"يا اهنيـالك يا أطــرم"
(( بســم الله الرحمــن الرحيـــم ))
“يا اهنيـالك يا أطــرم”
بقلم: الأستاذ عبد الكريم فضلو العزام
اهنيالك: تعني هنيئـاً لك.
الأطـرم: الشخص الأصـم الذي لا يسمع.
بعد أن تم نشـر تقريـر تقييـم لجنة التخاصِّية في الأردن والذي استغـرق العمـل به عاماً كاملاً، جاء دور المُعلِّقيـن عليه والمُفَسِّـرين لفُصُـولِه والذيـن يتَحـذلقـون بالكلام مُصَدِّقيـن أنفسهـم أنهـم يستطيعون بحذلقتهم أن يخدعوا الشعب الأردني وبخاصة بعد أن امتدحهم المتملقون بأنهم يتقنون فن الحديث وقوّة الحجة، وهم يدركون جميعهم المتحدث والمتملق أن الشعب الأردني مثقف وواعٍ ومطّلع لا تنطلي عليه المبرّرات السطحية والحجج الواهية التي لا تقنع أحداً.
عُذراَ إذا كتبـت وأنا لم أطّلـع على التقريـر، لكننـي كتبـت مُعتمداً على ما عرفتُـه ويعرفُـه كُـل الشعب الأردني عن التّخاصية في الأردن وما أوصلت الوطن والدولة إليـه.
فقد سمعـت من المُعلّقيـن أن التقريـر أظهـر بعض الإيجابيات للتَّخاصِّيـة، هذه الإيجابيـات التي لم يتحَـدث عنها أحـد، لا مسؤول ولا مواطِـن منـذ أن اعتُمِـدت التخاصِّية حتى اليـوم، إلى أن جاء التّقـريـر ومُعِدّوه ليبحثوا عن إيجابيات من خلال أجهزة متطوِّرة تَستخـرج الإيجابيات التي لا يراها الناس ولا يُـدركها إلَّا النُّخبة وخاصّة الخاصّة وهم مُعدُّوا التقريـر.
إلى جانب حديث المُعلِّقين عن الإيجابيات تحدَّثوا عن السلبيات والتي برَّروها بما يلي:
1- أن كُـل عمـل له إيجابيات وسلبيـات.
2- أن كُل من يتبنَّى منهجاً سَواء أكان اقتصادياً أو غيره لا بدَّ
أن يُخطيء ويُصيب، ونحن هنا نتعلَّم من الخطأ.
3- أن كُـل عمـل يجب أن يتمتَّع بالشفافية وإطلاع المواطنين عليه مُستقبلاً.
وهنا أستميح المُتحدِّثين والمُعلِّقيـن والمُتملِّقيـن عُـذراً أن يقرأوا ما يلي:
أ- هل الأردن هو أوّل من أوجد الخصخصة وتبناها حتى يتأرجح بين الخطأ والصواب أم أنه من آخر الدول التي تبنتها وكان يمكن تلافي أخطاء الغير ( العاقل من اتعظ بغيره، …….).
ب- يُوصي التقرير وعسكره بتبني الشفافية، ونسـوا أن الشفافية والنزاهـة هي شعار مُقـدس طَرَحه المغفور له جلالة الملك الباني الحسين بن طلال المعظـم قبل أكثر من أربعة عقود، لكنهم وضعوا هذا الشعار في مخبأ حتى خصخصوا وخربـوا، فتذكـروه وعادوا يطالبـون باعتماده بعد أن طارت الطيـور بأرزاقها.
ج- وهنا أريد أن أزيـد المعنييـن من الشعـر بيتاً ليعلمـوا أن لكل بلد خصوصية. فالخصخصة في الأردن هي مختلفة عنها في أمريكا أو الغرب.
في الأردن عندما نخصخص نعتمد المثل القائل ( طباخ السم بلحس إصبعه).
بعد كل ما سبق وأنا وأنتم بانتظار نتائج التقرير وما سيلقى من صدى عند المروّجين فإنني أريد أن أذكر معدي التقرير بالسلبيات التالية على الخصخصة علّهم أن يُـقدموا لنا إيجابياتهم التي صنعوها.
1- بعنا تراب الأرض (الفوسفات) وأرهناها بتراب المصاري، ستقولون أنها كانت تخسـر، وأنا أقول: إذا كانت تخسر فلسوء الإدارة والهيمنة الفاشلة، ولكنها مع خسارتها كانت توظف الآلاف من المواطنين وتطعم عشرات الآلاف ومع ذلك كان مردودها على الأردن أفضل من الآن.
2- البوتاس: حالها حال الفوسفات، كانت تربح القليل لسوء إدارتها واليـوم تربح مئات الملايين التي تصب في خزائن الأجنبي ونحن نتفرّج.
3- الاتصالات، المطار، الميناء، كلها كانت تعود على خزينة الدولة بمئات الملايين، واليوم نستجدي (نشحد) من مشتريها بضعة ملايين لا تساوي شيئاً إذا ما قيست بمئات الملايين التي يأخذها المستثمرون إلى خارج الأردن. وخزينتنا خاوية بفعل أيدينا.
4- لقد كانت الشركات والمرافق التي تمت خصخصتها هي ملاذ الأردنيين للبحث عن وظيفة وكانت أكبر مصدر لرزقهم تتحمّل الضغوط والواسطات والتعيينات الزّائدة ومع كل هذا كانت تعطينا مردوداً أكثر ممّا نأخذه منها اليوم إضافة للآلاف الذين كانوا يعتاشون عليها. لقد كان ينقصها فقط إداري ناجح يأتي إليها عن غير طريق المحسوبيّة والواسطة.
5- لا أطلب المعذرة من المدافعين عن الخصخصة ولكنني أرى أن من الواجب عليّ أن أفضح خصخصتهم وبخاصّة من كان ينظِّـر لها ويسوِّقها وأكبر دليل على ذلك المثال التالي، الذي أرجو من القاريء أن يحدّق به كثيراً:
” لقد وصل الحد بالشخص الذي أدخل الخصخصة إلى بيتنا ووطننا أنه فكَّر وأعلن في الصحف وبملء الفم أنه يُريد أن يبيع (300) ثلاثماية دنم من أراضي حوض الديسي وهنا أسأل أن من يريد أن يضع للأجنبي موطيء قدم في الديسي، هل هذا يغار على الأردن وشعب الأردن؟، أليس هذا يشبه الرجل الذي ورد ذكره في مسرحية شكسبير “تاجر البندقية” عندما وضع شرطاً أن يقتطع رطلاً من لحم المَدِيْن عندما لا يستطيع سداد دينه؟ ألا ترون أن المنظر للخصخصة كان يريد أن يبيع قلب الأردن أو رئته للأجنبي ليقتطعها في الوقت الذي يراه مناسباً. هل كان ثمن (300) ثلاثماية دنم ستغطي عجز الموازنة وتُسدد ديون الأردن وتسُـد رمـق الأردنيين؟ أم أنها كانت حبل المشنقة الذي سيلتف على عنق كل أردني؟.
6- قال المعلقون أن الخصخصة جمعت لنا 1.7 مليار دينار ذهبَ منها 1.5 مليار دينار سداد فوائد للدين، و 150 مليون لكذا و 50 مليون لكذا، وهنا أسأل هل كان العالم سيسوقنا للسجن أو الموت إذا لم ندفع هذه المطاليب مما أجبرنا على الخصخصة وبيع مُقدَّرات الوطن؟، أعتقد أن ذلك لم يكن ولم نكن بحاجة للبيع لأننا لو كنا وقتها مضطرين للبيع وديوننا في حينه لا تتجاوز (6) ستة مليارات لكان من باب أولى أن نكون الآن مضطرين لبيع بيوتنا وديوننا حالياً تتجاوز (20) عشرين مليار دينار.
وفي الختام أتمنى على الغيارى من الأردنيين أن يُطلعوا الشعب على الحقيقة وأن يقودوا من قصّروا بحق الوطن إلى الإعتراف بذنبهم ومحاسبتهم على بيع مُقدرات الوطن وأن لا يتركوا لهم مجالاً لإعطاء مبرّرات واهية ومغالطات يعتقدون أنهم بها يُخفون وجه الحقيقة.
إنني أعتقد جازماً أنه رغم عمق الجرح ونزفه يمكن علاجه من خلال أطباء مميزين، أعني إداريين مشهود لهم بالاستقامة والنزاهة يكنسون الفساد والمفسدين ويتحدثون للناس كلاماً واضحاً لا يقبل التأويل، أناس يُقدِّسون الوطن، أرضاً وسماءً، ويؤمنون بأن خدمة شعبه عبادة، وصدقهم القول للقيادة والولاء الصادق الحقيقي لها هي ضمانات حفظ الدولة والرضا، وإلّا سيظل أغلـب الناس يتمنّـون لو كانوا لا يـرون ولا يسمعـون.
الكاتـب: الأستاذ عبدالكريم فضلـو العـزام