تصفية القضية … والفصائل الفلسطينية تراقب وتستنكر.
.
مرة أخرى يُطرح علينا السؤال بإلحاح شديد لماذا المقاومة و لا نجد أنفسنا محرجين أو مربكين في الإجابة عن هذا السؤال ، إننا الجيل الذي عاش زمن المقاومة وما بعدها ، ولم نقرأ عنها في كتب الأولين والآخرين ، كانت أرضنا فلسطين يعيش فيها من كل العرب ، أخبرنا آباؤنا وأجدادنا حكايات موجعة عن فلسطين التي سقطت تحت سنابك خيل الصهاينة ، وقرقعة اللجم العربية ، والطبول الفارغة للجيوش والأنظمة العربية .
السلوك البشري عبر التاريخ إستخدم الفكرة بأدوات مختلفة في تكريس سياسات ظالمة كالتعامل مع العبيد، أو الطبقات الدنيا من المجتمع ، و في تعامل أجهزة المخابرات مع قوى المعارضة ، كما إستخدمه المستعمرون مع مستعمراتهم ، وكذلك يستخدمه الصهاينة مع الشعب الفلسطيني وفصائله المقاومة ، القوة الطاغية التي يملكها العدو، والإستعداد للإنتقام الشرس من قوى المقاومة ، بتنفيذ سياسات العقاب الجماعي ضد المدنيين ، وسفك الدماء وتدمير المنازل على رؤوس أصحابها ، وإعادة الحياة قروناً إلى الوراء، والحصار والإذلال ، والقضاء على مصادر الرزق ، ومنع حرية الحركة ومنع الخدمات الصحية ، وشن عمليات الإعتقال والتعذيب ، كلها أدوات يستخدمها العدو الصهيوني لمحاولة هزيمة الفلسطيني نفسيا وإشعاره بالعجز ليستسلم للأمر الواقع.
كانت هزيمة حزيران في عام 67 أكبر من أن نتحمل قسوتها وذلها ومهانتها ، لم يقوي جسمنا اللين ولا عقولنا الطرية على رؤية جمال عبد الناصر مكسور الخاطر والجناح ، وهو يعلن إنسحابه من الساحه حاملا على كتفيه مسؤولية الهزيمة ، خرجت إلى الشوارع الجماهير فقالت لا ، وكانت أول لا في وجه اليأس الإحباط والمهانة وقبل ذلك أنشأت المقاومة ومن رحم المعاناة وُلدت المقاومة ، شاهدنا الفدائيين الفلسطينيين , كانت أصداء القذائف على مسامع الناس في ذلك الزمن ، صارت على الحدود الفلسطينية المعارك من كل الجهات من لبنان سوريا الأردن ومصر، شاهدنا الفدائيين الفلسطينيين يحملون السلاح ويقطعون المسافات ويُقلقون عدونا مُقلق راحتنا فرحنا , لم نكن أصحاب الخيار ولا أهل القرار، لكننا سلكنا الطريق الصعب مع الأشقاء المظلومين من الإحتلال الصهيوني و جحيم القهر حملنا البنادق مع من حملوا ، وعبرنا الفيافي في الليالي وسكنّا المغر والخيم ، بدأت الثورة صغيرة وكبرت.
كان يشتد ساعدها كلما إشتدت على أهلها المحن والصعاب ، آمنوا بها شعبنا الفلسطيني والعربي وكل أحرار العالم أعطوها كل ما ملكت أيمانهم ، شباباً وشيباً ومالاً ومعنويات ، حملوا معها الهم وتقاسموا الرغيف ، وتوزعوا الصعاب ، صار الغرام بينهم وبينها ، سهروا الليالي على عملياتها ومآثرها ، تعلقوا بأهدابها تعلق الأطفال بأثداء الأمهات ، طربوا على خطاباتها ، بكوا وأبكوا وهم يستمعون إلى قادتها ، وبعد ذلك كله يدور نقاش عقيم حول ذكر المقاومة .
أصبح المطلوب أن تُترك أرضك وماؤك وسماؤك عرضة للتجارب المفاوضات العبثية ، والتعامل مع العدو كحقيقة لا يمكن تغييرها ، وبالتالي التنازل عن معظم أرض فلسطين التاريخية و تبني فكرة إنقاذ ما يمكن إنقاذه وتحصيل ما يمكن تحصيله ، على إعتبار أن الزمن لا يلعب لصالح الفلسطينيين ، وأن ما يعرض الآن على مائدة التسوية أفضل مما قد يعرض مستقبلا ، الشعور بعدم جدوى المقاومة المسلحة والثورات والإنتفاضات في تحصيل الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وفي تغيير موازين القوى ، وفي إجبار العدو على تقديم تنازلات ، لؤلئك الذين لا يؤمنون بالمقاومة المسلحة ، وينظرون إلى الإنتفاضة المسلحة بإعتبارها عملية عبثية أدت إلى نتائج وخيمة ، وهو يؤمن بالتسوية كخيار إستراتيجي ، وبأن لا بديل عن مسار التسوية إلا مسار التسوية نفسه ، ويقولون إن الوضع العربي لا يسمح والعدو سيدمر كل شيء ،هل هذا منطق شعب محتل مثل شعب فلسطين الذي علم العالم المقاومة ، وإتحدى كل المؤامرات ضدة وهو بحاجة إلى المقاومة أكثر من أي وقت مضى ، و مشروع كيري ويهودية الدولة الصهيونية وتصفية القضية وإعدام حق العودة . إلى كل الفصائل الفلسطينية متى كانت المقاومة بحاجة إلى تصاريح وأذونات رسمية ؟ هل في وقت من الأوقات سمح للمقاومة أن تقوم بدورها ؟؟؟ هل كان في يوم من الأيام السجون العربية والصهيونية خالية من المعتقلين الفلسطينيين ؟؟؟ يقولون إن الظروف لا تسمح ، متى كانت تسمح ؟؟؟ هل يوجد ثورة في التاريخ إعتمت على المفاوضات فقط ، وحققت نصر بدون مقاومة وبدون أن توقع قتلى يوميا من العدو ؟؟؟
وعد بلفور أعطى فلسطين للعدو ، وكيري الوعد النهائي ….. والفصائل الفلسطينية تراقب وتستنكر.
بقلم الكاتب جمال أيوب .