مأسسة التطوع
وكالة الناس – المحامية ربا الطيبة
نحن في بلد إذا مرت عليه أزمة طارئة أيا كان سببها، تعلو فيه الهمم وتنشط فيه ولله الحمد مايعرف بالفزعات، والتي تأخذ شكل ومسمى المبادرة أو غيرها من التسميات والتي تدلل في مضمونها عن عمل اجتماعي تكافلي وتعاوني تكشف مابداخلنا من حب لعمل الخير وتعبر عن جهاز أخلاقي ذا كفاءة عالية يسكن أرواحنا وغير ذلك من صفات الوطنية والنبل.
كل ماسبق نعبر عنه اجتماعيا بكلمة (التطوع ) وليس المفصود هنا “الواجب” بل على العكس لأن التطوع هو نقيض الواجب، فالتطوع أداة أو وسيلة أخلاقية يستخدمها المتطوع لتقديم خدمة ما هو غير ملزم قانونياً أو اجتماعياً بتقديمها، واستثني من ذلك الجمعيات والمنظمات التطوعية والتي تعمل في إطار القانون، وإنما المقصود هنا العمل التطوعي العشوائي بغض النظر عما حققه ويحققه من نتائج إيجابية على أرض الواقع.
نحن في الأردن شهدنا العديد من الأزمات والتي وقع تحت تأثير أضرارها العديد من شرائح المجتمع رجالاً ونساءاً وأطفالاً ،والتي أثمرت عن العديد من المبادرات الخيرة لمتطوعين باندفاعاتهم الذاتية، كان دافعهم هو الحس الإنساني تجاه محيطهم الاجتماعي عامة والمتضررين خاصة، بل حتى كنوع من الخدمات المساندة لخدمات الحكومة في هذه الأزمات، إلا أنه وللأسف وحتى هذه اللحظة لايزال العمل التطوعي عملاً عشوائياً ليس له قانون ينظمه ولا مؤسسة ينضوي تحت إشرافها المتطوعون ولا حتى ميثاق للعمل التطوعي يحدد المعايير التي يجب على المتطوعين الالتزام بها، الأمر الذي قد يخلق إشكاليات عديدة وعلى جميع الأصعدة والتي منها التداخل مع اختصاصات مؤسسات الدولة بل؛ قد يصل الأمر إلى عرقلة عمل هذه المؤسسات والتعدي على صلاحياتها والتي هي الأساس في تقديم الخدمات للمجتمع وقد يؤدي إلى الوقوع في إشكاليات قانونية طالما أن هذا العمل التطوعي لايحكمه قانون، بالإضافة إلى أن هناك أزمات يشكل التطوع في مواجهتها خطراً على حياة المتطوع ذاته أو قد تلحقه مسؤولية قانونية إذا ألحق ضرراً بالمستهدف من خدمته إما لنقص خبرته ولعدم إجادته للدور المطلوب منه أو لاندفاعه في تقديم خدمته حتى وإن كان هذا الاندفاع في ظاهره محمود إلا أنه قد ينقلب وبالاً عليه.
لذلك ولأن العمل التطوعي ينطوي على خاصية أخلاقية وحضارية ويعكس نبل المقاصد فإننا لانريد أن نفقده بل نريد التمسك به والحفاظ على استمراريته والعمل على تطويره وتنظيمه وتعزيز مكانته في المجتمع وإيجاد ثقافة تخصصية للعمل التطوعي والتدريب على الانخراط فيه، بحيث يكون في مقدور المتطوع تقديم الخدمة وهو مدرب على تقديمها دون أن تواجهه أية عقبات أوتحديات تحد من قدرته أو تقلل من رغبته في التطوع ودون أن تلحقه أية مسوؤلية قانونية إذا أخفق في تقديمها، وأن يكون هناك تكامل في الأدوار فيما بين المؤسسات الرسمية والمتطوعين والتي ستلعب دوراً هاماً في الحد من تشتت العمل التطوعي والعمل على توحيده وتصنيفه.
لذلك نحن بحاجة إلى منظومة قانونية كاملة تحقق كل ذلك وتصحح مسار الاستثمار في العنصر البشري وتشكل مرجعيه مهمة عند الحاجة للمتطوعين والتي سوف تعمل على تحسين جودة العمل التطوعي.
حفظ الله الأردن وبارك في جهود كل من يفزع لأجله.