"الكذب" في إنصاف النساء بالأردن
احتفل الأردن بيوم المرأة مثلما احتفلت كل دول العالم، وتستغل هذه المناسبة للمفاخرة والمباهاة بما تحقق من إنجازات لصالح المرأة في سياق تمكينها والحد من التمييز الممارس ضدها، وفي الأردن نفعل ذات الأمر، فنكتب قصائد المديح بالمرأة الأم والأخت والابنة، وتوأم الرجل في بناء هذا الوطن.
ولكن ماذا بعد أن تنتهي الاحتفالات، وترفع الكاميرات التي تصور الخطب الرنانة التي تتغنى بالمرأة؟.
الحقيقة المرة أننا في الأردن لم نغادر المربع الأول في إنصاف المرأة، فعدا الكوتا النسائية بالبرلمان، وغير اختيار بعض السيدات لشغل حقائب وزارية، وفي الغالب هامشية، ماذا فعلنا لارتقاء المرأة ومساواتها بالرجل؟!.
واقع الأمر أن نضالات الحركة النسائية ومؤسسات المجتمع المدني في الأردن في قضية المرأة لا يمكن الاستهانة به، وهو لم يبدأ منذ عودة الحياة الديمقراطية عام 1989، بل امتداد للعمل السياسي السري للأحزاب اليسارية والتي كان للنساء فيها دور طليعي، وما تزال بعضهن يواصلن مسيرتهن في مجابهة التمييز والاقصاء الممارس على النساء في كل مفاصل حركة المجتمع.
واقع الأمر أيضاً؛ أنه عدا الوعود التي تصرفها الحكومات للمرأة والبهرجة الإعلامية، وتفريخ بعض المؤسسات لدعم قضايا المرأة، فإننا يمكن أن نتلمس أن واقع المرأة قبل 30 عاماً كان أفضل منه الآن، ويكفي أن تنظروا لمشاركتها ودورها في العمل الحزبي سابقاً، وحالها الآن، ويكفي أن تزور الجامعات لتشاهد إقصاء وانزواء الطالبات، وفصلهن في الغالب طوعاً أو قصراً داخل قاعات التدريس بالجامعات عن الطلبة الشباب.
من المهم أن نعترف أن البنية المجتمعية حتى وإن قبلت بتعليم بناتها في الجامعات ليست داعمة ومؤمنة بدور المرأة، وما تزال الصورة النمطية للمرأة هي الزوجة التي تربي الأطفال وتقوم بالأعمال المنزلية، هي السائدة والأساس، ولم يغير للأسف عمل المرأة وانخراطها في المشاركة الاقتصادية من القهر الاجتماعي الذي يمارس ضدها داخل الأسرة وفي المجتمع.
وربما ساعد على بقاء هذه الصورة النمطية وكرسها أن أحزاب الإسلام السياسي التي سيطرت على الشارع وخاصة الجامعات في العقود الثلاثة الماضية تملك نمطاً وإرثاً محافظاً في التفكير والتعامل مع المرأة، وهي في غالب الأحوال كانت المرأة خزان الأصوات لهم في الانتخابات.
ويكشف تقرير البنك الدولي بعنوان “المساواة بين الجنسين في مكان العمل” جانباً من هذه الحقائق، فالأردن تراجع موقعها في مجال المشاركة الاقتصادية للمرأة لتصل إلى الترتيب 128، ويضيف التقرير بأن معدل البطالة بين النساء الأردنيات البالغات وصل إلى 21%، بينما بلغ 11% عند الذكور.
حالة التشاؤم تعمقت بالشارع الأردني أكثر بعد أن وجهت الحكومة صفعة موجعة للنساء بعد تراجعها عن الإقرار بالحقوق الدستورية والمدنية لأبناء الأردنيات، وبدلاً من أن تحترم الحكومة الدستور التي تقسم على الالتزام به والذي ينص على المساواة بين الأردنيين ذكوراً وإناثاً بالحقوق والواجبات، تهربت تحت ضغوط أصحاب الصوت العالي وتهديداتهم، وانصاعت لذرائع واهية، وضربت بالدستور وبمعاناتهن عرض الحائط، وتكرمت الآن بمنحهن امتيازات خدماتية!.
حقوق النساء الأردنيات واضحة كالشمس ولا تحتاج إلى فقهاء دستوريين وحقوقيين، ولكني أتمنى لو تطبق الحكومة المعاملة بالمثل بين النساء والرجال فتمتنع عن منح الجنسية لأبناء الرجال الأردنيين ممن يتزوجون من غير الأردنيات، أريد أن أتصور ماذا سيحدث والضجة التي ستثار؟!.
منطق التمييز لن يستمر طويلاً وسيسقط في نهاية الطريق، فالحقوق لا تتجزأ، والوطن هو المرأة والرجل، وليس الرجل وحده بالتأكيد.
وسطوة المجتمع الذكوري في الأردن وتجيير كل الامتيازات له، لن تدوم أبداً، فالمرأة لم تعد سجينة الأفكار المتخلفة التي تنظر لها بأنها “عار“، بل تحررت، ومكنتها تكنولوجيا الاتصال، الموبايل، الفيسبوك، التويتر، الواتس أب، أن تعرف حتى قبل أن يعرف الرجل، وبالتالي لم يعد ينطلي عليها الكثير من البروبجندا والكذب.