المفاضلة بين الخيارات الصعبة
إنقاذ الاقتصاد من عثرته للخروج من نفق الأزمة الحالية اقل كلفة من الوقوع في أزمة ركود ستكون كلفة الخروج منها مكلفة اكثر بكثير مما يمكن انفاقه على مدى الشهور المقبلة، هذه الفلسفة هي التي حكمت استجابة السياسات في العديد من الدول الأوروبية والولايات المتحدة، تلك الدول قبلت الدخول فيما وصفته بالقبول بتجميد الاقتصاد، أي إبقاء الوضع على ما هو عليه. وذهبت الى حد المساهمة في دفع أجور عاملين في القطاع الخاص للإبقاء عليهم في أماكن عملهم. وهذه الحزم كبدت خزينة تلك الدول مبالغ لا قبل لنا بها، او حتى بجزء منها.
خصوصية الوضع الاقتصادي الذي نمر به انه يأتي في جانبي العرض والطلب، وهو امر نادر الحدوث، فما تعطل هو العملية الإنتاجية وسلاسل التزويد، وقابلها تراجع في الطلب وإعادة التركيز وترتيب الأولويات بشكل مختلف عما كانت عليه في بداية العام، فأصبح التركيز على ادامة الأنشطة ومحاولة تجنيبها الخروج من السوق وليس تحفيز النمو كما كان عليه الحال في بداية العام. وهو يعني إعادة ترتيب اولوياتنا.
وبعيدا عن كل التأويلات، الى جانب الإجراءات التي اتخذها البنك المركزي من تأخير للمدفوعات وخفض لأسعار الفائدة، سيكون هناك حتما حاجة محلية الى حزم تحفيزية تتضمن توسعا في الانفاق العام ليس من الواضح من اين سيكون مصدرها، هل هي عبر مساعدات من الخارج ام اقتراض من السوق المحلي ام مزيجا من الاثنين، فأدوات السياسة النقدية لن تكفي وحدها لا سيما وان إيرادات الخزينة تشهد تراجعا كبيرا مع تدني الطلب وتوقف العملية الإنتاجية بشكل شبه كامل.
ضمن هذا السياق يمكن تلخيص الإجراءات التي اتخذت ضمن مزيج دعم نقدي مباشر لضمان وفاء المدينين وأصحاب الذمم المالية الوفاء بتلك الالتزامات او جزء منها، وغير المباشر الذي اضفى مرونة استثنائية على سوق العمل او وفر سيولة إضافية للمصارف للاستمرار بعمليات الإقراض من خلال توسيع مظلة ضمان القروض بما يسهل تدفق السيولة لعروق الاقتصاد.
ويجب التمييز ما بين القطاع الخاص الكبير والمنظم والقادر على الوصول الى سوق الائتمان المحلي من خلال ترتيبات مع البنك المركزي، وبين صغار المستثمرين والمؤسسات الصغيرة والقطاع غير المنظم الذي لا يوجد انتظام في مداخيله الشهرية والذي سيوجه صعوبات جمة في القدرة على الاستمرار وتسيير الأعمال او حتى الحصول على الائتمان.
الازمة ستمتد على أقل تقدير لستة اشهر وفقا للعديد من السيناريوهات، وهذا يعني ان على الحكومة التخطيط للتعاطي مع تداعيات الأزمة على امتداد ما تبقى من العام الحالي وسيحتاج القطاع الصحي الى موارد إضافية واستعدادات لسيناريوهات مختلفة تتطلب إعادة تخصيص في بنود الموازنة.
في ظل الجهود الاستثنائية لاحتواء الآثار الصحية التي تبذلها الحكومة، علينا البدء بالتفكير بطبيعة الإجراءات التي ستديم النشاط الاقتصادي وتساعد على عدم الخروج من الأسواق، فكلفة ذلك وإن ارتفعت تبقى اقل بكثير من الخروج من السوق والبدء من جديد في مراحل لاحقة. ولعل اطار الاستجابة للأزمة يجب ان ينطلق من معايير الحفاظ الأنشطة وادامتها ضمن الحد الأدنى تجنبا للسيناريوهات الأسوأ. إبراهيم سيف