عندما تعدل"Regret" الكرامة !!!
لا نود اجترار الماضي بقدر ما نرى بالماضي عبرا ودروسا ومواقفا علها تكون أحد المعايير التي تنير آفاق ودروب من يصنع القرار. هناك كم هائل من الأحداث والقضايا والمواقف التي دفعت وتدفع بالأردنيين للقول: ” آه لو كان الملك حسين عايش لصنع كذا وكذا ولفعل كذا……”. تلك حقيقة أنقلها بكل صدق وأمانة, وتتردد على الألسن عندما يتطلب الأمر حسما وجدية بالتعاطي مع الحدث. والحقيقة هذه لا تقلل من شأن صاحب الأمر فلكل شيخ طريقة, ولكنه وسيلة للتذكير وللتذكير منفعة وهي للحث والإستنارة وأخذ العبرة ممن صنع الكثير للأردن ولا نشك بأن الحسين طيب الله ثراه ضرب مثالا ناصعا بالحكم وإدارة الأزمات والحكمة والحلم ورجل دولة قل نظيره.
واستذكار ملك حكم الأردن ما يقارب الخمسة عقود لجدير بالإستنارة بمواقفه الحاسمة والتي كانت تلتقي مع الشعب بمنتصف الطريق إن لم تكن معه منذ بدايته. ولا نقصد المقارنة والمفاضلة لكننا نطمح للأفضل والأمثل وما ينسجم مع التوجه العام لكسر ما شاب العقد من قبل المتزلفين والمارقين وانعكس سلبا على طرفي العقد. لذا علينا مواجهة الحقيقة وأن لا نتهرب من الواقع ولا ندفن رؤوسنا بالتراب وإلا فمدرج مقياس الإستقرار آخذ بالإنحدار, وهذا من مؤشرات الأخطار المقبلة على الوطن برمته, أبعدنا الله عنها وجنب الأردن كل مكروه.
الموقف الرسمي من الجريمة الصهيونية ـــ مقتل القاضي زعيتر ــــ كان فاترا جدا ولم يرتق لمستوى دلالاته وأبعاده وتبعاته المستقبلية ولم يقترب من المطلب الشعبي بل تم الإكتفاء بكلمة”Regret” وكأن القتل وقع على “دابة هائمة”. وهذا ما أثار الشارع والنقابات والأحزاب بل جميع أطياف الأردنيين والمقيمين. فالفرصة سانحة للتصعيد والضغط لما لمسه الجميع من موقف الحكومة الرسمي الذي لسان حالها يتفاخر “بالإعتذار” الإسرائيلي وكأنه يود إرسال رسالة تقول: لقد أغلقت القضية وكفى خوضا بهذا الأمر إذ كلمة”Regret” عدلت الكرامة.
ليس من ضعف بعد هذا الضعف, وليس من تهاون بعد هذا التهاون. فالأردني عندما يرى أنه لقمة سائغة للقاصي والداني ولا يعيره النظام السياسي الإعتبار الذي يستحق فإني أرى الناس بدأت تقترب مما اعتبر محظورا وأن القيود بدأت تتكسر والحواجز تتهاوى. وإذا لم يتم تدارك الأمر بموقف يرضى عنه الشعب فلا محالة نحن ماضون باتجاه الفوضى والتوتر.
واستشهاد القاضي زعيتر يأتي لتطول قائمة التراكمات التي تندرج تحت مسمى القضايا التي تجعل من الوضع الداخلي قابل للإشتعال إذا ما استذكرنا مياه المجاري التي ضختها لنا تلك الدولة المارقة أضف إلى ذلك القرارات الخاطئة للحكومات والسياسات العرجاء وبيع المقدرات والضرائب العالية والأسعار المهرولة وما يسمى زورا بتعديل أسعار المحروقات الشهري والبذخ والفساد وعدم محاسبة الفاسدين والوجوه المتناوبة والتوريث والتهميش للرموز الوطنية….والقائمة تطول. كل ذلك خلق احتقانا وحنقا وغبنا لدى المواطن ليجعل منه قنبلة عمياء تستدعي الحيطة والإنتباه حتى لا تقتلنا جميعا شظاياها.
لقد حاول الرسميون تبسيط وتقزيم واختزال الأمر بطريقة تبدو أن الأمر قد أفرغ من محتواه الجوهري. الناطق الرسمي قال أنها “مشاجرة” والرئيس قال أن أمن الدولة في خطر بحال قطع العلاقات متناسين أن الكرامة من أهم روافد الأمن واستتبابه وإذا مُسّت الأولى اختل الثاني. ليس المطلب قطع العلاقات بل تنظيمها وإدارتها مع الحرص التام على مصلحة الأردن وكرامة مواطنيه.
رضي الله عن الفاروق عمر بن الخطاب وهو القائل:” لو دابة عثرت بالعراق لسئلت عنها”. قول يؤسس للعدل حتى مع الحيوانات وتحمل المسؤولية والقلق على الرعية وحمل هم الناس والدواب وكل ذلك قاعدته الإيمان بالله ومخافته. فهل وصلت أهمية الإنسان لأهمية دابة عمر؟! هكذا يكون العدل الذي هو أساس الحكم وبقاؤه. ونستذكر الخليفة العباسي المعتصم بالله عندما جهز جيشا حينما طرق مسمعه أن امرأة تستغيث به “وامعتصماه”. وها نحن نستغيث كل يوم ولا سامع لنا بل نلام لمجرد المطالبة بحق أو الإعتدال بالنهج أو الإشارة لبرمكي فاسد.
كعادتنا وواجبنا نحن مع الوطن ومع كل غيور عليه وضد المستهترين والمفرطين به. أما المتصيدين للفرص ليمارسوا تزلفهم وزرع فتنهم وخلق الفوضى, فهؤلاء كخضراء الدمن يترعرعون بمثل هذا المناخ لكننا نعلم منبتهم ومبتغاهم وهم شياطين على هيئات بشر على النظام التخلص منهم. لقد سبق لجلالة الملك أن أشار لهم ونعتقد أن الوقت قد حان لكنسهم وتطهير المجتمع منهم ليعود الأردن لنقائه ويعود النهج لطهره وما الإنتظار إلا إعطاؤهم فرصة للمناورة.
وفي النهاية, لسنا من المطالبين بشن حرب على إسرائيل, بل المعاملة بالمثل ومعاملة الند للند وأن لا تأخذنا بهم ريبة. والكرامة هي عنوان الأردني وحافزه للموت دونها. ولنتذكر أن لا شيء يعدل الكرامة إلا الكرامة نفسها.
حمى الله الأردن والغيارى على الأردن والله من وراء القصد.
ababneh1958@yahoo.com