"فصول الأمة العربية الأربعة كلها أمريكية وغربية"
بسم الله الرحمن الرحيم
منذ أن خَلَـق الله الكـون ونحـن نَعِيـش كَباقِي سُكّـان الأرض الفصول الأربعة كما أعرفها وتعرفُونَها صيفٌ يملأ البيادر بالغلال وتشبع البُطون من أطايِـب الثَّمـر ثُـم خَـريفٌ تسقط فيه أوراق الشَّجر ويبدأ الفلاحُـون بِزراعة الأرض مُبكِّـراً تحت مُسمَّى ((زراعة العفير)) ثم شتاءٌ ينصبُّ فيه خير السماء فتتلقَّاه الأرض العطشى بالشوق واللَّهفة، هذا اللِّقاء بين الأرضِ والسَّماء يجلب الربيع الذي كان دائماً مُلهم الشُّعراء بِجماله وتبطُر البهائِمُ من وفير غذائه وتتفاءل نفوس البشر بما ستجمعه من غِلاله وثَمرِه في مُقبِل الأيام.
هذه الفُصول كانت جَميعُها تَفِيـض بالخير والعطاء لأنها كانت سُنة من سُنن الكَـون وإحدى أُعطيات الخالِق ونِعَمه، فَكُنًّـا نَظَـل دائماً مُستبشرين لأن كُل أيامِنا كانت أيام خير. أما اليوم فقد أصبحنا نرى فُصولنا قد تَبدَّلت لأن صانِعيها هم من البشر ومن أطلقوا تَسميتها أناسٌ لا يعيشونَها فبعد أن خَططوا لاستمطارهم واختاروا من الأرض والدُول ما شاءوا لشتائِهم وربيعِهم، أسمَوه ((الربيع العربي)) لأنه الربيع الذي لا يَنْبُت إلا في بلادنا ولأن سُقاتـه يُؤثِرون العمل عندنا دون غيرِنا، لأنهم اعتادوا علينا، فقد عَملوا عندنا منذ عقود، ودرَّبوا من النّخب من يُساعدهم على فِلاحتِهم ورِعاية ربيعِهم وقطفِ محاصِيله بأمانة، هؤلاء النُّخب أوفياء لمُدربيهم ولأولياء نِعمتهم، يخفضون لهم جناح الذل من الرحمة.
نعم:
جاء الربيع الذي لا نُريده وأصبح الربيع الذي كان يكسو الأرض خُضرة ونضارة قد تبدل بربيع جديد يكسوها دماً وأشلاءً وبَـدَل إنبات الورود عاد يملأ الأرض شوكاً وصبّاراً، ربيعاً كئيباً يملأ أرضَهُ أيتاماً وثكالى و مُهَجَّرين، جوعاً ومرضاً ومُتطرِّفين لا يعرفون إلا لغة الموت.
هلَّلت الشعوب لهذا الربيع الوهمي القادم، واغتر الناس بالشعارات البرَّاقة لأن نفوسَهم اعتادت الربيع الحقيقي ولم تُفكِّر أنها ستعيش سراباً، اعتقدت الشعوب أنها ستشهد ربيعاً غَضَّاً مُزهِراً، يكـون فيه الفرع أقوى من الأصل إلى أن صَحَـت على الحقيقة المُرَّة وأدركت أن الربيع المستورَد لم يأتِ إلا بالقتـل والتشريد الذي رسمَه لنا صُنَّاع الربيع.
لِشِدّة مصائب الربيع الجديد يتمنى البعض أن يرى بعده صيفاً أو خريفاً او شتاءً لعل الغُمَّة تنقشع، ولكنني أقول: إن ربيع العرب اليوم يظل أقلَّ مصائب من الفصول الباقية التي تم توقيتُها وتحضيرُها، ومن نَفْـس المُخطِّط للفصول الأربعة، لأن من وضع الساعة الزمنية الجديدة لفصول الأمة وضع لِكُل فصل قادتَه وزُرَّاعَهُ وحُصَّادَه، ولم يقف عند هذا الحد، بل وضع للأمةِ وفي الأمةِ قادةَ وأزلاماَ ونُوّاباَ للقادةِ والأزلام ونواباً لنُوّابهم وقد يمتدُّ النُّواب إلى عدة حلقات متتابعة حتى تكون خُطتهم مُحكمة ونتائجها مضمونة، و إذا فكّرت الشُّعوب بالخروج من تحت (الدَّلِف) تنتقل إلى تحت (المزراب)، فهم يُخطِّطُون لعشرات السِّنين ونحنُ نَعيش كُلِّ يومٍ بيومِه.
أخي القارئ: إنَّ بشائِـر الرّبيع العربي ووَيلاتِه بدأت تظهر. فبعد تَقسيم الأمَّة ومحاولة طمس هويَّتها، وزرع التناحُر فيما بينها، حتى وصلت الفتن إلى الاقتتال داخل البلد الواحد؛ جاء دور الهدف الرئيس وهو فرض الوِصاية والحُلول الاستسلامية على الأمة ولعل هذا هو الفصل الأخير من خُطة من كتب المسرحية بربيعِها وشتائِها، صيفِها وخريفِها.
وفي الختام أرجو أن يسمح لي القارئ الكريم أن أقول: إنَّ المُقدمات كانت واضحة أنها ستقود إلى هذه النتائج و إنْ انطَلت وما زالت تنطلي على المُغرَّر بهم، لكنَّ سادةَ الفصول الأربعة ونُخبِهم وأزلامهم يَعرِفُـون كُل خطوة مَشوها على هذا الطريق ومن أين بدأوا وأين سينتهون.
إنّ ما نراه على الواقع من إفرازات للربيع العربي شيءٌ جَلَـل والقادِم أعظَـم، وما على الأمّـة وشُعوبِها والشّرفاء من قادتِها إلَّا أن يَقِـفُـوا صَفاً واحِـداً يكون فيه القائِـد هو الشَّعب، والشَّعب هو القائد، نُحافِظ على ثَـوابت الأمّـة ومُقـدَّساتِها، ونُعطي ثِـقَـتَـنا لِمن لا يَخُون الأمّـة، لِمن يَقِـفُ مع المظلوم، و لمن يَحترم ويُحافظ على دينِـهِ وتاريخِـه، ثِقـة نُعطيها لمن يحرص على دماءِ شعبه ويُجنِّبه مكائد الغُرباء، لِذي بَصيـرة وصاحب رؤية يُتقِـن فَـن السِّياسة مِثلما يُتقِـن فَـن الحرب.
ولنعلم جميعاً أن ثباتَنا على الحق هو سِرُّ قُوّتنا وأنّ فترة الضّعف وإن استمرت لِحين، فهي زائلةٌ لا محالة ولكِنّها تَحتاج إلى صبرٍ وتَلاحُـم وثِـقَـةٍ بالنّـفس لا تَهتَـز مهما كَثُـرَت المصائب.
الكاتـب: الأستاذ عبدالكريم فضلـو العـزام