة في أزمة كورونا يحتاج الى فتوى, حتى مدح او ذم ولاة الأمر في أزمة كورونا يحتاج الى فتوى, واكثر من ذلك ..الفتوى في أزمة كورونا تحتاج الى فتوى حتى تصبح فتوى.
(خفافيش) وطاويط العالم منتشرة, هؤلاء يحاولوا اليوم قبل الغد تحويل قضية جائحة كورونا من أزمة صحية الى أزمة سياسية, من اجل تغيير اتجاه بوصلة العالم بالاتجاه الذي يرونه مناسبا بالنسبة لاتجاهاتهم السياسية ومعتقداتهم الفكرية, بغض النظر عن الهدم الاقتصادي والصحي والاجتماعي الذي يصاحب ذلك, اعتقادا وظنا منهم ان الحرب الفيروسية اكثر جدوى من الحرب الالكترونية في تغيير الواقع الذي يطمحوا اليه, فالدولة التي يجب ان تقود العالم في قادم الايام من وجهة نظرهم ينبغي ان تحمل فكر له مواصفات معينة, ..فالقالب الامريكي والقالب الروسي لم يعد مجديا للنظام العالمي الجديد.
نعم, منظمة الصحة العالمية في أزمة كورونا خرجت من المولد بلا حمص, والمولد (الأزمة) في حد ذاتها ليس في طبيعة اللّقاح كقضية صحية, انما في توظيف اللّقاح كقضية سياسية قادمة لا محال, ..ويبدو ان (جُرْن) امريكا وروسيا قد نفذ.
باختصار شديد, لم يبقى في (الجُرْن) حمص.
معنى (الجُرْن) تجدونه في قاموس لسان العرب..
كتب . الدكتور: رشيد عبّاس