حكايات مع الملك الحسين
مضى 15 عاماً على رحيل الملك الحسين، وتبوأ الملك عبدالله سلطاته الدستورية، ورغم صعوبة السنوات الماضية سياسياً واقتصادياً، إلاأن الأردن اجتاز العواصف ولم تحرقه نيران الجوار الملتهب، ولم يسقط في الفوضى.
رحل الرئيس العراقي صدام حسين بحرب دولية ضده، ولكن العراق حتى الآن لم يسلم من حروب الطوائف وعنف السيارات المفخخة.
وأطاح ما سمي “الربيع العربي“ بزعماء عرب من الحكم، ظلوا لسنين طويلة يعتقدون أنهم محصنون، وأنهم سيورثون الحكم لأبنائهم،هرب الرئيس التونسي زين العابدين بن علي تاركاً بلاده ولاجئاً إلى السعودية، وخلع الرئيس المصري من الحكم، وحوكم وما زال،وأقصي الرئيس اليمني علي عبدالله صالح عن السلطة، وقتل الزعيم معمر القذافي على يد الليبيين بعد حرب قصيرة ضده، وما زالالرئيس السوري يحكم قبضته على سوريا بعد مقتل الآلاف، ودمار العديد من المدن، وصراع مسلح لا يعرف كيف سيضع أوزاره؟!.
بين زلزال الثورات والاحتجاجات العربية اختط الأردن مساراً مختلفاً حتى وإن عاش أزمات قاسية خلال الثلاث أعوام الماضية، والفضلفي ذلك للشعب والنظام السياسي، لأنهما كانا قادرين على صناعة توليفة للتغيير والتعايش تبقي الأردن آمنا.
بعد 15 عاماً على تولي الملك عبدالله سلطاته الدستورية، نستذكر العقود الصعبة التي مر بها الأردن خلال حكم الملك الحسين، ولستممن يعشقون المقاربات بين ملكين وعهدين، فالملك عبدالله منذ اللحظة الأولى لتوليه العرش لم يكن “أبيه“ الحسين، رغم التماثلوالتحديات التي لا يمكن إغفالها وتجاهلها.
من السهل أن نكتب عن عهد الملك عبدالله، فلقد عشنا تفاصيله، والأصعب أن نروي حكاية عقود عاشها الحسين في الصراع وإدارة حكمبلد لم يعش يوماً إلا وسط القلاقل والأزمات.
منذ عودتي للعمل في الصحافة الأردنية عام 1990 أتيح لي التواصل المباشر مع الحسين، ولا زلت أتذكر قصة طريفة لن أنساها حينسافرنا مع الملك على طائرته الخاصة لحضور أعمال القمة العربية في القاهرة عام 1996، وكان حينها عبدالكريم الكباريتي رئيساًللحكومة، جلس الحسين في مقصورة الطائرة بعد أن أقلع بها، وبدأ بمراجعة بعض الأوراق مع الكباريتي، وفجأة أعطاني الرئيس أبوعونما كان يقرأه مع الملك وسط دهشة الحسين، فما كان من الكباريتي إلا أن أجابه “هذول منا وفينا سيدي“، وكانت أوراقاً تتعلق بالقمةالعربية والعمليات “الإرهابية“ التي كان الأردن يتهم سوريا بتنفيذها ضده، وكان في المقصورة مدير المخابرات الأسبق سميح البطيخي،ومقرر أمن الدولة مصطفى القيسي، وكل أركان الدولة.
في ذلك المؤتمر لم يكن يمضي يوماً دون أن نجتمع مع الكباريتي ووزير الإعلام الأسبق مروان المعشر والوزير محمد داودية في غرفهمبالفندق ليقدموا للصحفيين شرحاً تفصيلياً لكل ما حدث.
القصة الثانية التي تستحق أن تروى كانت زيارتنا للحسين خلال مرضه في واشنطن كوفد لنقابة الصحفيين والتي تزامنت مع عيد ميلاده،وما زلت أتذكر كيف نقل لي مروان المعشر سفيرنا في واشنطن ترحيب الحسين بزيارة الوفد وفي ضيافته، ولا زلت أتذكر الضجة التيأثارتها الزيارة وكنت الشخص المباشر في تنسيقها ومتابعة تفاصيلها، وحين التقيناه في واشنطن في مكتب السفير كانت آثار العلاجالكيماوي من مرض السرطان بادية عليه، وكان عائداً من مفاوضات “واي بلانتيشن“، وأصر أن يروي لنا تفاصيل ما حدث، متجاهلاًإشارات رئيس التشريفات معالي أيمن المجالي بإنهاء اللقاء لأنه طال جداً، وكان فرحاً بالكرت الذي قدمناه له ويحمل توقيع الصحفيينوعبارات التهنئة له بعيد ميلاده والأمنيات بالعودة سالماً لوطنه.
كنت وما زلت أقول رغم مرور 15 عاماً على رحيل الحسين بأنه كان قادراً على أن يأسر محدثيه، خصومه قبل محبيه، جواز سفرهلقلوب الناس كان تواضعه وقربه، وكان في الوقت ذاته قادراً على إرسال رسائل العتب، وهذا ما عرفته أيضاً حين كان يلتقي الصحفيينوهو غاضب منهم.
وفي إحدى اللقاءات وبعد انتظارنا له أكثر من ساعتين دخل محتداً بسبب أخبار صحفية كانت تنشر هنا وهناك وخاصة في الصحفالأسبوعية، ولم ينزع فتيل غضبه سوى دعابة من الزميل عبدالله العتوم وكان حينها مديراً لوكالة الأنباء “بترا“، حيث روى عن عجوزمن قرية “سوف“ كيف تحب الشماغ الأحمر حين يزين رأس الملك، فعاد الحسين للضحك وانفرجت أساريره.
بعد 15 عاماً ما زالت ذكرى الحسين حاضرة بين شعبه، والعالم يتذكر حنكته وقيادته.