0020
moasem
002
003
004
005
006
007
008
previous arrow
next arrow

الإعلام المصري مؤشرا خطيرا وله دلالاته السياسية

  كان الشعب الفلسطيني من أكثر الشعوب العربية سعادة عندما إندلع الحراك الشعبي العربي بداية عام 2011 ، وقد إكتوى الفلسطينيون بتآمر أنظمة عربية عليهم وتجاهل أخرى لقضيتهم ، كانت المراهنة أن أية ثورة أو تغيير في الأنظمة سيؤدي لإستلام الجماهير أو نخب تعبر عن الإرادة الشعبية مقاليد الأمور ، والجماهير العربية بطبيعتها مع الشعب الفلسطيني ، وقضيته العادلة بغض النظر عن الخلافات الفلسطينية الداخلية ، وتاريخيا لم تكن الشعوب تلتفت للوضع الفلسطيني الداخلي ، بقدر ما يعنيها الوقوف إلى جانب الفلسطينيين أمام العدوان الصهيوني وما يمثله العدو الصهيوني من خطر وجودي ليس فقط على الفلسطينيين بل وعلى الشعوب العربية.
كان الحس الشعبي عند الجماهير العربية يدرك أن الفلسطينيين في مواجهتهم للعدو إنما يدافعون عن أنفسهم وعن الأمة العربية ، وخصوصا دول الجوار ولو إستسلم الفلسطينيون باكرا للعدو لإنتقل العدو الصهيوني في مشروعها التوسعي إلى الدول العربية المجاورة ، أيضا كانت الجماهير العربية تدرك أن جزءا كبيرا من الخلافات الفلسطينية الداخلية يتحمل المسؤولية عنها الأنظمة العربية التي تريد أن توظف القضية الفلسطينية لخدمة أجندتها الخاصة من جانب ولتوصيل رسالة لشعوبها أن الفلسطينيين متفرقين ومتناحرين وبالتالي لا نستطيع مساعدتهم ، وقد لعبت أنظمة عربية وفضائياتها دورا في تأجيج الخلافات الفلسطينية الداخلية وتضخيمها ومساندة طرف على حساب طرف آخر وفي النهاية شيطنة كل الأطراف الفلسطينية.
نعم تفاءل الفلسطينيون بالحراك الشعبي بالرغم من حالة القلق التي إنتابتنا نظرا لغياب القضية الفلسطينية عن أجندة الثورات ، وربما وجدنا عذرا لذلك أن هناك أولويات للثوار وهي تغيير النظام القائم وبناء الدولة والمجتمع ثم التفرغ للقضية المركزية للأمة العربية ، حتى القلق الذي إنتابنا عندما تدخل حلف الأطلسي لإسقاط نظام معمر القذافي وعندما أعلن الرئيس الإخواني مرسي إعترافه بالإتفاقات الموقعة مع العدو الصهيوني وأرسل رسالته الشهيرة لشمعون بيرس ، وعندما صدرت تصريحات مقلقة من أكثر من مسؤول في المعارضة السورية ضد الفلسطينيين بل ووصول الأمر لقتل وإماتة الفلسطينيين جوعا في مخيم اليرموك ، كظمنا غيظنا وبحثنا عن مبررات لذلك ، لإدراكنا طبيعة العلاقة التي تحكم الإخوان المسلمين و (جماعات الإسلام السياسي الأمريكي) بواشنطن ومصالحها في المنطقة ، وقلنا إنها مرحلة إنتقالية سيدفع الفلسطينيون الثمن ولكن بعدها ستعود الجماهير العربية وأنظمة ما بعد الثورة لأصالتها العربية الحقيقية وتُعيد ترتيب أولوياتها لتلتفت للقضية الفلسطينية ليس من أجل الدفاع عن عدالتها فقط ولكن دفاعا عن المصالح العربية المُهددة من الكيان الصهيوني .
بعد ثلاث سنوات إنكشف مستور (الربيع العربي) ، إنتهى حكم الإخوان المسلمين في مصر وتم تصنيف جماعة الإخوان كجماعة إرهابية وتبع ذلك قرار حظر حركة حماس في مصر وشن الإعلام المصري حملة شرسة على حركة حماس متهما إياها بالمشاركة في أعمال العنف في مصر بالرغم من أن حركة حماس برأت نفسها من هذه الأعمال دون أن تبرئ نفسها من الإنتماء لجماعة الإخوان أو تعارض مواقفهم بالرغم أنه لم يثبت أي تهمة على حركة حماس بمشاركتها أي أعمال إرهابية في مصر ، ولكن الإعلام المصري بإستثناء قلة منه لم يفصل بين حركة حماس والشعب الفلسطيني ، وعن قصد تمت عملية شيطنة الشعب الفلسطيني عند الجماهير المصرية حتى بات الفلسطينيون في مصر يعيشون حالة رعب ، و تتم معاقبة حوالي مليوني فلسطيني في القطاع بالحصار مع أن الحكومة المصرية يمكنها أن تعاقب حركة وحكومة وسلطة حماس دون الإضرار بالشعب الفلسطيني ، وتفاوتت التفسيرات لذلك التصرف الرسمي من الحكومة المصرية والإعلام المصري ، وذهبت غالبية التفسيرات إنها محاولة مصرية لإنهاء حكم حماس في غزة لأن مصر لن تقبل بوجود نظام يحكمه الإخوان على حدودها وخصوصا مع الهشاشة الأمنية للمنطقة الحدودية في سيناء ، وبعض التفسيرات المتفائلة ذهبت للقول بأن الهدف مساعدة الفلسطينيين وخصوصا الشرعية المتجسدة بالرئيس أبو مازن بإنجاز المصالحة وتوحيد شمل الفلسطينيين من خلال إجبار حركة حماس على قبول تنفيذ إتفاقات المصالحة .
إلا أن ما جرى خلال الشهرين الماضيين أثار كثيرا من التساؤلات حول إن كان هناك تغير في سياسة الحكومة والإعلام المصري تجاه فلسطين والفلسطينيين ، ذلك أن يتم إستقبال أحد ، إستقبالا رسميا ويُسمح له بتوظف الإعلام المصري لمهاجمة رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ورئيس دولة فلسطين ، فإن ذلك مؤشرا خطيرا وله دلالاته السياسية الخطيرة .
بالرغم من عدم رضانا عن بث خطاب الرئيس أبو مازن في المجلس الثوري عبر الفضائيات ، إلا أنه لا يجوز لقناة إعلامية مصرية أن تسمح لأحد أن يهاجم الرئيس أبو مازن أو يرد عليه بأسلوب عدم إحترام وبما يتعارض مع ما يجب أن يكون عليه التعامل مع رئيس دولة ، ولا نعتقد أن القناة تصرفت من تلقاء ذاتها فالكل يعلم أن الإعلام المصري الآن له مرجعية ووجهة واحدة ، ونخشى أن هناك رسالة يريد البعض في النظام الجديد في مصر ومن خلال ماكينته الإعلامية تبليغها للشعب المصري ولدول متعددة .
إلا أن أخطر ما في الرسالة التي تنتج عن طريقة تعاطي الإعلام المصري مع الملف الفلسطيني هي : إن كل الفلسطينيين سواء ، فالتيار الإسلامي الفلسطيني معاد لمصر ولشعبها ، والتيار الوطني منقسم على ذاته وفاسد ومشكوك بوطنيته !. الهدف من هذه الرسالة إعادة تشكيل وعي الجماهير المصرية العاشقة لفلسطين وقضيتها العادلة إتجاه فلسطين والفلسطينيين ، بالرعم أن الفلسطينيين لا يستحقون مساندتهم أو الوقوف لجانبهم ولا داع لأن تعيد مصر النظر بإتفاقية كامب ديفيد إرضاء للفلسطينيين أو تدخل في مواجهة مع العدو الصهيوني من أجل الفلسطينيين ، مع تكرار الحديث الذي يحتاج لمراجعة أن مصر قدمت شهداء دفاعا عن الفلسطينيين وذلك للوقيعة بين الشعبين المصري والفلسطيني.
صحيح أن أوضاعنا السياسية الداخلية صعبة – وهي خلافات سياسية تشهد مثيلا لها وأسوء منها غالبية الدول والمجتمعات مثل الحالة المصرية أو السورية أو الليبية أو اليمنية – ولكن ليس الإعلام المصري أو غيره من يمنح الشرعية لهذا الزعيم الفلسطيني أو ذاك ، وليس الملياردير نجيب سويرس أو غيره من يمنح شهادة حسن سلوك لرئيس فلسطين .
نختلف ونتفق مع الرئيس أبو مازن في قضايا عديدة ، إلا أننا لا نسمح لأحد أن يهين رئيس الشعب الفلسطيني، فإهانة الرئيس إهانة للشعب ، والشعب الفلسطيني يعرف تاريخ وعلاقات كل مسؤول وقائد فلسطيني أكثر مما يعرفهم الإعلام المصري ، وأن أهل مكة أدرى بشعبها.
الكاتب جمال أيوب.