زمن المساحيق
كان شرط المستشار في محكمة الاستئناف الوحيد على العروس وأمها، ان لا تضع العروس المساحيق على وجهها قط، وفعلت العروس ذلك. كان ذلك المستشار هو سعد زغلول وكانت زوجته هي صفية رفيقة دربه، التي بعد ان فقد الأمل وهو على فراش الموت قال لها جملته المشهورة:
– مافيش فايدة يا صفية …غطّيني!
لو عاش سعد زغلول في هذا العصر، وأصر على شرطه، لمات عانسا أعزب لم يجد من تضحي بكريستان ديور ومدام شانيل مقابل عريس بسيط. لا العروس توافق ولا أمها ولا أبيها.
كان سعد زغلول يدرك ان المكياج قناع يخفي العواطف والأشكال الحقيقية، ويحول شريكة العمر إلى مانيكان مطروش بعدة ألوان…. مثل طبيخ الشحاذين.
جاء سعد زغلول في عصر الثورات الكبرى، العصر الذي استمر حتى ستينيات القرن المنصرم. من ثورة احمد عرابي في مصر إلى ثورة المهدي في السودان إلى سلطان باشا الأطرش في سوريا إلى ثورة رشيد عالي الكيلاني في العراق إلى الأمير عبد الكريم الخطابي في مراكش إلى ثورة المليون شهيد في الجزائر إلى عمر المختار في ليبيا إلى 23يوليو إلى … إلى …. إلى. .
كان عصرا بلا مساحيق ولا كريمات، ولا دبلوماسيات ولا أقنعة مؤدلجة … كان عصر الوضوح والبساطة: هناك استعمار، إذا هناك مقاومة …. هناك ثورة لا ترضى سوى بالنصر أو الموت بكرامة.
لا أحد كان يسمي التعاطي مع المحتل واقعية وقبول المستعمر دبلوماسية …. لا أحد كان يتعاطى الماكياج.
لذلك تزوج سعد زغلول وأنجب.
ولذلك نتزوج نحن، ولا ننجب سوى كائنات ممسوخة. مثلنا!!!
أملنا الوحيد في الحياة هو في الثورة على الكريمات والمساحيق
أملنا الوحيد في ثورات الشباب، لأنها ثورة بلا مساحيق!!
يوسف غيشان